في إنجاز علمي تاريخي، تمكن الباحثون في متحف زايد الوطني في أبوظبي من الكشف عن نص مخفي كان مدفونا تحت طبقة زخرفية ذهبية معقدة في المصحف الأزرق الشهير، هذه المخطوطة النادرة، التي تعود إلى القرن التاسع الميلادي، تعد واحدة من أقدم وأهم المخطوطات الإسلامية.
تاريخ المصحف الأزرق
يعتبر المصحف الأزرق من أبرز المخطوطات التي لا تزال تحتفظ بأسرارها منذ قرون، ويعتقد أن النسخة الموجودة حاليا هي الوحيدة من نوعها، تتكون صفحات المصحف من جلد الأغنام المصبوغ باللون الأزرق النيلي، وتتميز بزخارف ذهبية معقدة وخط كوفي ذهبي، مما يضفي عليها جمالية فنية فريدة. ويقدر أن المصحف كان يحتوي في البداية على 600 صفحة، لكن اليوم لا يُعرف سوى حوالي 100 صفحة فقط، منتشرة بين المتاحف والمجموعات الخاصة في أنحاء مختلفة من العالم.
التقنية المستخدمة في الكشف
استخدم الفريق البحثي في متحف زايد الوطني تقنية متطورة تعرف بـ التصوير متعدد الأطياف للكشف عن النصوص المخفية في المصحف الأزرق، هذه التقنية التي تتيح رؤية ما هو غير مرئي للعين المجردة، ساعدت في كشف آيات من سورة النساء التي كانت مخفية لقرون طويلة. هذه النتائج توفر رؤى جديدة في تاريخ المخطوطات الإسلامية وفن الخطاطين الأوائل، كما تساهم في فهم أعمق لأساليب إنتاج المخطوطات في العصور الإسلامية المبكرة.
الكشف عن النص المخفي: خطأ خطاطي أم تصحيح إبداعي؟
اكتشف التحليل أن الأنماط الذهبية المعقدة التي تغطي النص المخفي لم تكن مجرد زخرفة جمالية، بل كانت تؤدي وظيفة عملية، وهي إخفاء خطأ ارتكبه الخطاط أثناء عملية النسخ. يُحتمل أن الخطاط أخطأ في نسخ النص أو ربما كرر نفس الصفحة دون قصد. نظرا لندرة جلد الأغنام المصبوغ باللون الأزرق، كان من الصعب إعادة العمل على نسخة جديدة، مما دفع الخطاط إلى استخدام الزخارف لتغطية الخطأ.
أهمية هذا الاكتشاف
الطريقة التي تم بها تصحيح الخطأ تقدم لمحة نادرة عن القرارات الفنية والتقنية التي اتخذها الخطاطون في العصر الإسلامي، وهو جانب غالبا ما يتم تجاهله في دراسة فن الخط العربي. ويعتبر هذا الاكتشاف مثالا على كيفية تداخل الفن و التقنية في إنتاج المخطوطات الإسلامية القديمة، مما يعكس مستوى متقدما من الإبداع والمهارة في تلك الفترة.
التأثير الثقافي والتاريخي للمصحف الأزرق
أوضحت مي المنصوري، الأمينة المعاونة في متحف زايد الوطني، أن الاكتشافات الجديدة تساهم في فهم أعمق للأصول والإنتاج التاريخي لهذا المصحف الفريد، ما يسلط الضوء على أهمية المخطوطة ليس فقط كنص ديني، بل كقطعة فنية تاريخية تعكس التواصل بين الحضارات الإسلامية.
يُعتبر الخط الكوفي الذي استخدم في المصحف الأزرق من أقدم أنواع الخطوط العربية، وهو معروف بأشكاله الهندسية الزاوية وافتقاره إلى النقاط والعلامات الإعرابية، مما يجعل قراءته أمرا صعبا في العصر الحديث، ومع ذلك يشكل هذا الخط أحد أرقى أشكال الفن الإسلامي ويعكس جماليات الحقبة التي نشأ فيها.
عرض المخطوطات في متحف زايد الوطني
من المتوقع أن يُعرض خمس صفحات من المصحف الأزرق في صالة عرض "ضمن روابطنا" بمتحف زايد الوطني، والتي تسلط الضوء على دور دولة الإمارات كمركز ثقافي عالمي، يهدف المعرض إلى استكشاف انتشار الإسلام، وتطور المواد والمعارف في العالم الإسلامي، وكيفية تطور اللغة العربية عبر العصور.
يُعد هذا الاكتشاف نقطة تحول في دراسة المخطوطات الإسلامية ويؤكد دور الإمارات كمركز رائد للبحث الأكاديمي والثقافي على مستوى العالم.