تقارير وحوارات

عقود من السرقة.. إسرائيل تعرض الآثار العربية المنهوبة على أراضيها

13 شباط 2019 04:04

يعتقد الكثير أن مهام رئيس الأركان السابق في جيش الدفاع الإسرائيلي موشي ديان كانت تقتصر على خوض الحروب والمعارك مع الدول العربية وعلى ارتكابه المجازر ضد الفلسطينيين إبان النكبة الفلسطينية عام 1948. وال

يعتقد الكثير أن مهام رئيس الأركان السابق في جيش الدفاع الإسرائيلي موشي ديان كانت تقتصر على خوض الحروب والمعارك مع الدول العربية وعلى ارتكابه المجازر ضد الفلسطينيين إبان النكبة الفلسطينية عام 1948. والحقيقة أن هناك مهمة خطيرة كان يقوم بها ديان أيضًا، فالرجل سيئ السمعة أخذ ينهب الآثار العربية بمساعدة الجيش الإسرائيلي حتى أضحى منزله متحفًا مليئًا بالقطع المسروقة من سيناء وغزة و قبرص والأردن والعراق، وحتى بعد وفاته، استكملت زوجته جرائم بيع الآثار التي كان يملكها، فباعت راشيل التي انضمت مبكرًا لمنظمة «الهاجاناه» المتطرفة إلى «متحف إسرائيل» آثار عربية سرقها زوجها بمبلغ يقارب من مليون وربع دولار، كما وهبت الجزء الآخر مجانًا للمتحف. أما الحكومة الإسرائيلية التي واجهت مرارًا اتهامات بالتورط في سرقة الآثار العربية خاصة بعد ثورات الربيع العربي 2011، فقد انتقلت من مرحلة تقديم الإغراءات -بسرية- إلى السياح من أجل القدوم إليها وبيع وشراء الآثار بشكل قانوني، إلى مرحلة عرض هذه الآثار في معارضها بشكل علني على أنها إسرائيلية، حيث عرض مؤخرًا ولأول مرة آثار فلسطينية وسورية وعراقية مسروقة في «متحف أرض الكتاب المقدس» بالقدس الغربية.

الآثار الفلسطينية تعرض في القدس باعتبارها آثارًا «إسرائيلية»

على أرض قرية لفتا المقدسية، أنشأت إسرائيل في العام 1992 «متحف بلاد الكتاب المقدس»، وفي هذا المتحف عرضت بشكل علني في يناير (كانون الثاني) 2019 نحو 20 قطعة أثرية من أصل 40 ألف قطعة وضعت يدها عليها منذ عام 1967. المزيد من الجرأة كان في تعقيب مسئولين إسرائيليين على هذا المعرض، فقد قالت وزيرة الثقافة ميري ريغف أن أهمية المعرض تكمن في: «كشف الصلة التاريخية للشعب اليهودي بأرض إسرائيل وبيهودا والسامرة»، فيما أكد نائب الوزيرالأمن الإسرائيلي إيلي بن دهان أن «الآثار تكشف إلى أي درجة هذه البلاد هي وطننا، فسارقو الآثار الفلسطينيين يدمرونها من أجل فصلنا عن بلادنا».

وعن حادثة عرض هذه الآثار مؤخرًا، تنقل صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية عن عالم الآثار العالم الإسرائيلي يوني مزراحي قوله: «القصة هي أن هناك سارقين وهناك من ضبطهم، أي هناك أخيار وهناك أشرار، هذا لا يعتبر معرضًا للآثار، بل مهزلة. حسب ميثاق هاغ، يجب عدم التنقيب عن الآثار، وإذا تم الحفر فيجب أن يكون لصالح السكان الفلسطينيين». ويضيف تقرير الصحفية أن «المشكلة مع الآثار المنهوبة، وراء إهانة الحضارة، هي أننا لا نستطيع أن نعرف، على وجه اليقين، من أين أتت؟ ولا يمكن تأريخها بأي نوع من المصداقية، وعدم معرفة مصدرها يجعل من الأصعب بكثيرٍ إثبات أنها حقيقية». ومن المعروف أن الإسرائيليين بدأوا مبكرًا في عمليات نهب الآثار الفلسطينية، وقاموا بتدمير عدد لا يحصى من المواقع في القرى والمدن التي احتلوا بحثًا عن الآثار، حتى أن علماء الآثار قدروا ما نهب من أختام وعناصر معمارية منحوتة في العام 1967 من مقبرة قديمة في سفوح يهوذا بـ 6 آلاف قطعة أثرية. وهنا، لا يمكن إنكار وجود تعاون بين إسرائيليين وفلسطينيين من اللصوص المحترفين الذين لديهم بعض المعرفة بالمواقع الأثرية أو يتم تزويدهم من قبل الإسرائيليين بالخرائط عن المواقع الأثرية، حيث يتم استخراج التماثيل والعملات المعدنية والقطع الحجرية الأثرية المتنوعة من الأراضي الفلسطينية، بجهد من اللصوص الذين يعملون في البناء أو البدو الذين ينقلون الآثار ليلًا إلى وسطاء من الفلسطينيين الأغنياء، لتصل في النهاية إلى تجار الآثار الكبار في إسرائيل. وبالرغم أن الضفة الغربية تحتكم إلى القانون الأردني الذي يمنع بيع الآثار، إلا أن إسرائيل حولت كل الأراضي التي تحت سيطرتها بشكل عام والقدس بشكل خاص إلى مركز دولي للاتجار بالآثار المسروقة، وساعدها على ذلك موجة التهريبات التي نتجت عن سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في سوريا والعراق، حيث وصل العديد من القطع الأثرية إلى الأردن ثم إلى تجار الآثار في القدس، أو إلى أماكن أخرى في العالم.

