منوعات

لماذا يؤلمنا التجاهل أكثر من الجدال؟

22 تموز 2022 19:14

يوجد خلاف حيثما يوجد أناس، وقد بنشب الخلاف بينهم في شكل "لاذع"، من خلال الجدالات المحتدمة مثلاً، أو بشكل "بارد"، مثل تجاهل شخص ما، وكلاهما تجربة بغيضة، لكن حدس الناس والنظرية والأدلة التجريبية، كلها تشير إلى أن التجاهل يؤلم أكثر من الجدال.

ينعكس خوف الناس من التجاهل أو الإقصاء الاجتماعي في أحيان كثيرة في فرط الحساسية لديهم تجاه أدنى الإشارات التي قد تشير إلى الإقصاء الاجتماعي (Wirth et al، 2010). كما أن الشعور بالتجاهل أو الإقصاء قوي لحد أنه قد يؤثر على التصورات الحسية لدى الناس، مثل جعل البيئة المحيطة تبدو أكثر هدوءاً (Wang et al.، 2021). وهذه الأمور تفرض السؤال: ما السبب الذي يجعل التجاهل أكثر ترويعاً من الجدال؟

عدم الثقة بالذات

قد يوجد للمسألة إجابات عديدة، مثلها مثل معظم الظواهر النفسية الاجتماعية. وأحد الاحتمالات هو أنه عند تجاهل الشخص تنقطع المعلومات عنه، على عكس الجال المباشر التي يبلغ فيه عن سبب الخلاف.

هذا يعني أن من تعرض للتجاهل يحتاج إلى الانخراط في مراجعة الذات لمعرفة الخطأ الذي اقترفه حتى انزعج من تجاهله. وبالإضافة إلى الشعور الكريه المتأصل في بذل هذا الجهد العقلي، يؤدي عدم اليقين المتصل بهذا الجفاف المعلوماتي في أحيان كثيرة بالفرد المنبوذ إلى التفكير بشكل منهجي في مختلف الأسباب المحتملة لسبب تعرضه للتجاهل. ويتضمن هذا عادةً الاطلاع على قائمة بالكلمات أو الأفعال أو السمات الشخصية البغيضة أو العدوانية التي قالها أو فعلها أو امتلكها.

وعندما تجتاحه قائمة الصفات السلبية هذه (على سبيل المثال، تصرفات لئيمة، أو أقوال غير لائقة، وما إلى ذلك)، فهذا دليل على أن الفرد يعاني من قلة ثقة بذاته حتماً. من ناحية أخرى، من الممكن تحديد المشكلة خلال جدال مباشر، ولن يكون هناك حاجة إلى مزيد من اجترار الأفكار (Williams، 2009).

فقدان السيطرة

هناك سبب محتمل آخر وراء الخوف من التجاهل أكثر من الجدال، وهو أن هناك اتصالاً ثنائياً أثناء الجدل، لذلك، بإمكان الطرفين أن يتحكما بشكل أو بآخر في محتوى التفاعل، وبالتالي بالنتيجة. لكن عند التجاهل، يفقد الفرد هذا الإحساس بالسيطرة لمجرد أنه التجاهل أحادي الاتجاه. ولا توجد طريقة لإصلاح أو إنقاذ الموقف من خلال الخطاب (Williams، 2009).

غير جدير بالاهتمام

يعزو المرء التجاهل في بعض الأحيان إلى اعتقاد بأنه غير مهم كفاية لجذب الاهتمام، مثل التفاوت الكبير في الوضع الاجتماعي بينه وبين من تجاهله (Williams، 2009). وهذا منطقي لأن من البديهي أن يكون الجدال مع شخص ما مهمة شاقة، على الأقل أكثر من تجاهل الشخص. ويترتب على ذلك أن يستنتج من تعرض للتجاهل أن الشخص الآخر يفضل التخلي عن صداقته على بذل جهد لتسوية أي خلاف أو تصحيح أي سوء فهم، ومن المفهوم أن يكون هذا الشعور مريراً.

إن التفكير في بعض الأسباب المحتملة التي تجعل التجاهل أكثر إيلاماً من الجدال يطرح السؤال: هل هناك أي آثار عملية؟ من الضروري أن ندرك أهدافنا عند اختيار استراتيجية معينة في سياقات مختلفة. على سبيل المثال، عندما يتلقى "مقدمُ محتوى على يوتيوب" تعليقات كراهية، فإن اختيار تجاهل "الكارهين" أو الجدل معهم يعتمد على الهدف الذي ينشده المقدم. فإذا كان الهدف هو تصحيح سوء الفهم، فإن الجدال سيكون الخيار المناسب. أما إذا كان الهدف الإيحاءَ للكارهين بأنهم ليسوا على درجة عالية من الأهمية، فقد يكون من الحكمة اختيار "القصاص الصامت".

ويمكن تطبيق المنطق نفسه على النزاعات الجيوسياسية التي أساء فيها بلد ما إلى بلد آخر. فإذا كان الهدف هو تصحيح سوء التفاهم وإصلاح العلاقات الثنائية، فسيكون التواصل المفتوح مناسباً. أما إذا كان الهدف معاقبة البلد المسيء وتشجيع قادته على مراجعة ذواتهم في أخطائهم المختلفة، فربما يكون إنهاء الاتصال بالكامل تكتيكاً مناسباً.

psychologytoday