آثار زيادة أعداد الحشرات العاشبة وتغذيها على النباتات تحمل عواقب غير محمودة (مصدر الصورة: Unsplash)

علوم

الحشرات العاشبة تتغذى على النباتات بصورة لم نشهدها من قبل والعواقب مجهولة

11 تشرين الأول 2022 11:56

عاشت النباتات والحشرات على مدى دهور بتناغم وتوازن دقيق، فمن الحشرات ما يساعد النباتات المزهرة في عملية التلقيح، فيما توفر النباتات غذاء لمجموعة متنوعة من الحشرات. لكن أشارت دراسة جديدة إلى أن الحشرات باتت تتغذى على النباتات الآن بدرجة أكبر مما كانت عليه في الـ 66.8 مليون سنة الماضية.

الضرر الناجم عن الحشرات في العصر الحديث

وفي هذا قالت مديرة الدراسة لورين أزيفيدو-شميدت، وهي عالمة أحياء في جامعة مين: "إن الاختلاف في الضرر الذي تتسبب به الحشرات بين العصر الحديث والسجل الأحفوري مذهل".

وبغية النظر في تفاعلات الحشرات والنباتات بمرور الوقت، قارنت أزيفيدو شميدت وزملاؤها أوراق نباتات العصر الحديث المأخوذة من ثلاث غابات بالتراكيب الأحفورية لبصمات الأوراق التي تعود إلى أواخر العصر الطباشيري، أي منذ نحو 67 مليون سنة.

ومن خلال تحديد نوع الضرر الناجم عن الحشرات ووتيرته، وجد الباحثون زيادة حادة في أعداد الحشرات آكلة الأعشاب في الآونة الأخيرة، إذ تخرم هذه الحشرات أوراق النباتات وتمتصها وتحيلها إلى هيكل مجرد من النسيج تاركة خلفها العروق فقط.

ولفتت أزيفيدو-شميدت وزملاؤها في ورقتهم البحثية إلى أنهم وجدوا أن "الضرر الذي يلحق بالنباتات بسبب الحشرات مرتفع في العصر الحديث مقارنة بالفترات الزمنية الأخرى الممثلة في السجل الأحفوري على الرغم من انخفاض أعداد الحشرات حالياً".

أثر الاحترار العالمي والبشر

ونعلم أن النباتات هيمنت بالتدريج على الحياة على الأرض عبر مراحل تطورها، إذ تمثل النباتات الآن 80% من الكتلة الحيوية في العالم. كما أنواع الحشرات كثيرة جداً، على الرغم من صغر حجمها. وبناء عليه، يتضح أن كلاهما وجد طرقاً للتكيف مع التغيرات البيئية على مدى آلاف السنين، على الرغم من كونهما حساسان جداً للتغيرات في درجة الحرارة.

ولكن قدرتهما على التحمل محدودة، إذ أشارت بعض الأبحاث إلى أن أعداد الحشرات آخذة في الانخفاض، على الأقل في بعض أنحاء العالم. كما يدفع تغير المناخ النباتات إلى الإزهار مبكراً والنمو بشكل أسرع، ما يؤدي إلى إطالة موسم التلقيح الذي تنتشر فيه حبات الطلع. ناهيك عن معدلات الأمراض التي ينشرها الإنسان في الموائل وفقدان التنوع البيولوجي.

ووجدت الدراسة أن الأوراق التي يرجع عمرها إلى عام 1955 وإلى الوقت الحاضر تعاني من ضِعف متوسط الضرر الذي تلحقه الحشرات مقارنة بأي من التراكيب الأحفورية البالغ عددها 64 والتي يعود تاريخها إلى عشرات الملايين من السنين.

وجمعت الأوراق من غابتين في شمال شرق الولايات المتحدة (غابة باردة ورطبة، وغابة ساحلية دافئة) وغابة ثالثة في كوستاريكا الاستوائية - وهي بؤرة للتنوع البيولوجي تملؤها الحياة.

وجمعت البيانات الأحفورية من مجموعات البيانات المنشورة التي تغطي خطوط العرض والمناخات، وتمتد من 66.8 مليون سنة مضت عبر العصر الجليدي إلى نحو مليوني سنة، قبل أن يهاجر البشر الأوائل من إفريقيا.

ورأت أزيفيدو شميدت وزملاؤها "أن اتجاهات الاحترار السريع نسبياً في العصر الحديث قد تكون مسؤولة عن كثرة آكلات العشب، بحيث يفيد الاحترار السريع الحشرات في سباق التسلح ضد مصدر غذائها، أي النباتات".

وحذر الباحثون من أن زيادة الحشرات العاشبة قد يكون لها عواقب مجهولة على النباتات والغابات.

وبالطبع، سجل الأحفوريات لا يسجل إلا جزءاً صغيراً من الحياة ولمحات آنية في التاريخ، مع أن الباحثين اتخذوا خطوات لأخذ كيفية حفظ الأوراق على مدى الأزمان في الاعتبار، فأخذوا عينات من أوراق العصر الحديث من الرواسب، لمحاكاة الأحفوريات، ومقارنة الضرر الذي تسببه الحشرات على تلك الأوراق المدفونة بالضرر الذي لحق بأوراق الأحفوريات.

وكتب الباحثون: "هناك حاجة إلى منظور طويل الأمد لفهم هذه الكائنات الحية القديمة وارتباطاتها البيئية الطويلة الأمد، وكذلك تحديد المكان الذي يجب أن تركز عليه جهود التجميع المستقبلية".

والواضح أن شيئاً ما قد تغير في العقود السبعة منذ عام 1955، وهي أقصر مدة يمكن مقارنتها بالعصور الجيولوجية التي تكشفت قبل أن نبدأ نحن البشر في إعادة تشكيل المحيط الحيوي.

ووجدت أبحاث سابقة ضرراً أكبر للحشرات على عينات الأعشاب من أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين مقارنة بتلك التي جمعت قبل عقد من الزمن، وهو نمط مرتبط بارتفاع درجات الحرارة.

قد يكون سبب ذلك كثافة اقتيات الحشرات من النباتات أو لأن أعداد الحشرات تتزايد محلياً في الغابات التي جرت دراستها.

ورجح الباحثون أن يكون التحضر "قد أوجد بؤراً للتنوع البيولوجي للحشرات داخل الغابات المدروسة".

ويعد الاحترار السريع - الذي يؤثر في دورات حياة الحشرات وعادات التغذية لديها، ويدفع نطاق موائلها نحو القطب - وإدخال الأنواع الغازية من العوامل الكبيرة الأخرى التي قد تؤدي إلى زيادة الحشرات العاشبة.

في الوقت نفسه، تقضي الزراعة على الحشرات، كما تشير الأبحاث إلى أن النباتات قد تجبر على التناحر فيما بينها لجذب الحشرات الملقِّحة. والوضع خطير والبشر مسؤولون عن معظم أسباب المشكلة.

وخلص الباحثون إلى أن "هذا البحث يشير إلى أن شدة تأثير البشر في التفاعلات بين النباتات والحشرات لا يتحكم فيها تغير المناخ وحده، بل الطريقة التي يتفاعل بها البشر مع الطبيعة البرية".

pnas