الآثار العراقية تُعرض أيضًا

«هدية من الرئيس صدام حسين إلى من دافع عن وطنه» عبارة حفرت باللغة العربية على مسدس اكتشف أمره في جيب فتى فلسطيني في 17 من العمر، يعيش في قرية كفر قاسم الفلسطينية في الداخل المحتل، وقد تمكنت دورية إسرائيلية من إيقاف سيارة الفتى حين حاول الهرب. وقعت الحادثة السابقة في يوم 13 من فبراير (شباط) 2014، وفيما انتهت هذهالقضية عند عدم معرفة الشرطة الإسرائيلية كيف وصل المسدّس إلى إسرائيل، كانت مسيرة وصول العديد من الآثار العراقية إلى إسرائيل واضحة لدى الحكومة الإسرائيلية قبل أن يتم عرضها مؤخرًا في متحف «بلاد الكتاب المقدس» في يناير (كانون الثاني) 2019. فقد وصلت الآثار العراقية المنهوبة مبكرًا إلى إسرائيل بعد الغزو الأمريكي للعراق في العام 2003، بل أن إسرائيل انتزعت قرارًا قضائيًّا بوضع يدها على كثير من القطع الأثرية العراقية، التي وصلت إلى الأسواق الإسرائيلية، وقامت بمصادرتها والاحتفاظ بها، تحت ذريعة «استعادة وحماية التراث الثقافي اليهودي» الذي سهل عليها «نهب» التراث الثقافي في دول الشرق الأوسط وبالأخص في العراق. ويمكننا هناك الاستشهاد بما حدث في يناير (كانون الثاني) عام 2015 عندما تم الإبلاغ عن أن إحدى القطع الأثرية عمرها 200 عام قد تم إيداعها في السفارة الإسرائيلية في الأردن ثم شقت طريقها إلى إسرائيل، كما أنه ليس من الغرابة العلم أن وزير الخارجية الإسرائيلي السابق أفيغدور ليبرمان يحتفظ بمخطوطة للتوراة حصلت عليها القوات الأمريكية بعد إسقاط النظام العراقي السابق عام 2003. ولإسرائيل دور في فضيحة شركة «هوبي لوبي» الأمريكية لبيع التحف الفنية التي كشفت في يونيو (حزيران) 2017، حيث تسلمت الشركة آلاف القطع الأثرية المهربة من العراق شحنت لها عن طريق الإمارات وإسرائيل ببيانات شحن مزيفة، ووافقت الشركة على دفع مبلغ 3 ملايين دولار غرامة، كما قامت بتسليم 5500 قطعة أثرية عراقية.

«داعش» قدمت الآثار السورية للإسرائيليين

تود حكومتي أن تنقل معلومات استخباراتية ذات مصداقية عالية تفيد بأن الجماعات الإرهابية النشطة في منطقة جوبر، بالقرب من دمشق، قامت بالتعاون مع الاستخبارات التركية والإسرائيلية على نهب آثار ومخطوطات من الكنيس اليهودي القديم. *جزء من شكوىرسمية قدمها السفير السوري لدى الأمم المتحدة، بشار الجعفري إلى مجلس الأمن الدولي بالأمم المتحدة في 23 مارس (آذار) 2018

وتابع الجعفري القول: «الآثار تم تهريبها عن طريق وسطاء محليين وأجانب إلى إسطنبول. وقام خبراء آثار في تركيا بفحصها وأكدوا أنها قديمة وثمينة للغاية، ومن ثم هُرّبت إلى نيويورك». لكن إسرائيل التي نفت الاتهام السوري السابق، لم تتردد في عرض آثار سورية مسروقة مؤخرًا في متحف «بلاد الكتاب المقدس» الإسرائيلي بالشراكة مع الإدارة المدنية الإسرائيلية، ثم بعد انتهاء المعرض وضعت الآثار في خزائن تحت عنوان «تحف ضائعة»، لقد كان لعمليات سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) على الآثار السورية في أكبر عملية ممنهجة لنهب الآثار دور كبير في وصول هذه الآثار التي بيعت في السوق السوداء لإسرائيل.

