يعمل فريق عالمي من العلماء على مشروع طموح يهدف إلى إنشاء أطلس شامل لجميع خلايا الجسم البشري ، والتي يُقدر عددها بين 36 و37 تريليون خلية، يأتي هذا المشروع تحت مظلة "أطلس الخلايا البشرية" (Human Cell Atlas - HCA)، وهو مبادرة دولية تضم علماء من أكثر من 100 دولة حول العالم.
تحليل 100 مليون خلية لإنشاء أطلس الخلايا البشرية
حتى الآن، قام الفريق بتحليل بيانات مأخوذة من 100 مليون خلية من أكثر من 10 آلاف شخص ذوي خلفيات ديموغرافية وجينية متنوعة، يهدف هذا العمل إلى دراسة أوجه التشابه والاختلاف بين خلايا البشر وتوثيق موقعها وهويتها، ووظيفتها عبر مراحل الحياة المختلفة.
بحلول عام 2026، يعتزم العلماء إطلاق النسخة الأولية من هذا الأطلس، والتي ستمثل خريطة تفصيلية للخلايا البشرية. وعلى الرغم من أنها ستكون مجرد مسودة، إلا أن هناك خططا مستقبلية لتوسيعها لتشمل مليارات الخلايا المنتشرة عبر جميع أعضاء وأنسجة الجسم.
40 ورقة بحثية تمهد الطريق للأطلس
في 20 نوفمبر، نشر العلماء أكثر من 40 دراسة في مجلة Nature. هذه الأبحاث تضمنت خرائط تفصيلية لخلايا العديد من الأنظمة الحيوية، مثل الرئتين، الدماغ، الجلد، والجهاز الهضمي. كما تضمنت تطوير أدوات حسابية متقدمة لتحليل البيانات الضخمة المرتبطة بالمشروع.
قفزة نوعية في رسم الخرائط البيولوجية
قارن أفيف ريجيف، الرئيس المشارك المؤسس لجمعية الخرائط البشرية، هذا التقدم بقفزة من الخرائط البدائية إلى خرائط غوغل الحديثة. وصرح خلال مؤتمر صحفي بأن الفريق انتقل من مستوى بدائي من الفهم إلى مستوى شديد الدقة يماثل الخرائط الرقمية المتطورة.
ومع ذلك، أكد أن المشروع ما يزال في بداياته، مع الكثير من العمل المتوقع لاستكمال الخريطة الشاملة.
خرائط الجهاز الهضمي: اكتشافات جديدة
ركزت إحدى الدراسات على رسم خريطة مفصلة للجهاز الهضمي، بدءا من المريء وحتى القولون. وشملت هذه الخريطة 1.1 مليون خلية مأخوذة من نحو 190 شخصا.
كما قام العلماء بتحليل بيانات من أشخاص يعانون من أمراض الجهاز الهضمي مثل التهاب القولون التقرحي ومرض كرون، مما أدى إلى اكتشاف نوع من الخلايا يعتقد أنه يلعب دورا في الالتهابات عبر استدعاء الخلايا المناعية.
التطور البشري المبكر: نافذة على الحياة في الرحم
في دراسات أخرى، ركز العلماء على تطور الجنين البشري المبكر. كشفت الأبحاث عن مراحل تطور المشيمة وبداية تكوين الهيكل العظمي خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل.
كما تم تسليط الضوء على خلايا فريدة تظهر أثناء استعداد الجسم لتكوين الجمجمة، بما في ذلك دراسة للجينات المرتبطة بالتشوهات الخلقية مثل تعظم الدروز المبكر.
العضوانيات: نموذج مصغر لفهم الأمراض
استخدم العلماء العضوانيات، وهي نماذج مصغرة للأعضاء البشرية يتم زراعتها في المختبر، لدراسة تشابهها مع الأنسجة الحقيقية.
تضمنت إحدى الدراسات "عضواني الدماغ" التي تحاكي نمو الدماغ البشري، حيث أظهرت النتائج أن العضوانيات تطابق تطور الدماغ البشري حتى الثلث الثاني من الحمل.
ركزت دراسة أخرى على "العضوانيات الجلدية" لفهم تشابهها مع الجلد الحقيقي بهدف تحسين استخدامها في أبحاث الأمراض.
أطلس الخلايا البشرية: خطوة نحو فهم الصحة وعلاج الأمراض
يعد أطلس الخلايا البشرية مشروعًا استثنائيًا يسعى لفهم أساسي لصحة الإنسان وتشخيص الأمراض وعلاجها. من المتوقع أن تصبح النسخة الأولية للأطلس بحلول عام 2026 أداة مرجعية شاملة، وستساهم في تطوير الطب وفهم التفاعلات البيولوجية على مستوى الخلايا.
بينما يستمر العمل على هذا المشروع الطموح، يبقى الأمل في أن يحدث هذا الأطلس نقلة نوعية في الطب الحديث ويعزز قدرات العلماء على معالجة القضايا الصحية الكبرى.