اكتشف الباحثون في مركز "ماكس دلبروك" اختلافات جينية هامة بين قلوب البشر وقلوب الرئيسيات غير البشرية، تُظهر الدراسة المنشورة في *Nature Cardiovascular Research* كيف أن التطورات التطورية للبشر أثرت على تنظيم الجينات المتعلقة بالقلب، مما يوفر رؤى جديدة حول أمراض القلب ويفتح آفاقا جديدة لعلاجها.
تشابه جيني كبير واختلافات جوهرية في القلب
على الرغم من أن البشر يشتركون في 98-99% من الجينات مع الشمبانزي، إلا أن الفروق في تنظيم تعبير هذه الجينات هي ما يميزنا تطوريا. أظهرت أبحاث سابقة أن توقيت ومكان وكمية تعبير الجينات تلعب دورا رئيسيا في مساراتنا التطورية المختلفة. لكن الباحثين في مختبر علوم القلب والأيض في مركز "ماكس دلبروك"، بقيادة البروفيسور "نوربرت هيبنر" والدكتور "سيباستيان ديكي"، اكتشفوا اختلافات كبيرة في كيفية تنظيم تعبير الجينات في قلوب البشر مقارنة بالرئيسيات الأخرى.
بروتينات دقيقة وجينات حصرية للبشر
وجد الفريق البحثي مئات الجينات والبروتينات الدقيقة الموجودة في قلوب البشر فقط، والتي لم تُكتشف في قلوب الرئيسيات الأخرى، الفئران أو الجرذان. البروتينات الدقيقة، التي تم التعرف عليها سابقا في أعضاء بشرية أخرى ولكن لم يتم فهم وظائفها بشكل كامل، قد تلعب أدوارا حيوية في وظيفة القلب البشرية وقد تكون أهدافًا جديدة للعلاج.
مقارنة بين عملية النسخ والترجمة الجينية
قام الباحثون بتحليل أنسجة قلبية من الشمبانزي والمكاك باستخدام تقنيات تسلسل الحمض النووي الريبي (RNA)، مما أتاح لهم الحصول على خريطة شاملة لتعبير الجينات في قلوب الأنواع المختلفة. باستخدام تقنية Ribo-seq، قاموا بفحص المناطق التي يتم ترجمتها إلى بروتينات، ما أعطاهم فهمغ أوضح للجينات التي تنتج البروتينات الفعالة. من خلال دمج هذه البيانات، تم إنشاء أكبر مصدر حتى الآن لأنشطة الجينات والبروتينات في قلوب البشر والرئيسيات الأخرى.
دراسة تطور الخلايا القلبية
استخدم الفريق أيضا خلايا قلبية مستمدة من الخلايا الجذعية المحفزة (iPSC-CM) كوسيلة لدراسة تعبير الجينات خلال مراحل تطور القلب في البشر والرئيسيات الأخرى. تسمح هذه الخلايا، التي تُستخرج من خلايا جلدية بالغين وتُعاد برمجتها إلى حالة تشبه الجنين، بدراسة تطور الخلايا القلبية في مراحل مختلفة من النمو، مما يقدم رؤى جديدة حول الاختلافات الجينية بين البشر والرئيسيات.
التأثير التطوري على القلب البشري
تشير الدراسة إلى أن بعض البروتينات الدقيقة، التي يتم ترميزها بواسطة أجزاء صغيرة من الحمض النووي تسمى الإطارات المفتوحة الصغيرة (ORFs)، يتم التعبير عنها بشكل خاص في خلايا القلب البشري خلال مراحل تطورية مختلفة. يُعتقد أن هذه العناصر الجينية قد تطورت لتلبية احتياجات خاصة للقلب البشري. ويشرح الباحثون أن قلوب البشر لديها متطلبات طاقة مختلفة عن الرئيسيات الأصغر مثل المكاك، التي تتميز بمعدلات ضربات قلب أسرع. تعكس هذه الفروق اختلافات تطورية في تنظيم الجينات المرتبطة بإنتاج الطاقة في القلب، والتي قد ترتبط أيضًا بتكيفات مثل المشي على قدمين وأسلوب الحياة والنظام الغذائي.
التكيفات الجينية المحددة للبشر
حددت الدراسة أكثر من 1,000 تكيف جيني خاص بالبشر، بما في ذلك 551 جينًا و504 مناطق ترميز لبروتينات دقيقة لا توجد إلا في قلوب البشرؤ من بين هذه الجينات تم العثور على 76 جينًا مشتركًا بين البشر والرئيسيات الأخرى، لكن في البشر فقط تطورت لتعبيرها في القلب.
أظهرت الدراسة أن بعض الجينات والبروتينات الدقيقة الخاصة بالبشر تكون غير منتظمة في حالات مثل اعتلال عضلة القلب التوسعي، مما يشير إلى دور محتمل لها في تطوير أمراض القلب ويقترح أهدافا جديدة للعلاج. كما حذرت الدراسة من استخدام الحيوانات مثل الفئران لدراسة الجينات المرتبطة بأمراض القلب البشرية، حيث أن العديد من الجينات التي تُعبّر في قلوب البشر لا توجد في قلوب الحيوانات الأخرى، مما قد يؤدي إلى نتائج مضللة.
على سبيل المثال، يُعبر الجين SGLT1 في قلب البشر، لكنه يُعبر فقط في الكلى لدى الرئيسيات غير البشرية والفئران والجرذان. ورغم أن مثبطات SGLT1 وSGLT2 الثنائية أظهرت قدرة على تقليل فشل القلب، إلا أن عدم التعبير عن هذا الجين في قلوب الحيوانات الأخرى يجعل من الصعب دراسة تأثير هذه العلاجات على القلب البشري باستخدام تلك النماذج الحيوانية.