فنلندا أسعد دولة في العالم.

منوعات

فنلندا "أسعد دولة في العالم".. ما الذي يجعلها الأسعد

20 نيسان 2021 19:15

تصدرت فنلندا قائمة البلدان التي تم تقييمها على أساس رفاهية سكانها بأنها أسعد دولة في العالم للسنة الرابعة على التوالي، فما الأسباب التي تجعلها كذلك؟

عندما فرضت الحكومات في جميع أنحاء العالم قيوداً لمكافحة جائحة فيروس كورونا التاجي المستجد، والتي طالبت الناس بالتباعد الاجتماعي عن بعضهم البعض على مسافة مترين، بدأت العديد من النكات تنتشر في فنلندا مثل: " لماذا لا يمكننا التمسك بمسافة الأربعة أمتار العادية؟".

فنلندا

وفي الحقيقة، يتبنى الفنلنديون تصوير أنفسهم على أنهم حزينون ومتحفظون، فهم شعب أتقن التباعد الاجتماعي قبل فترة طويلة من انتشار الوباء، حيث يقول المثل الشعبي الفنلندي: "السعادة دائما ما تنتهي بالدموع".

ولكن لمدة أربع سنوات متتالية، تم تصنيف فنلندا على أنها أسعد دولة في العالم من قبل شبكة حلول التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة، والتي تنشر تقريراً سنوياً يقيم سعادة الناس ورفاهيتهم في جميع أنحاء العالم، ودفع التقرير الأخير الذي نشر الشهر الماضي، بعض الفنلنديين إلى التساؤل: "هل نحن حقا كذلك؟".

يقول جوكا ليندستروم الكاتب والممثل الكوميدي الفنلندي: "أربع مرات متتالية أكثر من اللازم، فالطقس هنا مثل أسوأ يوم في لندن، كما أن هناك شيء في تاريخنا يجعلنا نتمتع بهذا النوع من تدني احترام الذات كأمة بلا شك، و نشعر دائما و كأننا مستضعفين".

يستخدم تقرير السعادة العالمية بيانات من مقابلات أجريت مع أكثر من 350 ألف شخص في 95 دولة حول العالم، والتي أجرتها شركة الاستطلاعات Gallup.

ولا تستند التصنيفات إلى عوامل مثل الدخل أو متوسط العمر المتوقع، ولكن على كيفية تقييم الناس لسعادتهم على مقياس من 10 نقاط.

وبدوره يقول شون وانج الأستاذ بكلية KDI للسياسة العامة والإدارة في كوريا الجنوبية وأحد مؤلفي التقرير: "نعتقد أن هذه التقييمات الذاتية أو المتصورة هي طريقة أكثر موثوقية لمعرفة مدى جودة الحياة. وتضمنت الأسئلة التي استخدمناها: هل ابتسمت أو ضحكت كثيرا بالأمس؟، وهل تعلمت أو فعلت شيئاً مثيراً للاهتمام بالأمس؟، وهل تعاملت باحترام طوال يوم أمس؟".

كما ووجد الباحثون أن الشخص الذي يعتقد أن الشرطة أو الغرباء من المرجح أن يعيدوا له محفظته المفقودة، حصل في المتوسط على درجة تقييم حياة أعلى بكثير من أي شخص يعتقد العكس.

وتوصل مؤلفو التقرير إلى ست فئات لشرح معظم الاختلافات في السعادة بين البلدان، وهي:

- الناتج المحلي الإجمالي للفرد

- الدعم الاجتماعي

- متوسط العمر المتوقع

- حرية اتخاذ خيارات الحياة

- الكرم

- تصور مستويات الفساد

وقال الدكتور وانج أن بعض النتائج كانت مفاجئة، حيث احتلت أجزاء من أوروبا الشرقية مرتبة منخفضة نسبيا في القائمة، على الرغم من وجود مستويات دخل جيدة نسبياً، بينما في أمريكا الجنوبية، ظهر العكس تماماً، فقد كانت مستويات السعادة تميل إلى الارتفاع على الرغم من مستويات الدخل المنخفضة نسبياً.

والجدير بالذكر أنه في فنلندا، المجتمع الذي تسوده المساواة نسبياً، يميل الناس إلى عدم التركيز على "مواكبة الجيران" او تقليد الآخرين.

