ثقافة وأدب

ليست مجرد شجار في الحانات.. تلك الحروب اندلعت بسبب الخمور

7 شباط 2019 16:30

تكرر هذا المشهد كثيرًا في الأفلام السينمائية، نرى البطل يجلس في إحدى الحانات ويحتسي البيرة بغرض نسيان أحزانه، وبعد ساعات معدودة؛ يتحول إلى شخص يبحث عن شجار، ليتنهي المشهد بكسر زجاجة البيرة وخوض شجار د

تكرر هذا المشهد كثيرًا في الأفلام السينمائية، نرى البطل يجلس في إحدى الحانات ويحتسي البيرة بغرض نسيان أحزانه، وبعد ساعات معدودة؛ يتحول إلى شخص يبحث عن شجار، ليتنهي المشهد بكسر زجاجة البيرة وخوض شجار دامٍ ساخن، وربما تكرر هذا المشهد في السينما، لأنه يحدث على أرض الواقع لما يفعله الكحول في عقل الإنسان، ولكن هل يمكن أن تتسبب البيرة أو الكحول في حرب دامية يقع فيها قتلى وجرحى؟

يبدو أن إجابة التاريخ عن هذا السؤال هي «نعم»، وفي هذا التقرير نقص لكم أربع حروب ومعارك قامت من أجل «البيرة».

1- عمدة شيكاجو الذي أشعل حربًا أهلية «في صحته»

عندما تولى ليفي بون رئاسة بلدية شيكاجو في عام 1855، كان المهاجرون الأيرلنديون على قائمة اهتماماته، ولكن ليس لرعايتهم أو لتوفير حقوق مواطنة لهم، بل لمحاربتهم وانتقادهم علانية، وفي أحد خطاباته حينما تولى المنصب وصفهم بكونهم «سكارى منحرفين».

جاء وصف ليفي للمهاجرين الأيرلنديين صارمًا إلى هذا الحد؛ لأنهم من وجهة نظره كانوا ينشرون الفساد في شيكاجو، عن طريق فتح أبواب الحانات الجديدة في أرجاء الولاية، والتي زاد عددها على 620 حانة، كانوا يترددون على تلك الحانات يوم الأحد بعد أسبوع متواصل من العمل الشاق؛ حتى يرفهوا عن أنفسهم، ولكن تلك العادات لم ترُق ليفي، ولذلك اتخذ قرارات صارمة تسببت في أزمة.

Embed from Getty Images

أصدر ليفي قرارًا بغلق جميع الحانات في أيام الأحد، ورفع أسعار ترخصيص الخمور من 50 دولارًا إلى 300 دولار؛ بغرض تعجيز المهاجرين الأيرلنديين عن ممارسة عاداتهم الترفيهية، ولكن ما يزيد على 200 شخص من أصحاب الحانات قرروا الوقوف أمام هذا القرار وخرقه، ولمنع رجال الأمن من غلق الحانات بالقوة، كان بعض من رجال المهاجرين الأيرلنديين يحرسون الحانة ليلًا بالأسلحة النارية، وبعد مناوشات لا تذكر بين الشرطة والمهاجرين تطور الأمر سريعًا.

Embed from Getty Images

بعد أن رفض ليفي التنازل نهائيًّا عن قرارته الصارمة تجاه أصحاب الحانات، توجه الآلاف من المهاجرين الأيرلنديين بالأسلحة النارية إلى مقر الشرطة حيث يتواجد ليفي، معترضين على قراراته، ومطالبين إياه أن يتنازل عنها وأن يترك البيرة حرة مستقلة لأنها متعتهم الوحيدة.

ولكن ليفي لم يتنازل، واندلعت حرب أهلية بين الشرطة والمهاجرين، سقط خلالها المئات من القتلى والجرحى، ولم يتنازل ليفي عن قراره أيضًا، تلك الوقعة جعلت مكانته شائكة في منصبه، ولذلك ترك المنصب بعد فترة وجيزة، ومن بعد رحيله عادت الأمور كما كانت عليه في ما يخص تصاريح الكحول، وفتح أبواب الحانات في أيام الأحد.

2- أوكسفورد.. بيرة رديئة أم مشكلات طبقية؟

في القرن الرابع عشر، احتلت جامعة أوكسفورد مكانة مهمة في عالم السياسة وإدارة الأعمال، وبالتالي بدأ طلابها وأساتذتها في السيطرة على مجريات الأمور، بينما أقصوا أهالي المدينة وعاملوهم بازدراء وتعالٍ، وشعر رواد أوكسفورد أنهم الطبقة الأعلى في هذا المجتمع، وتشكل مع الوقت كره سري متبادل بين الطبقتين، ولم يكن يحتاج هذا الكره إلا كأسًا من النبيذ حتى تشتعل الحرب.

Embed from Getty Images

في شتاء عام 1355، قرر اثنان من طلبة أوكسفورد الذهاب لإحدى الحانات واحتساء بعض النبيذ، ولكن بعد أن تذوقا الرشفة الأولى، اكتشفا أن طعم النبيذ سيئ للغاية، ولأن النبيذ مرتبط في الأذهان بالطبقة العليا، فجاء توبيخ الطالبين لصاحب الحانة مهينًا لكونه لم يرتقِ للمكانة التي تمكنه من صناعة نبيذ فاخر.

هذا التوبيخ لم يرُق صاحب الحانة، والذي كان مستعدًا من البداية لاستقبال الإهانة استقبالًا غاضبًا لما يعانيه الأهالي من معاملة سيئة من رواد أوكسفورد؛ فجاء رد صاحب الحانة مهينًا على الطالبين، فرمى أحدهما الكأس في وجهه؛ لتبدأ الحرب.

