قامت الباحثة بورتي إيميروغلو، زميلة برنامج "Pioneer Fellow" في المعهد الفدرالي السويسري للتكنولوجيا (ETH Zurich)، بتطوير ضمادة ذكية تعتمد على هيدروجيل حبيبي يعمل كسفنج انتقائي قادر على امتصاص الإشارات الالتهابية الضارة وتعزيز تجدد الأنسجة.
نُشرت هذه الدراسة الرائدة في مجلة Advanced Healthcare Materials، وتشير إلى انطلاقة جديدة في عالم الطب التجديدي وعلاج الجروح الصعبة.
من فكرة بسيطة إلى تكنولوجيا متقدمة
رحلة إيميروغلو الأكاديمية بدأت من تركيا، وانتقلت إلى زيورخ لتكمل دراساتها العليا في مجال هندسة المواد الجزيئية الحيوية، تحت إشراف البروفيسور مارك تيبيت. تقول إيميروغلو: "لم أكن أعلم حتى ما هو الهيدروجيل عندما بدأت بحثي، لكن المجهول هو ما جذبني، ومن هنا بدأت شرارة الابتكار."
هدفت الباحثة إلى تطوير ضمادة قادرة على التدخل النشط في عملية شفاء الجروح، خاصة تلك المرتبطة بمرض السكري واضطرابات الدورة الدموية، هذه الجروح غالبا ما تبقى مفتوحة لأشهر أو حتى سنوات بسبب استجابة مناعية مفرطة تبقي الجسم في دائرة مفرغة من الالتهاب دون الانتقال إلى مرحلة الترميم.
شركة ناشئة لحل مشكلة مزمنة
من هذا التحدي الطبي نشأت فكرة مشروع Immunosponge، وهي شركة ناشئة أسستها إيميروغلو بالتعاون مع زميلها الباحث أبورف سينغ، تقوم التقنية على جزيئات هلامية دقيقة (microgels) تُجمع لتكوين بنية إسفنجية مرنة، توضع مباشرة على الجرح.
تشرح إيميروغلو: "تخيل إسفنجة بقدرة امتصاص عالية، هذه الجزيئات الهلامية الدقيقة غير مرئية بالعين المجردة، لكنها حين تجتمع، تُشكّل مادة هلامية ناعمة."
كيف تعمل الضمادة الذكية؟
تتميّز هذه الضمادة عن الإسفنج العادي بقدرتها الانتقائية، فهي مزوّدة بجزيئات سطحية تُعرف باسم "الليجاندات"، ترتبط تحديدا بالإشارات الالتهابية المؤذية، مما يسمح لها بتمييز الإشارات الضارة من المفيدة.
تضيف الباحثة: "لا نريد امتصاص كل شيء عشوائيا، بل نريد إزالة الجزيئات الالتهابية التي تُسبب الأذى مع دعم عوامل تُحفّز الشفاء."
هذا المفهوم مستوحى من الطبيعة، خاصة من كيفية تواصل الخلايا داخل الأنسجة الحية. تقول إيميروغلو: "في الكائنات متعددة الخلايا، هناك حاجة إلى بنى منظمة لنقل المواد، تماما كما تعمل خلايا الجسم في تناغم."
إمكانية التكيّف والتطوير المستقبلي
التقنية تعتمد على مكتبة من "الوحدات البنائية"، مما يُتيح تعديلها لتناسب أنواعا مختلفة من الجروح وحالات الالتهاب، إذ يمكن تزويد الجل بأنواع مختلفة من الليجاندات للتعامل مع إشارات التهابية متنوعة بحسب نوع الأنسجة المصابة.
كما أن هذه التقنية لا تقتصر على الجلد فقط، بل من المحتمل أن تُستخدم لاحقا في علاج الأنسجة الداخلية مثل العظام والغضاريف والأوتار التي تعاني من ضعف الإمداد الدموي، وبالتالي تحتاج إلى وسائل تجديد أكثر فعالية.
بعكس الطرق التقليدية مثل أجهزة الشفط أو الضمادات غير التخصصية التي قد تُجفّف الجرح كليا، تستهدف ضمادة إيميروغلو السبب الجذري للمشكلة وتُستخدم في المراحل المبكرة من الإصابة.
رحلة من المختبر إلى السوق
لم تكن إيميروغلو تخطط لخوض عالم ريادة الأعمال، لكن في نهاية أطروحتها البحثية، بدأت هي وزميلها سينغ يفكران بجدية في تحويل هذا المشروع إلى منتج حقيقي. وقد بدأت رسميا زمالتها في أبريل 2025، لكنها تعمل فعليا على نقل التقنية إلى التطبيق العملي منذ أكثر من عام.
تقول إيميروغلو: "نتعلّم الآن كيف يعمل السوق، ما يحتاجه الأطباء، وكيف نُحوّل أبحاثنا إلى منتج فعّال."
مستقبل واعد ... وبداية مرحلة جديدة
رغم التحديات، ترى الباحثة أن النجاح لا يُقاس بسرعة الوصول إلى السوق، بل بقيمة ما يتم تقديمه على المدى الطويل. "ربما بعد خمس أو عشر سنوات سيكون لدينا حلّ جاهز مع Immunosponge، وربما ما زلنا نطوّره، المهم أن نظل منفتحين ونتعلم باستمرار ولا نستسلم."