وقالت أنتي كوبينين أستاذة الفلسفة في جامعة هلسنكي: "غالباً ما يكون أداء الناس جيدا خلال المقارنة الاجتماعية، وهذا يبدأ من التعليم وصولاً إلى الفروق في الدخل والثروة صغيرة نسبياً".

في حين قال ديفيد فيستر، مهندس معماري من النمسا يعيش في أولونكيلا، إحدى ضواحي هلسنكي، إنه يمكن وصف الفنلنديين بالرضى، ولكنه من الصعب تحديد ما إذا كانوا سعداء حقاً. وقالت زوجته فيرا يلينييمي: "لقد زاد الطفل من سعادتنا".

بينما قال رجل آخر يعيش في نفس الضاحية، يان بيرليني البالغ من العمر 49 عام، أنه سعيد بما فيه الكفاية لأنه لديه عمل ويعيش حياته بشكل طبيعي ومريح.

فنلندا

كما وتجدر الإشارة إلى أن الفنلنديين يميلون أيضاً إلى أن تكون لديهم توقعات واقعية لحياتهم، ولكن عندما يتجاوز شيء توقعاتهم، فإنهم غالباً ما يتصرفون بتواضع، مفضلين مزحة استنكار الذات على التباهي، وذلك بحسب ما قاله ساري بويونين، أستاذ اللغويات بجامعة جيفاسكيلا، مشيرة إلى أن الفنلنديين محترفون في إخفاء سعادتهم.

بالإضافة إلى ذلك، تجدر الإشارة إلى أن تقرير هذا العام لم يحظى باهتمام كبير في وسائل الإعلام الفنلندية، حيث بدأ مقال قصير نشر في الصفحة الـ 19 من صحيفة Ilta-Sanomat اليومية الفنلندية بعنوان: "لا تزال فنلندا أسعد بلد في العالم".

والجدير بالذكر أن جميع البلدان التي احتلت المرتبة الأولى في قائمة العشر الأوائل، بما في ذلك بلدان الشمال الأربعة الأخرى، لديها فلسفات سياسية مختلفة عن الولايات المتحدة الأمريكية، التي احتلت المرتبة 14 في القائمة، بعد إيرلندا وقبل كندا.

وقال الدكتور وانغ أن انخفاض مستويات السعادة في الولايات المتحدة يمكن أن يكون مدفوعا بالصراع الاجتماعي وإدمان المخدرات ونقص الوصول إلى الرعاية الصحية وعدم المساواة في الدخل.

كما وأشار مؤلفي التقرير أن بعض الأشياء في فنلندا بعيدة عن الكمال، مثل أجزاء أخرى من القارة، حيث أن القومية اليمينية المتطرفة آخذة في الارتفاع، والبطالة تبلغ 8.1 %، وهي أعلى من متوسط معدل البطالة البالغ 7.5 % في الاتحاد الأوروبي.

ولكن هناك الكثير من الأشياء الرائعة حقاً في فنلندا، وبصرف النظر عن نظام المدارس العامة في البلاد، فهو نادرا ما يختبر الأطفال و يعتبر بين أفضل أنظمة التعليم في العالم. كما أن التعليم الجامعي مجاني، ويوجد نظام رعاية صحية شامل جيد و رعاية الأطفال ميسورة التكلفة.

كما و كانت فنلندا واحدة من أقل البلدان الأوروبية تضررا بالجائحة الفيروسية ، وهو ما يعزوه الخبراء إلى الثقة العالية في الحكومة و قلة المقاومة للقيود الوقائية .

يقول هيكي أيتوكوسكي، مراسل الشؤون الدولية في هيلسينجين سانومات، أكبر صحيفة فنلندية يومية، أن ما صدمه حقا بعد سفره إلى دول مثل بريطانيا وبوتان وكوستاريكا وبوتسوانا والدنمارك والولايات المتحدة للبحث عن السعادة من أجل تأليف كتاب، كان الجوانب العادية للحياة الفنلندية التي اعتبرها أمراً مفروغاً منه.

وأضاف: "على سبيل المثال، يثق الناس ببعضهم البعض. فكل صباح، من الشائع في هلسنكي أن ترى أطفالاً لا تتجاوز أعمارهم 7 سنوات يمشون بمفردهم مع حقائب الظهر إلى المدرسة، وهم يشعرون بالأمان التام. وهذا يجسد السعادة الفنلندية حقاً، حيث أن هناك شيء قد فعلناه بشكل صحيح".

المصدر: صحيفة نيويورك تايمز