في خطوة جريئة نحو تطوير حلول مستدامة لتخزين الطاقة، تمكن باحثون في معهد Worcester Polytechnic Institute (WPI) من اكتشاف كيمياء بطاريات جديدة تعتمد على أيونات الكلوريد، وهي الأيونات السالبة الأكثر وفرة في مياه البحر.
هذا الابتكار يمكن أن يغير قواعد اللعبة، حيث يوفر بديلاً مستداما لبطاريات الليثيوم أيون التي تعتمد على مواد باهظة الثمن ومحدودة جغرافيًا.
الكلوريد: منافس غير متوقع لبطاريات المستقبل
لطالما كانت هناك محاولات لاستبدال الليثيوم بمواد أخرى مثل الصوديوم والبوتاسيوم والزنك في البطاريات القابلة لإعادة الشحن، والآن يطرح باحثو WPI مرشحا جديدا وغير متوقع: أيونات الكلوريد التي تعد الأكثر انتشارا بين الأيونات السالبة في مياه البحر.
وفقا للبروفيسور شياوي تينغ، أستاذ الهندسة الكيميائية في WPI، فإن هذا الاكتشاف يعتمد على كيمياء جديدة لتفاعلات الأكسدة والاختزال، حيث تُستخدم أيونات الكلوريد لتعزيز أداء البطاريات الخضراء المستندة إلى مياه البحر.
تحديات بطاريات الليثيوم وحلول أكثر استدامة
رغم أن بطاريات الليثيوم أيون تستخدم في السيارات الكهربائية والإلكترونيات الاستهلاكية، إلا أنها تواجه تحديات كبيرة، مثل:
تكلفة التصنيع المرتفعة
الاعتماد على مواد نادرة مثل الكوبالت والنيكل والليثيوم
تركز أكثر من 85% من احتياطيات الليثيوم العالمية في ستة بلدان فقط، مما يجعل سلاسل التوريد عرضة للتقلبات السياسية والاقتصادية
لهذا السبب، يعمل العلماء على تطوير بدائل مستدامة يمكنها توفير طاقة موثوقة دون التأثير على البيئة أو الاعتماد على الموارد النادرة.
دفع تكنولوجيا البطاريات الخضراء إلى الأمام
لإجراء هذا البحث، تعاون تينغ مع البروفيسور هيث تيرنر من جامعة ألاباما، إلى جانب باحثين من مختبر Brookhaven الوطني في نيويورك، ركّزت دراستهم على كيفية تعزيز أيونات الكلوريد لتفاعلات الأكسدة والاختزال في بطاريات الحديد القلوية، مما يفتح آفاقًا جديدة لتخزين الطاقة المستدامة.
وقد نُشرت نتائج البحث في مجلة Chemistry of Materials التابعة للجمعية الكيميائية الأمريكية، وتم تسليط الضوء عليها في الغلاف الأمامي الإضافي للعدد.
كيف تحسّن أيونات الكلوريد أداء البطاريات؟
أظهرت الدراسة أن إدراج أيونات الكلوريد في Fe(OH)2 يؤدي إلى تكوين مادة بلورية وسيطة تُعرف باسم "الصدأ الأخضر"، مما يعزز عملية التحول بين Fe(OH)2 وFeOOH، ويحسن استقرار البطارية أثناء دورات الشحن والتفريغ.
تم التحقق من هذه النتائج باستخدام تقنيات متقدمة مثل حيود الأشعة السينية بالأوبيراندو والمسح عالي الدقة للعناصر، وذلك عبر أبحاث أجريت في منشآت تابعة لوزارة الطاقة الأمريكية.
نحو بطاريات مائية قابلة لإعادة الشحن باستخدام مواد وفيرة
قام فريق WPI ببناء نموذج أولي لبطارية مائية تعمل بمحلول إلكتروليتي يعتمد على الماء، مع أقطاب مصنوعة أساسًا من أكاسيد وهيدروكسيدات الحديد، وهي مواد متوفرة بكثرة في الطبيعة.
ورغم أن الفريق لم يحدد التكلفة بعد، إلا أن استخدام مواد متاحة على نطاق واسع قد يجعل هذا النوع من البطاريات خيارا اقتصاديا وأكثر استدامة مقارنة ببطاريات الليثيوم أيون.
إعادة تدوير الصدأ: حل بيئي وتكنولوجي واعد
تنتج الولايات المتحدة أكثر من 15 مليون طن من نفايات الحديد الخردة سنويا، الكثير منها يتحول إلى صدأ ولا يتم إعادة تدويره، ومن هنا فإن هذا الاكتشاف الجديد يمكن أن يساعد في إعادة استخدام صدأ الحديد المهمل في تخزين الطاقة، مما يساهم في تقليل النفايات الصناعية وتعزيز الاستدامة البيئية.
مستقبل تخزين الطاقة: هل تحل بطاريات مياه البحر محل الليثيوم؟
مع استمرار التحديات البيئية والاقتصادية التي تواجه بطاريات الليثيوم، يمكن أن تكون البطاريات المستندة إلى أيونات الكلوريد بديلاً مبتكرا وفعالا.
إذا استمر البحث والتطوير في هذا المجال، فقد نشهد قريبًا بطاريات قابلة لإعادة الشحن تعمل بمياه البحر والمواد المعاد تدويرها، مما يمهد الطريق لعصر جديد من تخزين الطاقة المستدام.