خواص الماء الفريدة
الماء هو الجزيء الذي يعد أساسيا للحياة، ويتميز بخصائص غير عادية تُعرف بالظواهر الشاذة التي تحدد سلوكه، رغم الدراسات المكثفة التي أُجريت عليه، لا تزال العديد من الألغاز تحيط بالآليات الجزيئية التي تكمن وراء هذه الظواهر، مما يجعل الماء فريدا. لا يزال فهم هذه السلوكيات المميزة عبر نطاقات درجات حرارة مختلفة يمثل تحديا كبيرا للمجتمع العلمي.
نموذج CVF: فهم أفضل لفيزياء الماء
قدم فريق بحثي من جامعة برشلونة دراسة نظرية جديدة تكشف عن كيفية تصرف الماء في الظروف القاسية، الدراسة التي ظهرت على غلاف "مجلة فيزياء الكيمياء" تقودها جيانكارلو فرانزيزي ولويس إنريكي كوروناس، من كلية الفيزياء ومعهد النانو في جامعة برشلونة (IN2UB).
الدراسة لا توسع فقط فهمنا لفيزياء الماء، بل لها أيضا تأثيرات في التكنولوجيا والبيولوجيا والطب الحيوي، وخاصة في معالجة الأمراض التنكسية العصبية وتطوير التقنيات الحيوية المتقدمة.
نموذج CVF: تطويره واستخداماته
النموذج الجديد الذي تم تقديمه في هذه الدراسة يعرف باسم "نموذج CVF" (وهو اختصار لأسماء الباحثين لويس كوروناس، أوريول فيلانوفا، وجيانكارلو فرانزيزي). يختلف هذا النموذج عن النماذج السابقة لأنه موثوق وفعال وقابل للتوسع والنقل، ويستخدم حسابات كمومية دقيقة لإعادة إنتاج الخصائص الحرارية للماء تحت ظروف مختلفة.
بحسب هذا النموذج، يوجد نقطة حرجة بين شكلين سائلين من الماء، وهذه النقطة هي التي تفسر الظواهر الغريبة التي تجعل الماء فريدًا وأساسيًا للحياة ولعديد من التطبيقات التكنولوجية.
الخصائص الكمومية وتأثيراتها في الماء
يقول فرانزيزي: "بينما تم التوصل إلى هذا الاستنتاج في نماذج أخرى للماء، إلا أن هذه النماذج لم تتمتع بالخصائص الخاصة التي يتمتع بها نموذجنا في هذه الدراسة." يضيف الباحثون أن النماذج الحالية لا يمكنها إعادة إنتاج الخصائص الحرارية للماء بشكل كافٍ، مثل قابليته للانضغاط وسعته الحرارية.
المميز في نموذج CVF هو أنه يتضمن نتائج حسابات الكم المتعلق بالتفاعلات بين الجزيئات، وهي تفاعلات تُعرف بمشاكل الأجسام المتعددة، التي تتجاوز الفيزياء الكلاسيكية بسبب الطريقة التي تتشارك بها جزيئات الماء الإلكترونات، مما يجعل قياس هذه التفاعلات تجريبيا أمرا صعبا.
تطبيقات النموذج في العلوم الطبية والتقنية
في الدراسة، يوضح كوروناس أن التغيرات في الكثافة والطاقة والإنتروبيا في الماء تنظمها هذه التفاعلات الكمومية، مع تأثيرات تمتد من النانومتر إلى المقاييس الماكروسكوبية. على سبيل المثال، ينظم الماء تبادل الطاقة والجزيئات وحالة تجمع البروتينات والأحماض النووية في الخلايا، ويُعتقد أن العيوب في هذه العمليات قد تؤدي إلى أمراض خطيرة مثل الزهايمر وباركنسون والتصلب الجانبي الضموري. لذا، فإن فهم كيفية تأثير تقلبات الماء على هذه العمليات يمكن أن يكون مفتاحا لإيجاد علاجات لهذه الأمراض.
تسريع تطوير التقنيات الحيوية الجديدة
يقدم نموذج CVF مزايا جديدة تتيح إجراء حسابات حيث تفشل النماذج الأخرى، سواء بسبب كونها ثقيلة حسابيا أو لأنها تنحرف بشكل كبير عن النتائج التجريبية. في مجال تطوير التقنيات، يعمل بعض المختبرات على تطوير تقنيات حيوية تستبدل العضلات (المشغلات الميكانيكية) التي تستفيد من التفاعلات الكمومية للماء؛ وكذلك أجهزة الذاكرة المعتمدة على الماء (والتي تتمتع بسعة أكبر بملايين المرات من الأجهزة الحالية)، أو تطبيقات إسفنجات الجرافين التي تفصل الماء عن الشوائب بفضل تقلبات كثافة الماء في المسام النانوية.
آفاق المستقبل وتحديات النموذج
كما أن لهذا النموذج آثارا كبيرة في فهم فيزياء الماء. يمكن لهذا النموذج أن يُعيد إنتاج خصائص الماء السائل تقريبا عند جميع درجات الحرارة والضغوط الموجودة على كوكبنا، على الرغم من أن النموذج ينحرف في الظروف القصوى التي يتم الوصول إليها في المختبرات. هذا يظهر أن التأثيرات التي لم يتم تضمينها في النموذج — مثل التأثيرات الكمومية النووية — تعد مهمة أيضًا في هذه الضغوط والدرجات الحرارية القصوى، لذلك فإن القيود التي يفرضها النموذج توجّهنا نحو تحسينه للوصول إلى صياغة نهائية لهذا النموذج.