طبقات الغلاف الجوي ووظائفها الحيوية

الغلاف الجوي: درع الأرض الخفي الغلاف الجوي: درع الأرض الخفي

 الغلاف الجوي للأرض ليس مجرد فراغ يحتوي على هواء، بل هو درع متكامل من طبقات غازية تحيط بالكوكب وتؤدي وظائف حيوية لا غنى عنها، يمكننا تشبيهه بعمارة شاهقة، يتدرج فيها كل "طابق" أو طبقة بمهمة محددة، تبدأ من تشكيل الطقس وتنتهي بحماية الأرض من الأشعة الكونية والمخاطر الفضائية.

ما هو الغلاف الجوي ولماذا هو ضروري للحياة؟

الغلاف الجوي هو غلاف من الغازات يحيط بالأرض بفعل الجاذبية، ويدور معها باستمرار. يتكون من خليط من الغازات والأبخرة والهباء الجوي (aerosols)، ويُعد أساسا للحياة، إذ يوفر الأوكسجين للكائنات الحية، وينظم درجة الحرارة، ويحمي من الإشعاعات فوق البنفسجية، ويسهم في تكوين المناخ والطقس، ويمنع تساقط النيازك إلى سطح الأرض.

لولا الغلاف الجوي، لبلغت الفروقات الحرارية على الكوكب 300 درجة مئوية، وكان سطح الأرض معقما بفعل أشعة الشمس، والسماء مظلمة حتى في النهار.

مكوّنات الغلاف الجوي للأرض

الغلاف الجوي ليس متجانسا، بل هو مزيج من الغازات بنسب متفاوتة:

النيتروجين (N₂): 78% - غاز خامل يخفف من تركيز الأوكسجين.

الأوكسجين (O₂): 21% - ضروري للتنفس والاحتراق.

الأرغون (Ar): 0.93% - غاز خامل لا يشارك في التفاعلات البيوكيميائية.

ثاني أوكسيد الكربون (CO₂): 0.04% - ضروري لعملية التمثيل الضوئي، لكنه مسؤول عن تأثير الاحتباس الحراري عند زيادته.

غازات أخرى (<0.1%): مثل الهيليوم، النيون، الميثان، الأوزون، والهيدروجين.

كما يحتوي على:

بخار الماء (0-4%): أساس تكوين السحب والأمطار.

الهباء الجوي (غبار، رماد بركاني، أملاح بحرية): يؤثر في تكوين السحب والمناخ.

الهيكل الطبقي للغلاف الجوي

يتكون الغلاف الجوي من خمس طبقات رئيسية، لكل واحدة منها خصائص حرارية وكثافة ووظائف محددة:

1. التروبوسفير (حتى 8-18 كم)

الطبقة الأقرب إلى سطح الأرض، حيث تحدث كل الظواهر الجوية من أمطار وعواصف وثلوج. تحتوي على 80% من كتلة الغلاف الجوي وتتركز فيها الغازات الحيوية، تقل فيها الحرارة مع الارتفاع بمعدل 6 درجات لكل 1000 متر. تنتهي عند حدود تُعرف بـ"التروبوبوز".

2. الستراتوسفير (حتى 50-55 كم)

تضم هذه الطبقة طبقة الأوزون التي تمتص الأشعة فوق البنفسجية الضارة. على عكس التروبوسفير، ترتفع درجة الحرارة هنا مع الارتفاع بسبب امتصاص الأوزون للإشعاع الشمسي، تُستخدم هذه الطبقة كمجال طيران للبالونات والمركبات عالية الارتفاع وتنتهي عند "الستراتوبوز".

3. الميزوسفير (حتى 80-85 كم)

طبقة باردة جدا تصل فيها الحرارة إلى -90° مئوية، غير قابلة للوصول بالطائرات أو البالونات، لذا ما زالت قيد الدراسة. تشتهر بأنها تحرق الشهب نتيجة احتكاكها بالجزيئات الجوية، مما يخلق ظاهرة "النجوم الساقطة".

