يشترك كل البشر في الحاجة إلى تواصل اجتماعي ودود، إذ إننا نعاني في غيابه ونزدهي عندما نشبع هذه الحاجة. والتوق إلى الألفة أو المودة الاجتماعية قوي وقسري يشابه الرغبة الملحة في تناول الطعام أو تعاطي المخدرات.
ونعلم أن العلماء فهموا الآليات العصبية للرغبة الملحة في تناول الطعام وتعاطي المخدرات، لذا بحثت دراسة حديثة في الآليات العصبية التي تكمن وراء الرضا المرتبط بتلبية الحاجة إلى التواصل الاجتماعي. وقيمت الدراسة كذلك إن كان بإمكان استذكار التجارب السابقة للتواصل الاجتماعي مع صديق أن ينشط مناطق متشابهة في الدماغ ويؤثر في شعورنا بالرضا تجاه هذا الشخص.
علاقة الطعام بالألفة الاجتماعية
ويشبه توق الدماغ إلى الألفة رغبتنا اليومية في تناول الطعام، إذ نتوق إلى الطعام الشهي عندما نشعر بالجوع، ونقنع بعد الأكل. وتشير العديد من الدراسات الحديثة إلى أن مناطق الدماغ التي ترضي الحاجة إلى التواصل الاجتماعي قد تكون مماثلة لتلك التي تعلمنا بأننا شبعنا بعد الأكل.
وأشارت دراسات بحثت في صور الأدمغة باستمرار إلى منطقتين مهمتين، الجسم المخطط البطني (وهو جزء من نظام المكافأة في الدماغ) وقشرة الفص الجبهي البطنية الأنسية (تقع هذه المنطقة في الجزء السفلي من مقدمة الدماغ خلف قصبة الأنف مباشرةً). عندما تكون جائعاً، ينشط الجسم المخطط البطني إذا نظرت إلى صور الطعام. وبعد الانتهاء من تناول الطعام، يتباطأ النشاط في هذه المنطقة من الدماغ.
للجسم المخطط البطني دور بسيط، هو إقناعك بتناول الطعام. أما قشرة الفص الجبهي البطنية الأنسية فتراقب تجربة الأكل الذاتية. ويرتبط نشاطها بمتعة الطعام واستحسانه. وتعلمنا قشرة الفص الجبهي بشكل أساسي أننا استمتعنا بتناول الطعام.
ويُعتقد أيضاً أن هاتين المنطقتين من الدماغ تساهمان في التواصل الاجتماعي مع المقربين. ويرتبط الشعور بالوحدة أو الشوق إلى شخص عزيز متوفى بزيادة نشاط الجسم المخطط البطني. في المقابل، ترتبط تجربة التواصل الاجتماعي المشبعة بنشاط أكبر في قشرة الفص الجبهي البطنية الأنسية.
وتشير الأدلة الحالية إلى أن الجسم المخطط البطني يستثير الرغبة الملحة في التواصل الاجتماعي، في حين أن النشاط في قشرة الفص الجبهي البطنية الأنسية يُعلِمك بأن قد سددت الحاجة إلى الألفة أو المودة الاجتماعية. وتوضح الدراسة أيضاً أن مجرد تذكر التجارب السابقة للمودة الاجتماعية مع صديق مقرب كاف لتلبية الحاجة إلى التواصل الاجتماعي.
ختاماً
تطور دماغ الإنسان – أدمغة كل الحيوانات في الواقع - لتحقيق هدفين، هما بقاء الفرد وتكاثر الأنواع. وتبين نتائج هذه الدراسة أن الدماغ يستخدم المناطق نفسها لتحقيق كلا الهدفين – الجسم المخطط البطني وقشرة الفص الجبهي البطنية الأنسية، إذ تطورت هاتان المنطقتان لتحفيز رغبتنا الملحة في تناول الطعام والتفاعلات الاجتماعية الإيجابية مع الآخرين.
ترجمة: علاء العطار (بتصرف)