التنزه في الغابات يقلل نشاط لوزة الدماغ المرتبط بالتوتر والاكتئاب ومشاكل الصحة العقلية

منوعات

التنزه ساعة واحدة في الطبيعة كفيل بتقليل نشاط لوزة الدماغ المرتبط بالتوتر

22 أيلول 2022 07:35

بدأ معظم تاريخ البشرية في البيئات الرَّعَوية، إذ استضافت غابات السافانا المترامية الأطراف ووديان الأنهار الحرجية أسلافنا على مدى ملايين السنين. بالمقارنة، تمثل المدن نوعاً جديداً جذرياً من الموائل. وعلى منافعها العديدة، تؤدي في أحيان كثيرة إلى إصابة صحتنا العقلية بالإجهاد والتوتر. وربطت أبحاثٌ بين البيئات الحضرية وزيادة خطر الإصابة بالقلق والاكتئاب ومشاكل الصحة العقلية الأخرى، بما في ذلك الفصام.

لكن لحسن الحظ، تشير أبحاثٌ أيضاً إلى وجود حل، إذ ترتبط زيارة البرية، ولو لفترة وجيزة، بمجموعة من الفوائد على الصحة العقلية والصحة البدنية، بينها خفض ضغط الدم وتقليل القلق والاكتئاب وتحسين الحالة المزاجية وتحسين التركيز والنوم والذاكرة وسرعة الشفاء.

علاقة لوزة الدماغ بالصحة العقلية

وأيدت دراسات كثيرة هذا الارتباط، لكن لا يزال أمامنا الكثير لنتعلمه. هل يستطيع التنزه في الغابة وحده أن يثير كل هذه التغييرات المفيدة في الدماغ؟ وإذا صح ذلك، فكيف إذن؟

وتعد لوزة الدماغ من المناطق المواتية للبحث عن أدلة، فمع أنها غدة صغيرة في مركز الدماغ، إلا أنها تشارك في معالجة الإجهاد والتعلم العاطفي واستجابة القتال أو الفرار.

وتشير الأبحاث إلى أن نشاط اللوزة لدى سكان الريف يقل أثناء الإجهاد مقارنة بسكان المدن، لكن هذا لا يعني بالضرورة أن حياة الريف هي التي تسبب هذا التأثير. ربما يكون الأمر عكس ذلك، ويُرجح أن يعيش الأشخاص المتَّسمين فطرياً بهذه السمة في الريف.

للإجابة على هذا السؤال، ابتكر باحثون من معهد ماكس بلانك للتنمية البشرية دراسة جديدة استعانت بالتصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI).

وطلب الباحثون من 63 متطوعاً بالغاً يتمتعون بصحة جيدة ملء استبيانات، وأداء مهمة تجهد الذاكرة العاملة، والخضوع لفحوصات الرنين المغناطيسي الوظيفي أثناء الإجابة على الأسئلة، وهي فحوصات صمم بعضها لينتج ضغطاً اجتماعياً. وعَلِم المشاركون أن الدراسة تتضمن تصويراً بالرنين المغناطيسي والتنزه سيراً على الأقدام، لكنهم لم يعرفوا الهدف من البحث.

ثم كلّف المشاركون عشوائياً بالمشي لمدة ساعة واحدة إما في منطقة حضرية (منطقة تسوق مزدحمة في برلين) وإما في بيئة طبيعية (غابة غرونفالد في برلين التي تبلغ مساحتها 3000 هكتار).

العلاقة السببية بين الطبيعة وصحة الدماغ

وطلب منهم الباحثون السير في طريق محدد في أي من الموقعين، دون الخروج عن المسار أو استخدام هواتفهم المحمولة أثناء السير. وبعد سيرهم، أجرى كل مشارك فحصاً آخر للرنين المغناطيسي الوظيفي، مع أداء مهمة إضافية تسبب الإجهاد، وملأ استبياناً آخر.

أظهر التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي انخفاضاً في نشاط اللوزة بعد التنزه في الغابة، حسبما أفاد الباحثون، ما يدعم فكرة أن للطبيعة تأثيرات مفيدة في مناطق الدماغ المرتبطة بالتوتر. ويبدو أن هذه التأثيرات قد يحدث خلال 60 دقيقة فقط.

وقال عالم الأعصاب البيئي سيمون كون، رئيس مجموعة ليز مايتنر لعلوم الأعصاب البيئية في معهد ماكس بلانك للتنمية البشرية: "تؤيد النتائج وجود العلاقة الإيجابية المفترضة سابقاً بين الطبيعة وصحة الدماغ، ولكن هذه أول دراسة تثبت العلاقة السببية".

وأفاد المشاركون الذين تنزهوا في الغابة أيضاً باستعادة مزيد من الانتباه، والاستمتاع بالمشي نفسه أكثر ممن تنزه في المناطق الحضرية، وهو اكتشاف يتوافق مع نتائج الدراسة بالرنين المغناطيسي الوظيفي ومع الأبحاث السابقة كذلك.

علامة مبشرة لسكان المدن

وأدرك الباحثون أيضاً أمراً مثيراً للاهتمام حول من تنزه في المناطق الحضرية، إذ لم ينخفض نشاط اللوزة الدماغية لديهم مثل ما حدث لدى من تنزه في الطبيعة، لكنه لم يزدد أيضاً، على الرغم من قضاء ساعة في بيئة حضرية مزدحمة.

وكتب الباحثون: "على حد علمنا، هذه أول دراسة توضح الآثار السببية للتعرض الكبير لبيئة طبيعية مقابل التعرض الكبير لبيئة حضرية في مناطق الدماغ المرتبطة بالإجهاد، وهذا يفصل الآثار الإيجابية للطبيعة عن الآثار السلبية للمدينة. وبيّنا أن تنشيط اللوزة انخفض خلال المهمة المجهِدة بعد التعرض للطبيعة، بينما حافظ على استقراره بعد التعرض للمدينة. هذا يؤيد بقوة تأثيرات الطبيعة في مصادر الصحة مقابل فكرة أن الحياة في البيئة الحضرية تسبب ضغوطاً إضافية".

ولا يعني هذا أن الحياة في البيئة الحضرية لا يمكن أن تسبب الإجهاد، لكنه قد يكون علامة مبشرة لسكان المدن، إذ ربما يكون تأثير الضغط أقل قوة أو انتشاراً مما تشير إليه الدراسات الأخرى، أو ربما يعتمد على عوامل معينة لم تكن موجودة في شارع برلين هذا.

على أي حال، تقدم الدراسة الجديدة بعضاً من أوضح الأدلة حتى الآن على إمكانية تقليل التوتر المرتبط بنشاط الدماغ عن طريق القيام بنزهة في غابة قريبة، مثلما فعل أسلافنا.

Molecular Psychiatry