4. التيرموسفير (حتى 600 كم)

طبقة حارة جدا، قد تصل درجات الحرارة فيها إلى +1500°C، ولكن نظراً لانخفاض الكثافة لا يشعر بها الإنسان، تحتوي على الأيونوسفير، وهو المسؤول عن عكس موجات الراديو. تقع فيها المحطة الفضائية الدولية (ISS)، وتُرى فيها الظواهر القطبية (الشفق القطبي).

5. الإكسوسفير (أعلى من 600 كم)

الطبقة الخارجية والأبعد، تفصل الأرض عن الفضاء الخارجي، تتكون من غازات خفيفة جدا مثل الهيدروجين والهيليوم، يتحرك فيها الغلاف الجوي بشكل تدريجي نحو الفضاء دون حد فاصل واضح، وتُستخدم كمجال لحركة الأقمار الصناعية دون مقاومة تُذكر.

التأثير البشري على الغلاف الجوي

تؤثر الأنشطة البشرية بشكل كبير وسلبي على الغلاف الجوي عبر:

الانبعاثات الصناعية والنقل: تُطلق ثاني أوكسيد الكربون وأكاسيد النيتروجين وثاني أوكسيد الكبريت.

إزالة الغابات: يُفقد الغلاف الجوي مرشّحاته الطبيعية التي تمتص ثاني أوكسيد الكربون.

المركّبات الكلوروفلوروكربونية (CFCs): تدمّر طبقة الأوزون.

زيادة الغازات الدفيئة: تؤدي إلى الاحتباس الحراري وتغير المناخ.

التغير المناخي وارتفاع ثاني أوكسيد الكربون

في عام 2024، ارتفعت درجات الحرارة العالمية لأول مرة إلى 1.5° مئوية فوق المعدلات الصناعية، وسُجلت أعلى نسب لثاني أوكسيد الكربون خلال 3 ملايين سنة، تُعتبر الصناعات والطاقة والنقل المصادر الرئيسية لهذا الغاز، مما حوّل الغلاف الجوي إلى "بطانية حرارية" تحتجز الحرارة.

الحلول الممكنة: كيف نحمي الغلاف الجوي؟

وفقا للخبيرة البيئية تاتيانا تشيستينا، تتطلب حماية الغلاف الجوي جهودًا جماعية، تشمل:

التحوّل إلى الطاقة المتجددة (الشمس، الرياح).

زيادة كفاءة الطاقة لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري.

تشجيع وسائل النقل النظيفة (الدراجات، الحافلات، السيارات الكهربائية).

خفض الاستهلاك وإنتاج النفايات.

إجراءات اقتصادية (ضرائب على الانبعاثات، دعم التكنولوجيا النظيفة).

استعادة النُظم البيئية (الغابات، الأراضي الرطبة).

المطر الحمضي والضباب السام

تتسبب انبعاثات ثاني أوكسيد الكبريت وأكاسيد النيتروجين في تكوين ضباب سام فوق المدن، وتحول الأمطار إلى مطر حمضي يهدد الغابات والمسطحات المائية.

كما تؤكد تشيستينا، أن المواد التي تحتوي على الكلور والبروم، مثل CFCs، تساهم في تآكل طبقة الأوزون، مما يزيد من خطر الإشعاع فوق البنفسجي، والذي يؤدي بدوره إلى سرطان الجلد، ضعف المناعة، واضطرابات بيئية وزراعية.

الغلاف الجوي ليس مجرد طبقة تحيط بالأرض، بل هو منظومة دقيقة وهشة تحمي الحياة بكل تفاصيلها. والحفاظ عليه لم يعد خيارا، بل ضرورة وجودية تتطلب وعيا جماعيا وتدخلاً عالميا عاجلاً.

Science Mail