تقارير وحوارات

باحث اقتصادي: عجيب أمر اللبنانيين وإنتمائهم للطائفة مبتعدين عن الإنتماء لله

خديجة البزال

22 كانون الأول 2020 21:33

" عجيب أمر اللبنانيين وإنتمائهم للطائفة مبتعدين عن الإنتماء لله ودين المحبة والسلام الذي تأمر به كل الطوائف.

عجيب خوف الطوائف من بعضها وتقوقع كل فئة ضمن غلاف يصعب اختراقه مهما تسبب به زعماء الطوائف من فقر وبؤس وفساد وقتل وتدمير للوطن وكرامة المواطن".

كلمات بدأها محمد ياسر الصبان الباحث في علوم اقتصاد المجتمعات في لقاء خاص مع موقع "النهضة نيوز" حول القضاء والانتقال نحو فصل السلطة القضائية عن السلطة التشريعية، واعتبار ثورة الشعوب "سبيل يحقق سعادة الإنسان والوطن".


يقول ياسر الصبان والذي يشغل رئيس مركز *"التمويل بالنمو"* للدراسات: " عجيب أن اللبنانيون إذا خرجوا من وطنهم هرباً من البؤس وبحثاً عن ملاذ آمن لا يعترضون على جنسية أو دين من يحكمهم في الإغتراب. عجيب أنهم إذا ركبوا طائرة لا يسألون عن مذهب قائدها أو جنسيته أو جنسه، وإذا أرادوا إجراء جراحة طبية لا يسألون عن مذهب الطبيب أو جنسيته أو جنسه. ويكتفون بالسؤال عن مدى مهارته للقيام بالمهمة الموكلة إليه ".

ويتساءل الصبان في خضم الطائفية التي يعيشها لبنان، " الأعجب من أمر المجموعات المذهبية المتقوقعة التي تشكل مجتمع لبنان هو مواقف الثائرين على السلطة التوافقية وعلى الفساد المستشري والبؤس والبطالة والفقر والتلوث الذهني والبيئي. فهؤلاء الصادقين في ثورتهم على الواقع الفاسد مثلهم كمثل الدونكيشوت في محاربته لطواحين الهواء، يتحاربون مع النتائج دون البحث عن المسببات، فالمواطن اللبناني العادي يلجأ الى الطائفة ويدافع عنها لأنه بحاجة الى الوظيفة الحكومية لولده، وإذا ذهب لطلب المساعدة من زعيم غير زعيم الطائفة حوّله الى زعيم طائفته، والأمر نفسه إذا احتاج للإستشفاء أو لأي مساعدة في الدوائر الحكومية، وبالتالي فإن الحاجة تدفع الناس للإستزلام للزعيم."

الإنسان الثائر

ويعتبر ياسر الصبان ، " أن الثائر المنادي بفصل السلطة القضائية عن السلطة التشريعية، لم يدرس نفسية القاضي النزيه الذي يرى بأم عينه ممتلكات القاضي الفاسد وسكنه في مزرعة تتوسطها فيلّا عامرة ومسبح وسيارات من مختلف الموديلات وأولاده في أرقى الجامعات، بينما النزيه يرى أبنائه حاقدون منه على فقرهم بسبب نزاهته وزوجته تكره الإستمرار بعشرته فتتفكك العائلة وينزوي مقهوراً بنزاهته."

أما بالنسبة للثائر على تفلت السلاح غير الشرعي، قال الصبان، إن استقواء هؤلاذ لفريق من اللبنانيين على غيره بترسانته العسكرية والمطالبة بتجريده من سلاحه، فهو لم يدرس سبب وجود هذا السلاح بالأصل ولم يتصوّر بعقله أن المجتمع اللبناني يحتكم الى قوة السلاح من قبل ولادة الفريق المسلح الحالي بعشرات السنين، بل أن الجيش اللبناني نفسه لم يكن يوماً جهازاً عصبياً للدفاع عن كل الشعب اللبناني."

ولادة الأحزاب 

ويرجع الصبان ما ورد سابقا كسبب " بولادة الأحزاب المتخمة بكافة أنواع الأسلحة الثقيلة فكانت القوات اللبنانية والقوات المشتركة والمنظمات الفلسطينية وقوات الردع العربية والجيش السوري، وخلال كل تلك المراحل كان العدو يجتاح الأراضي اللبنانية فيتهجر المواطن الجنوبي قسراً من أرضه بينما ساسة لبنان يقولون له بأن قوتنا في ضعفنا، وكان كل ما يحصل عليه إخوتنا في جنوب لبنان هو الشفقة والتعاطف، فهل يعقل أن يسلّموا سلاحهم اليوم بعد أن إشتد عودهم وأمتلكوا القوة السياسية والعسكرية التي تؤهلهم فرض رأيهم على من كان يشفق عليهم وهو في عليائه؟".

