رفع الدعم المصرفي عن السلع الأساسية سياسهم في أزمة اقتصادية حقيقية في لبنان

تقارير وحوارات

رياض سلامة ينصب المشنقة لللبنانيين.. لا دولارات لدعم السلع الأساسية: "دبروا راسكن"

باولا عطية

4 أيلول 2020 18:03

جاء تصريح حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الذي أعلن فيه عن عدم استعداده لاستخدام الاحتياطي النقدي الإلزامي الخاص بالبنوك اللبنانية، لتقديم الدعم لاستيراد المواد الأساسية، على قاعدة "اللهم إني بلغت".
سلامة الذي عادة ما وصفته بطانته في الطوائف السياسية اللبنانية بأنه "ضمانة لاستقرار الليرة"، تقدم في اللحظة الحساسة من عمر الدولة، وأعلن عجزه دعم المحروقات والقمح والدواء، لأكثر من 3 أشهر بعد الآن؛ مبررا ذلك ببدء نفاذ احتياطي المصرف المركزي الذي يزعم أنّه لا يتخطى المليارين دولار، ورافضا استعمال الـ١٧.٥ مليار دولار التي يسمّيها الاحتياطي الإلزامي للمصارف بعد أن صرف ودائع اللبنانيين التي تفوق قيمتها الـ80 مليار دولار.

اعلم حكومة دياب، التي عبثاً حاولت الحصول على أرقام رسمية عن موجودات المصرف المركزي، بقراره و "دبروا راسكن"!

وجاء ذلك بعد فشل السلة "الملغومة" المدعومة سلفا من جيوب اللبنانيين من تحسين القدرة الشرائية لدى المواطنين اللبنانيين وتمكينه من تأمين حاجاتهم الغذائية الأساسية. فكلفة سلّة السلع الغذائية والمواد الأولية المدعومة قدرت ما بين 1٫5 مليار دولار و1٫8 مليار دولار سنوياً، أي ما يوازي قيمة نصف السلع الغذائية التي كان لبنان يستوردها في السنوات الماضية.

وقد تمّ تمويل استيراد هذه السلّة من الدولارات الآتية إلى لبنان بواسطة التحويلات الإلكترونية عبر المؤسسات غير المصرفية كـ"OMT" وغيرها، حيث امتنعت هذه المؤسسات في فترة سابقة من إعطاء اللبنانيين الأموال المرسلة اليهم من الخارج بالدولار "fresh money " بل كانت تصّرفها وفق سعر صرف الدولار الذي حدده مصر لبنان بـ3990 ليرة لبنانية! وتخزّن هي بدورها الدولارات لديها!

ولأن المصائب لا تأتي فرادى، أعلن عضو نقابة أصحاب المحطات في لبنان جورج البراكس أنّه "قد يصل سعر صفيحة البنزين إلى 65 ألف ليرة طبعاً حسب سعر برميل النفط وسعر الدولار في السوق السوداء"، مشيرا إلى أنّ "هذا الرقم هو حسابي وقد يصل سعر التنكة إلى أكثر من 100 ألف بعد رفع الدعم".

ومن جملة حزمة المصائب تلك، جاء العام الدراسي في موعدٍ غير مرحب به، خصوصاً مع ارتفاع سعر الكتب المدرسية والقرطاسية وارتفاع سعر صرف الدولار بالليرة اللبنانية، إذ أن اقتصادنا وبفضل السياسات الحريرية "المشكورة" اقتصاد ريعي يقتصر على الاستيراد ويعجز عن تصنيع قلم رصاص أو حتى دفتر خرطوش حتى.

وحول مصير سعر صرف الدولار في لبنان، تواصل "النهضة نيوز" مع الخبير الاقتصادي وليد أبو سليمان الذي وضّح في حديث خاص لموقعنا أن: "وقف الدعم سيزيد من التضخم ونسبة الفقر في لبنان (التي تجاوزت الـ50%)، لانّ السلع التي سيرفع الدعم عنها هي سلع أساسية وليست كماليات، وسيضطر المواطن اللبناني ان يدفع ثمنها وفق سعر الدولار في السوق السوداء (والذي يتراوح اليوم بين الـ7000 ليرة والـ9000 ليرة) وبالتالي لن يستطيع تأمين أبسط مقومات الحياة".

وأضاف أبو سليمان "رفع الدعم سيؤثر أيضا على سعر الصرف، فمصرف لبنان كان يؤمن دعما للسلع بقيمة 700 مليون دولار شهريا، وبالتالي سيزيد الطلب على الدولار لتأمين هذه المواد وعندما يرتفع الطلب سيرتفع سعر الصرف تلقائيا وفق شروط العرض والطلب التي تحكم السوق".