Embed from Getty Images

هذا الشجار كان كافيًا لإشعال فتيل الحرب بين رواد أوكسفورد وأهالي المدينة، فسار حشد من الأهالي إلى الحرم الجامعي معززين أنفسهم بالأسلحة والمشاعل والسهام، وهجموا على الجامعة، وحرقوا الكتب واشتبكوا مع الطلبة الذين لا يملكون أي خبرة في القتال، واستمرت تلك الاشتباكات لما يزيد على ثلاثة أيام؛ سقط فيها عشرات من الطلاب وسكان المدينة، وانتهت الحرب بعد أن عم الخراب الجامعة.

3- بولندا.. المنافسة التجارية قد تقتل أحيانًا

خلال القرن الرابع عشر في بولندا، اشتهر مصنع واحد بصناعة البيرة وتقديمها في حانة مُلحقة بالمصنع، والتي أطلق عليها حانة الفئران، وهذا لأن مقر هذا المصنع كان حافلًا بالأوبئة والحشرات، ولكن السكان كانوا مضطرين للتردد عليه لأنه المكان الوحيد الذي يقدم البيرة على الرغم من أسعاره المرتفعة، والمصنع كان مملوكًا للدولة، والحكومة كانت الطرف الوحيد الذي يستفيد من أرباحه.

البيرة كانت مكونًا أساسيًّا في الحياة العامة بهذا الوقت؛ فقد كانت مشروبًا يتواجد على كل مائدة في جميع المناسبات العامة. *المؤرخ ريتشارد ووجر من كتابه «البيرة في العصور الوسطى وعصور النهضة»

على الجانب الآخر، كانت هُناك كاتدرائية أتقن رهبانها صناعة البيرة، وفي عام 1380 ميلاديًّا قرروا تصنيع المشروب بكميات كبيرة، وترويجها بسعر أقل من أسعار مصنع الفئران، وكان المشروب جيدًا ومُتقن الصنع؛ فانفض الناس عن الحانة غالية الثمن رديئة البضاعة، وأقبلوا بشدة على بيرة الرهبان.

Embed from Getty Images

لم يكن هذا الوضع مُرضيًا للحكومة التي توقفت تجارتها بسبب سلعة الرهبان الأكثر جودة والأرخض ثمنًا، ولذلك صرحت الحكومة أنها الوحيدة المسموح لها ببيع البيرة وترويجها في تلك المنطقة من بولندا، ولكن الكاتدرائية لم ترضَ بذلك ولم يخضعوا لهذا القرار؛ فبدأت الحرب.

كانت في البداية الحرب تجارية، حينما حاصرت الحكومة أي إمدادات قادمة للكاتدرائية، وصعبت عليهم عملية تصنيع البيرة، وتطور الأمر حينما أرسل أحد الأعيان من خارج بولندا براميل ممتلئة بأفخم المشروبات الروحية إلى الرهبان؛ فصادرتها الحكومة لنفسها، الأمر الذي أزعج الرهبان وأغضبهم.

لم تملك الكاتدرائية سوى الدين سلاحًا؛ فحرمت كل أعضاء مجلس المدينة من زيارة الكنيسة، وحكمت على نفسوهم باللعنة وعدم تقبلهم توبتهم إن لم يتوقفوا عن منع إمدادات صناعة البيرة للكاتدرائية، وعندما لم تستجِب الحكومة؛ أغلق الرهبان أبواب الكنيسة في وجوههم، ولم يتوقف هذا الصراع إلا حينما أرسل البابا جيشًا يُجبر الرهبان على فتح أبواب الكنيسة لكل الناس.

4- أستراليا.. معركة الجيش والشرطة

خلال الحرب العالمية الثانية، استقرت قاعدة عسكرية كبيرة في مدينة بريسبان بأستراليا، حيث تمركز الآلاف من الجنود، وكانت التسلية الوحيدة لهؤلاء الجنود الذين ينتظرون الأوامر بالحرب، هي احتساء البيرة حتى منتصف الليل، ومغازلة سيدات المدينة، ومن ثم التسكع في الطرقات وهم سكارى، وكان الأمر يتكرر كل ليلة؛ حتى أزعج أهالي المدينة وقدم الكثير البلاغات والشكاوى إلى الشرطة، والتي ارتأت أن عليها التدخل لحل هذا الأمر.

Embed from Getty Images

أصدرت الشرطة قرارًا بغلق جميع الحانات بحلول الساعة الثامنة مساءً، وغلق أبوابها تمامًا أيام الأحد، ولكن الجنود وأصحاب الحانات تجاهلوا هذا القرار واستمروا في عادتهم المزعجة لأهالي المدينة، ولم يرُق رجال الشرطة هذا التجاهل المتعمد؛ ولذلك هجم رجال الشرطة على الحانات والفنادق في تمام الساعة الثامنة مساءً، مطالبين رواد الحانات بالعودة إلى منازلهم، وأصحاب الحانات بإغلاقها.

Embed from Getty Images

لم يكن رد فعل الجنود السكارى مسالمًا أمام ما أقدمت عليه الشرطة؛ فأغلق الجنود الشوارع بالسيارات الفارغة، وتحول الشارع إلى ساحة معركة بين جنود الجيش ورجال الشرطة، واستمرت المعركة ما يزيد على خمس ساعات متواصلة، وحينما حضر الإعلام لنقل الحدث؛ تهجم الجنود على الصحافيين وكسروا كاميراتهم، وانتهت المعركة بفوز جنود الجيش الذين سرقوا برميلًا كبيرًا من البيرة وحملوه في الطرقات وهم يغنون ويصيحون حتى الصباح.

 

أميرة حسن