فساد السلطة والآباء

واعتبر الصبان، أن "الأمر لا يقتصر على استبداد الأقوياء في لبنان، ولا على فساد السلطة وسلبها لخيرات الناس بالقوة والدهاء، ولا على فساد البيئة والصحة والتعليم، ولا على القتل المجاني بسبب تفلت السلاح أو الإنتحار بسبب البؤس والجوع، بل إن الخطير هو أن الكثير من الآباء نادمون على أنهم فرضوا على أبنائهم مكارم الأخلاق، لأن المواطن المتمسك بأخلاقه اليوم يعيش صراعاً نفسياً ومادياً مريراً مع نفسه وعائلته وبيئته.

ويفترض الباحث ياسر الصبان أن" الفساد يقودنا الى أسئلة حيوية إذا كنا صادقين مع أنفسنا في ثورتنا على الفساد والبؤس" متسائلا، "هل يكفي أن نستبدل السلطة الحالية بوجوه جديدة تتكلم نفس اللغة وتشرح لنا مكامن الفساد وواجب الإصلاح؟ إذ أن الزعامات الحالية كانت ثائرة على من سبقها قبل وصولها الى السلطة وكانت تتكلم نفس لغة الثائرين اليوم، وكانوا كما الكثير من ثوار اليوم يكرهون العقل والحقيقة والمنطق لمصلحة الهوى والواقع. وكانوا يسفهون الفكر ويصرون على استحالة الإصلاح في نفس الوقت الذي يدفعون عشرات ومئات ضحاياهم للموت في سبيل وصولهم إلى السلطة تحت شعار حماية حقوق الطائفة، والغريب في أمر الكثير من اللبنانيين أنهم ما زالوا يصدقون أن وزارة المالية مثلاً ستحمي الطائفة الشيعية أو أن رئاسة الوزارة ستحمي الطائفة السنية ورئاسة الجمهورية ستحمي الطائفة المارونية.

محاسبة السلطة 

ويرى ياسر الصبان، أن" الحماية الحقيقية تكمن في توليد جهاز عصبي يؤلم السلطة عندما تخطئ بحق الشعب، وهذا يعني وجوب ولادة فلسفة جديدة في علم السياسة نفسه، لأن هذا ما تفتقر له السياسة وهذا ما سيحمي كل الناس من الفساد السياسي."

هنا أورد الصبان الثورة الفرنسية كمثال "اكتسبت قيمتها التاريخية من فلسفة العقد الاجتماعي ما بين السلطة والشعب وولدت مجلساً ينتخبه الشعب للدفاع عنه بوجه السلطة"، ولكن فقد بات واضحاً فشل هذا المجلس في تمثيل الشعب فأصبح جزءاً من السلطة ينعم بمواردها ويبذخ مثلها من مال الشعب. "

الثورة الثقافية "حل"

وأضاف، " الثورة الإجتماعية من دون ثورة ثقافية لن تصل أي هدف، والمطلوب هو هندسة علمية مبتكرة لتحقيق أمان المجتمع وحمايته من فساد السلطة واستبدادها وبذخها، ولتحقيق ذلك لا بد من توليد الجهاز العصبي الذي يؤلم السلطة إذا أخطأت بحق الشعب أو إذا سنّت قوانين تخدم غاياتها أو أوكلت المؤسسات الإنتاجية لغير أهل الخبرة، وعند ولادة هذا الجهاز العصبي سيولد معه جهاز مناعة لجسم المجتمع يحميه بديناميكية لا تخطر ببال، وبهذا تكون الثورة اللبنانية مباركة وتحقق أهدافها الإنسانية".

واعتبر الصبان، "أن توليد هذا الجهاز العصبي هو السر الحقيقي الكامن في مشروع *"التمويل بالنمو"* لأنه يكافئ السياسي والقاضي والعسكري والمربي الناجح ويعاقب الفاشل عن طريق معادلة رياضية لقياس إنتاج السلطة الحاكمة، وهي معادلة منبثقة من قياس حجم وكثافة وكتلة أهم وأخطر وأشهى مادة في الكون وهي المال، والتي يمكن اعتبار تغييب قياس أبعادها والعناصر المكونة لها ومصادر هذه العناصر، وسيلة استخدمها المفسدون في الأرض لسرقة ثروات شعوب العالم بما فيها الدول التي تسعى اليوم لمساعدة اللبنانيين".

ثورة لأمن المجتمعات

وأكد الصبان، " أن نجاح الثورة في توليد هندسة جديدة لأمن المجتمعات سيساعد فرنسا لمواجهة أزمتها الاقتصادية ويساعد الولايات المتحدة في مواجهة أزمة المشردين من غير مأوى على أرصفتها ويساعد إيران لإنقاذ شعبها من الفقر. وسيجعل من لبنان وشعبه نموذجاً حضارياً ناجحاً ورسالة محبة وسعادة لكل الأمم، وتتحول أزمتنا الخانقة المتفاقمة الى منصة إطلاق سعادة وهناء وإنتماء حقيقي لنا ولأبنائنا".