وعن الكلام حول إعادة تثبيت سعر صرف الدولار على الـ5000 ليرة أجاب "إذا أردنا تثبيت سعر الصرف يجب ان يكون لدينا الأدوات الازمة لذلك وهي "احتياطي من العملات الأجنبية" أمّا مصرف لبنان فقد اعلن انه لم يعد يملك احتياطا من العملات الصعبة "ما في دولار بالمصرف" وبالتالي هو لا يستطيع تثبيت السعر إلا من خلال تأمين الدولارات من التدفقات الخارجية وهي "مردود السياحة، مردود الاستثمارات الخارجية في لبنان، مردود تصدير البضائع، ومردود أموال المغتربين"، وفي ظل عدم توفر هذه المصادر من غير الممكن تثبيت سعر الصرف"، مضيفا " ويعاني لبنان من خلل في ميزانه التجاري حيث أنّ قيمة الاستيراد تتفوق على قيمة التصدير( حيث نسبة استيرادنا تصل إلى 70% من مجمل البضائع التي نستهلكها).

ويعلق الخبير الاقتصادي على طرح حاكم مصرف لبنان رياض سلامة حول البطاقة التنموية بالقول "البطاقة التنموية لا تزال مجرّد فكرة أو طرح لم توضع قواعده التطبيقية بعد"، مؤكدا أنه "في ظلّ عدم توفر السيولة بالعملات الأجنبية لا يمكننا الاقدام على أي حلّ أو أي طرح".

وتابع أبو سليمان موضحاً: "يعاني لبنان من خلل بنيوي، نتيجة اهمالنا القطاع الصناعي على مدى عقود، فغلّبنا سياسة الاستهلاك والاستيراد على سياسة التصنيع والتصدير، فاذا أعطينا بطاقة تنموية لإعادة ترميم الالمونيوم والزجاج لمنازل المتضررين من انفجار المرفأ، من أين سيستطيع المصرف تامين الدولار لدفع ثمن هذه السلع المستوردة من الخارج؟"

وعن الحلول المطروحة، رأى الخبير الاقتصادي أن "الممر الوحيد لنحصل على سيولة بسرعة هو بالمفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وهذا الأخير هو ممر لمؤسسات دولية أخرى قد تساعدنا في تامين هذه البطاقات التنموية".

أما في الوقت الذي يتخّوف فيه المواطنون من احتمال إجبارهم على دفع قروضهم للمصارف بالدولار أو وفق سعر الصرف الجديد (3990 ليرة)، يطمئن أبو سليمان بأنّ "هذه القروض قد منحت للمواطنين قبيل الازمة ومن المستحسن أن يستمر سدادها على الـ1500 ليرة لأن 80% من مداخيل الشعب اللبناني هي بالليرة اللبنانية"، محذّرا من أنّه في حال أرغم المواطنون على الدفع بالدولار فنصبح أمام مشكلة جديدة وهي تآكل القدرة الشرائية لدى اللبناني، وسنصبح أمام تعثّر في الدفع"، مشددا على أنّ "عمل المصارف اليوم يقتصر على تسديد القروض السابقة وعدم منح أي قروض جديدة".

وفيما يتعلّق بأموال المغتربين المحوّلة إلى ذويهم في لبنان شدّد أبو سليمان على أنّ "المواطن اللبناني سيستلم هذه الأموال fresh money" " بالدولار ".

موضحا اللغط الحاصل حول المرسوم رقم 154 الصادر عن مصرف لبنان والذي يقول بأنّ الأموال التي خرجت منذ1 تموز 2017 يجب أن يسترد 15% منها حيث ستوضع في حساب مجمد لفترة 5 سنين تحت طائلة ما يسمى بمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب"، منوها بأنّ "المصرف المركزي ليس محكمة ليصدر أحكاما، بل يقتصر عمله على تنظيم القطاع لذلك يشوب هذا المرسوم شوائب عدّة يجب توضيحها".

من جهّة أخرى نفى الخبير الاقتصاد وليد أبو سليمان أن "تكون إحاطة الدول الخارجية بلبنان وتقديمها المساعدات له بعد انفجار مرفأ بيروت فرصة، لأنّ الأموال التي دخلت إلى لبنان لا تغطي الاضرار بالكامل، بل جزء قليل من الاضرار المباشرة فيما لا تطال نهائيا الأضرار غير المباشرة"، كاشفا أنّ "أضرار لبنان تتخطى الـ5 مليار دولار فيما المساعدات التي تعهدت بها الدول حتى الآن لا تتخطى الـ250 مليون يورو".

ورأى أبو سليمان في المبادرة الفرنسية مفتاحا للنمو الاقتصادي، والذي سينعكس بطبيعة الحال حلحلة للوضع السياسي اللبناني شرط طبعا تطبيق الإصلاحات المعروفة في قطاع الكهرباء والقطاع العام".

وبناء على ما تقدّم تبقى شبكة الخلاص الأخيرة للبنانيين اليوم هي صندوق النقد الدولي واموال سيدر، بعد أن سُرقت مدّخرات الناس، وأفقروا تدريجيا دافعين ثمن تجديد ثقتهم لسنوات بطبقة أساءت إدارة شؤون الدولة فأفسدت بالأرض ونكّلت بأهلها!

النهضة نيوز - بيروت