علوم

أدوية الحساسية قد تُضعف الذاكرة

14 شباط 2019 02:51

من المتوقع أن تثير دراسة علمية أعدها فريق من الباحثين اليابانيين بجامعة "طوكيو"، بالتعاون مع آخرين من جامعتي "هوكايدو" و"توكيدو"، حالةً من الجدل داخل الأوساط الطبية حول تأثير "أدوية الحساسية" على "الذ

من المتوقع أن تثير دراسة علمية أعدها فريق من الباحثين اليابانيين بجامعة "طوكيو"، بالتعاون مع آخرين من جامعتي "هوكايدو" و"توكيدو"، حالةً من الجدل داخل الأوساط الطبية حول تأثير "أدوية الحساسية" على "الذاكرة طويلة الأمد".

ويستخدم الأشخاص الذين يُعانون من الحساسية أدويةً مُضادة للهستامين لتخفيف الأعراض المُصاحبة للحساسية، إلا أن نتائج الدراسة الجديدة تكشف أن الذاكرة طويلة الأمد قد تتأثر نتيجة استخدام تلك الأدوية، موضحةً أن "تعاطي العقاقير المُحفزة للهستامين، وليس العكس، قد يساعد على تنشيط الذاكرة طويلة الأمد، وهي تلك الذاكرة التي يتم استخدامها لاسترجاع أي ذكريات مر عليها أكثر من 48 ساعة".

وتشير الدراسة التي نشرتها دورية "بيولوجيكالسيكايتري" (Biological Psychiatry)، اليوم "الثلاثاء"، 8 يناير، إلى أن "الهستامين هو مادة كيميائية يُفرزها الجسم حين يُصاب الجهاز المناعي بخلل يتعرَّف بموجبه على الطعام أو جزيئات الغبار كمركبات ضارة، فيبدأ الجسم بضخ الهستامين في الدماء لمقاومة تلك الأعراض، وهو أمر ينجم عنه أعراض الحساسية المعروفة، كالحكة الشديدة والعطس المتكرر".

وأوضح الباحثون أن "تنشيط إفراز مادة الهستامين في فئران التجارب ساعد على تمديد ذاكرتها بمقدار 25 يومًا أطول من المعتاد، ما يعني أن تلك المادة تؤدي دورًا مجهولًا في الدماغ، وقد يُساعد توضيح تلك الوظيفة على تخفيف أعراض الأمراض المرتبطة باضطرابات الذاكرة، مثل ألزهايمر وخرف الشيخوخة".

ووفق بيان أصدرته المنظمة العالمية للحساسية (WAO)، فإن ما بين 30% إلى 40% من سكان العالم يعانون من أحد أعراض الحساسية؛ إذ تُصيب حساسية الغذاء ما بين 200 مليون إلى 250 مليون شخص، فيما يُعاني 400 مليون شخص من حساسية الجيوب الأنفية سنويًّا، ويبلغ عدد الأشخاص الذين يُعانون من الربو الشعبي حوالي 300 مليون شخص حول العالم، وهو رقم قد يرتفع إلى 400 مليون شخص بحلول عام 2025.

أجرى الباحثون مجموعة من اختبارات الذاكرة على عينة مكونة من 38 شخصًا من الرجال والنساء، إذ عرضوا عليهم خلال التجربة 20 صورةً لأشياء مألوفة مثل النظارات وساعات اليد، وبعد عدة أيام، قاموا بعرض الصور نفسها بالإضافة إلى بعض الصور المتشابهة الجديدة، وسألوا العينة عما إذا كانوا قد رأوا تلك الصور من قبل أم لا.

وبعد تسعة أيام، قسم الباحثون العينة محل التجربة إلى قسمين، تم إعطاء المجموعة الأولى دواءً وهميًّا، فيما أعطوا المجموعة الثانية عقارًا يَزيد من إفراز الهستامين في الدماغ، وبعد تناول الدواء، تعرف المشاركون من المجموعة الثانية على المزيد من الصور بطريقة صحيحة، أما المجموعة الأولى ففشلت في التفرقة بين الصور التي رأوها من قبل والصور الجديدة.

