الثقافة القانونية.. حقوق الإنسان في الإسلام

ثقافة وأدب

عقبات ممارسة حقوق الإنسان في التاريخ الإسلامي

عبد العزيز بدر القطان

7 تشرين الثاني 2020 23:35

لمتابعة ما ذكرناه في المقال السابق، لابد من إلقاء الضوء على حقوق الإنسان في الإسلام بشكل أوسع، ومدى هذه الحقوق وكيفية تطورها، ونقدها في المواضع التي تحتاج إلى النقد، من باب التاريخ لفهم الإشكاليات المطروحة وتجاوزها.

وسنحصر الموضوع في مسائل محدودة تتعلق بحقوق الإنسان الأساسية وكيف كانت أهم الآراء حولها، وكيف تطورت في الفكر والمجتمع الإسلامي من خلال النصوص والممارسة، وكما أيضاً أشرنا في المقال السابق، إلى أن القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، هما بمثابة الدستور، إذ أن أبسط معرفة بالتاريخ الإسلامي بعد عصر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وجزء قصير من تاريخ الخلفاء الراشدين تؤكد أن دولة القانون التي هي الأساس في وجود حقوق الإنسان، نودي بها، لكنها لم تتحقق بالفعل، ولذلك فإن الأساس الديني لحقوق الإنسان والقائم على مقولة ان هذا الأساس ليس مستمداً من خبرة أو تجربة إنسانية وأنه مقدس وقديم.

إذ أن النصوص المقدسة التي تلمح إلى حقوق الإنسان لم تجد لها على مدى التاريخ الإسلامي ضمانة في التطبيق، ويعني هذا أن المجتمع الذي يختفي فيه الإيمان أو يضعف، يستطيع بسهولة التنكر لحقوق الإنسان ما دامت مراعاة الخالق عز وجل ليست اهداف مثل هكذا مجتمع.

ولو تتبعنا التاريخ الإسلامي باحثين عن مجتمع الإيمان الخالص والمتجرد من الأطماع الدنيوية لما وجدناً في تاريخنا المعاصر أثراً لمثل هذا المجتمع، رغم تلمس هذا المجتمعات قديماً من خلال ممارسات الخليفة عمر بن الخطاب، فالنصوص الدينية كما يقول علي بن أبي طالب عليه السلام، من أكثر من 1300 سنة لا تحكم ذاتها ولا تطبق نفسها بنفسها وإنما يطبقها البشر وعندما تكون حقوق الإنسان مستمدة في المحل الأول من علاقة الإنسان بالله، لا من علاقة الإنسان بالإنسان، فإن المجال يضبح مفتوحاً أمام البشر للتحايل على هذه الحقوق مع إدعاء العصمة التي تنسب للنص المقدس، إنتهى الإقتباس.

لقد كان التاريخ الإسلامي واضحاً حول أن الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم قد ضرب أعظم قدوة في التسامح وإحترام الإنسان وحريته، فلقد عفا حتى عن ألد أعدائه، ودخل مكة المكرمة التي قاومته دون أن يسيح قطرة دم واحدة، ومنح كل الذين أسلموا فرصة التعلم في الحياة عملاً بإتمامه مكارم الأخلاق.

لكن مشكلة مجتمعاتنا الإسلامية اليوم هي محاولتهم المستمرة للتحدث بإسم الدين كقولهم: إن الإسلام دين ودنيا وأن الشريعة هي المرجع والقانون وأن القواعد التي أتى بها الإسلام في نطاق الحقوق تصلح لكل زمان ومكان، وهذا خطأ يجب الإعتماد على النصوص وتطويرها مع الإبقاء على جوهرها الأساسي فالتطوير هنا يقتضي بأن يناسب الزمان والمكان وهذا لا يتشابه بين عصر وآخر.

ومنذ بداية عصر التدوين، توزع الخطاب الإسلامي إلى تيارين: الأول، تيار يتمسك بالموروث الإسلامي ويدعو إلى إعتماده أصلاً وحيداً للحكم على الأشياء، والثاني، تيار يتمسك بالرأي ويعتبره الأصل الذي يجب إعتماده سواء في الحكم على ما جد من الشؤون، أو في فهم الموروث الإسلامي نفسه، والملاحظ أن هذه الإشكالية إن جاز التعبير قد تكرست في التاريخ الإسلامي، منذ وفاة نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإجتماع السقيفة، عندما تفجر الخطاب العقيدي وممارسته، وفتح المجال للخطاب السياسي.

وبالتالي بدأ هذا الخطاب يصبح منفذاً للنفوذ السياسي، ومثالي على ذلك، أحداث الفتنة الكبرى وأحداث إستحواذ الأمويين على السلطة، ونشأة الخلافة العباسية، فلقد أشار العديد من الباحثين الإسلاميين إلى مبدأ وكيفية تحول الخطاب الإسلامي من العقيدة إلى السياسة (توظيف الدين لغايات سياسية دنيوية)، حيث أنه ومنذ إجتماع السقيفة والنزاعات التي أثيرت فيها، كما وصفتها كتب التاريخ تشير جميعها إلى أن المشكلة كانت دنيوية بحتة وكان الخلاف حول الإمارة والمُلك، ومثل هذا المجال لا ينشأ إلا إذا إنتقل العمل من حيّز ترسيخ العقيدة إلى حيّز الإستيلاء على السلطة.

أمام هذا التحول يصبح كل شيء مباح (العودة إلى العصبية، التكفير، التطرف، الصراعات بين أصحاب العقيدة الواحدة، المناورة، إلخ).

رغم كل ذلك، فإن هنالك أصوات كانت ترتفع في فترات تاريخية مختلفة، تحاول البحث لإيجاد صيفة تفصل بين الدين والسياسة، لكن دون جدوى، لأنها إن تحقق لن يجد حكّام اليوم فرجاً ومساعداً لهم لإستمرار إحكام قبضتهم بإستثمار الدين وإعتبار سلطانهم خالد، فهم لا يقبلون لإنسان أن يعيش خارج القوالب التي صمموها وصاغوها له، أو مصيره إن خالفهم القتل في الدنيا والنار في الآخرة.

النهضة نيوز