بل أثيرت معلومات عن أن إسرائيل حاولت بنفسها الوصول إلى آثار كنيس «إلياهو هانافي» في جوبر السورية حيث سكنت به طائفة يهودية كبيرة، بعد أن تم مداهمة الكنيس اليهودي الغني بالآثار في أعقاب المعارك بسوريا، وقال رئيس قسم الآثار في سوريا مأمون عبد الكريم أن «السلطات الإسرائيلية حاولت الدخول واستعادة القطع الأثرية داخل المعبد، ولكن المسلحين منعوهم من الدخول». وأضاف لـ«رويترز»: «تعرض المعبد للسرقة والاعتداءات، بحسب شهود عيان، لكنني لا أستطيع أن أؤكد صحة هذه المعلومات من دون تحقيق، غياب العلاقات بين سوريا وإسرائيل يعني عدم وجود معلومات عن الأشياء المنهوبة التي وجدت أنه قد تم الوصول إليه أيضًا». وعلى غرار ما تم في العراق، ستمر عدة سنوات قبل أن تظهر جميع القطع الأثرية السورية المسروقة في الأسواق الإسرائيلية، فلطالما كانت إسرائيل واحدة من الدول الشرق أوسطية الوحيدة التي يحق لها بيع وشراء الآثار، وفيها يأمن السياح على إتمام عمليات شراء القطع الأثرية من العملات المعدنية، والتماثيل الحجرية أو الفخارية، وقطع من الزجاج والعاج.

رحلة الآثار المصرية إلى إسرائيل

تعد سيناء بوابة التهريب الأولى للآثار المصرية نحو إسرائيل، فقد وصلت من خلالها الكنوز الأثرية الآشورية والبابلية والفرعونية لإسرائيل، وضبط مع التجار الإسرائيليين أغطية توابيت خشبية لمومياوات عمرها آلاف السنوات، ومكتشفات أخرى لا توجد إلا في مصر بفضل مناخها الجاف.

وزادت عمليات تهريب الآثار المصرية إلى إسرائيل عبر سيناء بعد اندلاع ثورة 25 من يناير (كانون الثاني) 2011، حتى أن إسرائيل أقرت بوصول آثار مصرية لها، فقالت الناطقة بلسان سلطة الآثار يولي شفارتس أن «لصوص آثار مصريين باعوا المكتشفات التي سرقوها من غرب مصر لمهربين باعوها لدبي، ومن هناك تم تهريبها مجددًا لإسرائيل بواسطة دولة أوروبية تمهيدًا لبيعها في العالم بالمزاد العلني بعد استصدار شهادات رسمية لها وكأنه عثر عليها في البلاد». وأضافت لـ«الجزيرة نت» إن: «المهّربين اضطروا لقص بعض الأثريات لنصفين بغية تيسير عملية تهريبهًا داخل حقائب مما ألحق بها ضررًا فادحًا، هناك أغطية لقبور صنعت من خشب النخيل واستخدمت لاحتواء جثامين محنطة لا يعرف مصيرها». وكانت واحدة من أبرز حوادث السرقة للآثار المصرية هو عرض المتحف الإسرائيلي في تل أبيب آثارًا فرعونية في أغسطس (آب) 2015، عبارة عن تماثيل وقلائد من الذهب الخالص، وكذلك سيف الملك توت عنخ آمون المعروف باسم «سيف المنجم»، وهي آثار تعود إلى القرنين الثالث عشر والثاني عشر قبل الميلاد وبعدها من العصر القرن التاسع عشر قبل الميلاد. ووصلت الأمور إلى حد تورط ضباط بالجيش المصري في عمليات تهريب للآثار المصرية عبر الإمارات وإسرائيل باعتبارهما معبرًا سريًّا قبل الوصول إلى الوجهة النهائية المتمثلة في الولايات المتحدة وأوروبا، فقد قام سارقو الآثار المصريون بنهب قبور قديمة في منطقة الصحراء الغربية في مصر، ثم هربت الأغطية الخشبية من مصر إلى دبي، ثم إلى إسرائيل عن طريق دولة ثالثة في أوروبا. وعلى عكس الدول الأخرى، أعادت إسرائيل في سبيل إطار توطيد العلاقات مع النظام المصري بعض الآثار المصرية إلى مصر عدة مرات، حدث ذلك في نوفمبر (تشرين الثاني) 2017، حيث أقر وزير الآثار المصري، خالد العناني باختفاء 33 ألف قطعة أثرية من مخازن الوزارة والمجلس الأعلى للآثار، أعلن عن استعادة قطعتين من الآثار المصرية الموجودة في إسرائيل، كما سبق وأن أعادت إسرائيل في مايو (أيار) 2016 غطاءين لتوابيت دفن مصرية قديمة، كان في داخلها في الماضي مومياوات قديمة، وهي أغطية مصنوعة من الخشب ومغطاة بطبقة من الجصّ، وعليها زينة وصور بالكتابة الهيروغليفية المصرية القديمة.