وخلص العلماء إلى أن تناوُل الدواء المحفز لإفراز الهستامين ساعد أفراد المجموعة الثانية على استدعاء الذكريات المُخزنة في الذاكرة طويلة الأمد بشكل أفضل وأدق وأسرع.

غير أن الباحث الرئيسي في الدراسة "يوجي إيكيجايا" حذر –في بيان صحفي تلقى موقع"للعلم" نسخةً منه- من استخدام الأدوية المحفزة لإفراز الهستامين كمساعد على التذكر، قائلًا إنه "يجب تحذير أي طالب -على سبيل المثال- يُفكر في استخدام تلك الأدوية للمساعدة على التحصيل الدراسي، فالحفاظ على صحته أهم، كما أننا لم نختبر إذا ما كان هذا الدواء يساعد على تعلُّم أشياء جديدة أو حفظها".

ويضيف "إيكيجايا" أن "زيادة الهستامين ساعدت عينة البحث على تذكُّر صورٍ كانوا يعرفونها ذات مرة، لكنه لم يساعدهم على تذكُّر معلومات جديدة قيلت لهم أول مرة في أثناء التجربة".

ويعتقد الباحثون أن الارتفاع في مستويات الهستامين يعزِّز من تنشيط الخلايا العصبية المسؤولة عن الذاكرة طويلة الأمد، عبر تنشيط الإشارات العصبية الموجودة بين تلك الخلايا، مشيرين إلى أن "الهستامين لم يؤثر على نتائج المشاركين في اختبارات لا علاقة لها بالذاكرة طويلة الأمد".

أما في حالة الفئران، فقد أعطى الباحثون مجموعةً من الألعاب البلاستيكية لهم؛ إذ تفضِّل الفئران استكشاف الألعاب الجديدة، ولكن، بعد ثلاثة أيام، تنسى الفئران شكل الألعاب وتتعامل معها كلها وكأنها جديدة.

حقن الباحثون الفئران بدواء يزيد من مستويات الهستامين في الدماغ، فتعرَّفت الفئران على الألعاب التي رأتها مُسبقًا لمدة 28 يومًا، وهو ما يعني أن ذاكرة الفئران طويلة الأمد امتدت لـ25 يومًا كاملة أكثر من المعتاد.

وكشف فحص الرنين المغناطيسي لأدمغة الفئران زيادةً في نشاط العصبونات المسؤولة عن الإدراك البصري والذاكرة، ما يعني أن الهستامين أسهَمَ في تنشيط تلك الخلايا العصبية.

يقول "إيكيجايا": إن تحسين الذاكرة طويلة الأمد ليس مفيدًا على الدوام؛ إذ إن تنشيطها قد يُسبب اضطرابات ما بعد الصدمة، حال تذكُّر الذكريات المؤلمة والحزينة أو المخيفة، خاصةً أن الدماغ يوازن بين القدرة على التذكُّر أو النسيان.

ويُخطط الباحثون في المستقبل لاختبار مدى تأثير زيادة مستويات الهستامين على نتائج اختبارات الذاكرة لدى كبار السن، في محاولة لعلاج اضطرابات الذاكرة المرتبطة بالشيخوخة.

وردًّا على سؤال لـ"للعلم" حول ما إذا كانت هناك خطورة على الذاكرة بالنسبة لمرضى الحساسية الذين يتناولون مضادات الهستامين بانتظام، يقول "هيروشينومورا"، الباحث المشارك في الدراسة: "إن أدوية الحساسية يمكنها بكل تأكيد إلحاق ضرر بالذاكرة".

لكن "هيروشينومورا" يعود ويؤكد في تصريحاته لـ"للعلم" أن هناك "جيلًا جديدًامن الأدوية التي لا تعمل على مراكز إفراز الهستامين في الدماغ، وهي أدوية يُمكن تناولها بأمان".

ويضيف "هيروشينومورا" أن "الفريق البحثي عمل على الدراسة لمدة 5 سنوات كاملة، والخطوة التالية ستشمل تقييمًا شاملًا لدور الهستامين في الاضطرابات العصبية النفسية، ونسعى إلى فهم أفضل لتلك المادة التي تُعزز الذاكرة وتُسبب الحساسية".