اكتشاف ميكروبات تتنفس النترات بدل الأكسجين وتنتشر في كل مكان حولنا

ميكروبات غامضة تتنفس النترات بدل الأكسجين وتوجد في كل مكان

ميكروبات غامضة

اكتشف العلماء نوعا فريدا من التكافل بين بكتيريا تعيش داخل كائن وحيد الخلية (السوطيات الهدبية) وتوفر له الطاقة. على عكس الميتوكوندريا التي تعتمد على الأكسجين، يستخدم هذا الميكروب النترات كمصدر للطاقة.

اكتشف الباحثون هذا الكائن لأول مرة في بحيرة مياه عذبة، ولكن ما أدهشهم هو مدى انتشاره الواسع في الطبيعة، فقد وجدوه في أماكن متنوعة مثل البحيرات والمياه الجوفية وحتى مياه الصرف الصحي، مما يغير فهمنا للعلاقات الميكروبية ويكشف عن دور غير مرئي ولكنه مهم في النظم البيئية العالمية.

اكتشاف تكافلي غير مسبوق

في عام 2021، تمكن علماء من معهد ماكس بلانك لعلم الأحياء الدقيقة البحرية في بريمن، ألمانيا، من اكتشاف بكتيريا فريدة تعيش داخل كائن أولي وحيد الخلية يُعرف بالسوطيات الهدبية، حيث تقوم بتزويده بالطاقة، يشبه هذا التكافل وظيفة الميتوكوندريا في الخلايا، لكن مع اختلاف رئيسي: فبدلا من استخدام الأكسجين، تتنفس هذه البكتيريا النترات لإنتاج الطاقة.

بعد الاكتشاف الأولي، قرر الباحثون توسيع نطاق دراستهم لمعرفة مدى انتشار هذه الميكروبات في الطبيعة، تقول العالمة يانا ميلوكا من معهد ماكس بلانك:

"بعد اكتشاف هذا الكائن في بحيرة مياه عذبة، تساءلنا: هل هو نادر جدا ولهذا لم يُكتشف من قبل؟ أم أنه منتشر في بيئات أخرى؟ وما هي قدراته الأيضية؟"

ميكروبات منتشرة في جميع أنحاء العالم

بحث العلماء في قواعد بيانات ضخمة تحتوي على معلومات جينية من عينات بيئية مختلفة، كانت النتيجة مذهلة: فقد تم العثور على هذه البكتيريا التكافلية في حوالي 1000 مجموعة بيانات مختلفة، مما يشير إلى انتشارها في كل قارة مأهولة بالسكان.

تقول ميلوكا:

"لقد فوجئنا بمدى انتشار هذه الميكروبات. لم نجدها فقط في البحيرات والمياه العذبة، بل أيضا في المياه الجوفية وحتى في مياه الصرف الصحي."

عائلة جديدة من الميكروبات تقوم بوظائف مختلفة

لم يقتصر الأمر على العثور على الميكروب الأصلي فقط، بل اكتشف الباحثون أيضا أربعة أنواع جديدة، اثنان منها يمثلان جنسًا جديدا تماما.

يوضح العالم دان سبث، المؤلف الأول للدراسة:

"نظرا لأن هذا الجنس الجديد من البكتيريا يقوم بوظيفة مشابهة للبكتيريا المكتشفة سابقًا (Azoamicus، وتعني ‘صديق النيتروجين’)، قررنا تسميته Azosocius، أي ‘شريك النيتروجين’. ولحسن حظنا، تم العثور على إحدى هذه الأنواع الجديدة في عينة مياه جوفية قريبة من بريمن، ألمانيا."

مفاجأة غير متوقعة: علاقة بالأكسجين!

واصل العلماء أبحاثهم لفهم كيفية عمل هذه الأنواع الجديدة. ومن خلال التعاون مع جامعة فريدريش شيلر في جينا، تمكنوا من تحليل بيانات الجينات النشطة داخل هذه الكائنات.

يقول سبث:

"كانت المفاجأة الكبرى أن هذه البكتيريا التكافلية تمتلك قدرة جديدة لم نكن نتوقعها، على عكس النوع الأصلي الذي يعتمد حصريًا على التنفس اللاهوائي (إزالة النترات)، فإن الأنواع الجديدة قادرة أيضًا على استخدام الأكسجين عند توفره."

وهذا يفسر سبب وجود هذه البكتيريا في بيئات تحتوي على كميات متفاوتة من الأكسجين، مما يدل على تكيفها الكبير مع البيئات المختلفة.

آثار بيئية وتطورية هامة

نُشرت نتائج هذه الدراسة في مجلة Nature Communications، حيث ساعدت في الإجابة على أسئلة العلماء حول التوزيع الجغرافي لهذه البكتيريا.

تقول ميلوكا:

"بفضل اكتشاف هذه الأنواع الجديدة، يمكننا الآن فهم كيفية نشوء وتطور هذه العلاقات التكافلية بين الميكروبات والكائنات الأخرى."

من الناحية البيئية، تلعب هذه الميكروبات دورا مهما في دورة النيتروجين، حيث تزيل مركبات النيتروجين الزائدة من البيئة، لكنها قد تساهم أيضا في إنتاج أكسيد النيتروز، وهو من الغازات الدفيئة التي تؤثر على المناخ.

عجائب العالم الميكروبي

بعيدا عن التأثيرات البيئية، يفتح هذا الاكتشاف الباب لفهم أعمق لتطور الحياة. تقول ميلوكا بحماس:

"هذه الكائنات تمثل عجائب حقيقية في الطبيعة، الكائنات الأولية قادرة على تحقيق ابتكارات أيضية مذهلة، غالبًا بسبب قابليتها للدخول في علاقات تكافلية مع البكتيريا، بالنسبة لي، هذا أمر رائع، لفهم تطور الكائنات الحية المعقدة، فإن دراسة هذه الميكروبات أمر بالغ الأهمية."

هذا الاكتشاف المذهل يعيد تشكيل فهمنا للعلاقات بين الكائنات الحية على المستوى الميكروبي، من البكتيريا التي تتنفس النترات إلى تكيفها مع البيئات المختلفة، يبدو أن الطبيعة تخفي المزيد من الأسرار التي لم تُكشف بعد، فهل يمكن أن تحمل هذه الميكروبات مفاتيح لحلول بيئية أو حتى طبية في المستقبل؟ الأيام وحدها كفيلة بالإجابة!