تمتلك العديد من الحيوانات إحساسا بالكميات، لكنها لا تعد أو تحل مسائل رياضية بالطريقة نفسها التي يفعلها البشر، ويعرف هذا الإحساس باسم "العددية" (Numerosity)، ويظهر لدى مجموعة متنوعة من الكائنات، من الحشرات إلى الثدييات البحرية، ووفقا لمايكل بيران أستاذ علم النفس في جامعة جورجيا، فإن هذه القدرة تمنح الحيوانات ميزة تطورية، مثل العثور على المزيد من الطعام مما يزيد فرص بقائها وتكاثرها.
وعلى سبيل المثال يعد نحل العسل المعالم أثناء طيرانه نحو الأزهار الغنية بالرحيق، بينما تحافظ العناكب الذهبية على عدد الحشرات العالقة في شباكها، حتى أن ذكور ضفادع تونجارا تتنافس بعدد الأصوات أثناء طقوس التزاوج، بينما تقيم اللبؤات عدد زئير الأعداء قبل اتخاذ قرار الهجوم أو التراجع، وفي عام 2024 اكتشف الباحثون أن غربان الكاريون يمكنها النطق بعدد محدد من النعيقات كرد فعل على مؤثرات بصرية أو سمعية، مما يسمح لها بالعد من واحد إلى أربعة.
الفرق بين العد البشري وحس الكميات لدى الحيوانات
ورغم أن بعض الحيوانات تبدو قادرة على العد، إلا أن معظمها لا يفعل ذلك بالطريقة التي يفهمها البشر، فبدلا من ذلك تمتلك العديد من الكائنات ما يعرف بـ"نظام العدد التقريبي" (ANS)، وهو إحساس فطري بالكميات يعتمد على خلايا عصبية تستجيب لأرقام محددة، ووفقا لجورجيو فالورتيجارا أستاذ علم الأعصاب في جامعة ترينتو، فإن هذا النظام يتبع قانون ويبر الذي ينص على أن الحيوانات تدرك الفروق في الكميات بناء على النسب وليس الأرقام المطلقة.
ومع ذلك فإن العد الحقيقي يتطلب فهم الرموز الرياضية وقيمتها وترتيبها، وهي مهارة تحتاج سنوات من التعلم لدى البشر، ووفقا لإيرين بيبربرج الباحثة في جامعة بوسطن، فإن عددا قليلا جدا من الحيوانات، مثل الببغاء أليكس وشمبانزي شيبا وآي، اقتربوا من فهم العد الحقيقي، فعلى سبيل المثال كان أليكس الببغاء قادرا على التعرف على الأرقام من 1 إلى 8 وحتى جمع مجموعات من الأشياء مثل البسكويت أو الحلوى.
هل يمكن للحيوانات حل مسائل رياضية؟
ويعتبر العد أساسا للرياضيات لكنه لا يعني بالضرورة القدرة على إجراء عمليات حسابية معقدة، ففي حين أن بعض الحيوانات تظهر قدرة على العد الأساسي، فإن الغالبية العظمى لا تستطيع إجراء عمليات الجمع والطرح والضرب والقسمة، ومع ذلك صمم العلماء تجارب ذكية لاختبار قدرات بعض الأنواع، مثل الببغاء الرمادي الأفريقي والحمام وبعض الرئيسيات وحتى النحل وأسماك السيكليد، والتي أظهرت قدرة على إجراء عمليات حسابية بسيطة باستخدام رموز بصرية.
لكن عندما يتعلق الأمر بأرقام أكبر أو معادلات أكثر تعقيدا، فإن الأدلة على قدرة الحيوانات تضعف بشكل كبير، كما يشير بيران فإن الرياضيات الرسمية التي يتعلمها البشر في المدارس هي اختراع ثقافي حديث، نما بسبب الحاجة إلى حسابات أكثر دقة مع تطور الزراعة وتربية الماشية، ومع ذلك تظل بعض الحيوانات قادرة على مفاجأتنا بقدراتها العددية المحدودة، مما يفتح الباب لمزيد من الأبحاث المثيرة في هذا المجال.