الإعلامي بشار اللقيس يشرح نشأة اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة وبداية عمله فيها

ليس كما كنا نعتقد.. كيف بدأ اللوبي الصهيوني عمله في الولايات المتحدة

سلط الإعلامي بشار اللقيس، الضوء على بداية عمل اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة ونشأته فيها، مبددا العديد من الاعتقادات السابقة عن هذا الأمر.

فقد حاول اللقيس في حلقة من برنامج نقطة فاصلة على منصة كاسيت عبر يوتيوب، استقراء تجربة اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، من خلال مساره العملي والواقعي من منتصف الخمسينات أو بداية الخمسينيات إلى اليوم.

تأسيس اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة

وأشار إلى أن البداية كانت من شهر آذار من العام 1954، التي كانت لحظه مهمة جدا، عندما اقترح مساعد وزير الخارجية الأمريكي هانري بايرود، على نحوم جولدمان الذي كان رئيس المؤتمر اليهودي العالمي، بأن على اليهود والصهاينة أن يكون صوتهم موحدا، ولا يكون رأيهم مشتتا أمام الإدارة الأمريكية، وبالتالي وبحسب ما قاله بايرود لجولدمان، بأن وحدتهم لابد أن تصنع ثقلا نوعا ما للجماعة اليهودية بأمريكا، وبالتأكيد سيكون هذا الشيء مفيدا لإسرائيل بشكل من الأشكال.

وبين بأن هذا الاقتراح دفع ثلاث شخصيات للتعجيل بتأسيس أول لوبي، وهذه الشخصيات الثلاثة هم: نحوم جولدمان وهورئيس المؤتمر اليهودي العالمي، وآبا أيبان الذي كان سفير إسرائيل لدى الولايات المتحدة والأمم المتحدة بفتره من الفترات، وأيضا فيليب كلوزنج والذي كان رئيس جمعية بناي برث والتي هي الجمعية الأكثر دينيه بين هذه الاتجاهات الثلاث.

وأوضح بأن هؤلاء الشخصيات الثلاثة كانوا مهمين جدا بولادة ما يمكن أن نسميه مؤتمر الرؤساء بالولايات المتحدة، وعمليا كان هذا المؤتمر بالطبع يضم جميع المنظمات اليهودية الأمريكية، وذلك للعمل ليس من أجل اليهود فقط في الولايات المتحدة، وإنما أيضا من أجل إسرائيل والمصالح الإسرائيلية.

وأضاف بأنه في نفس الفترة كان هناك اتجاه ثان يجري العمل عليه، وفي نفس السنة سنة ال 1954 والذي كان يحاول تأسيس هذا الاتجاه أشعيو ليو سي كينن، وقد كان يعمل أكثر على ما يسمى في تلك الفترة، لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية، والتي هي عمليا جماعة محلية مهمتها أن تضغط بالانتخابات وتحديدا انتخابات الكونغرس، وذلك من أجل إيجاد كتلة وازنة ما، يمكن أن تؤثر في الانتخابات الأمريكية.

وأشار الإعلامي بشار اللقيس بأنه وبناء على ما سبق فقد أصبح لدينا اتجاهين أساسيين باللوبي، اتجاه كان يمثله مؤتمر الرؤساء والذي يعنى بشكل أساسي بتوحيد المنظمات اليهودية في الولايات المتحدة، واتجاه آخر يعنى بالمصالح الإسرائيلية بما يخص الانتخابات الأمريكية وتحديدا انتخابات الكونغرس، والتي كانت تمثلها لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية، مع العلم أن هذه اللجنة تغير اسمها عام 1963 وأصبحت لجنة الأيباك والتي لا تزال إلى اليوم ناشطة ونعرفها بهذا الاسم.

اللحظة الفارقة في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية

واستطرد اللقيس شارحا، بأنه وعلى الرغم من نشاط أيباك، ومؤتمر الرؤساء، لكنها لم تشهد طوال سنوات الخمسينات والستينات تأثيرا فاعلا وحقيقيا للوبي الصهيوني في أمريكا، أي أننا لا يمكن أن نقول بأن السياسات الأمريكية كانت في تلك المرحلة معتمدة أو متأثرة بشكل مباشر وأساسي باللوبي الصهيوني، والدلائل على هذا الموضوع كثيرة مثل العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، وهو ربما يعتبر الشاهد الأكبر، ولكن في سنة 1967 كانت لحظة التبني الأمريكي للكيان الصهيوني، وكانت لحظة فارقة بتاريخ العلاقة الإسرائيلية الأمريكية، وبتاريخ نشاط اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، ولم يكن السبب في هذا الموضوع، همة اللوبي وبراعته بالعمل في قلب أمريكا، وإنما كان بسبب الخسارة العربية سنة 1967، والتفوق الإسرائيلي على العرب، وهو ما أقنع الإدارة الأمريكية بشكل من الأشكال، بأن الرهان على إسرائيل ممكن، ولا بد من الاستماع للصوت اليهودي في الولايات المتحدة لأنه الثقل الإسرائيلي، والثقل اليهودي هو ثقل سياسي يمكن التعويل عليه في منطقة الشرق الأوسط.

أهمية الصوت اليهودي

ولفت اللقيس إلى أنه حين نريد أن نتحدث عن العلاقة الأمريكية الصهيونية، أو اللوبي الصهيوني، فنحن بحاجة مرة جديدة أن نعود إلى ما قبل سنوات الخمسينات والستينات، لنجيب عن سؤال مطروح دائما، وهو "لماذا الصوت اليهودي مسموع" أي لماذا في الأساس عندما قرر هاري بايرد، أن يذهب إلى اليهود ويقول لهم لابد من أن يكون صوتكم موحد، فلماذا ذهب لليهود وهناك ألف عرقية واتجاه وإثنية موجودة في الولايات المتحدة غير اليهود، لماذا لم يذهب لليابانيين، أو للكوريين أو للأسبان أي الذين يتحدثون بالإسبانية من المكسيكيين، فلماذا ذهب تحديدا لليهود، هذا هو الشيء الذي نحتاج أن نفهمه أكثر، بشخصية الولايات المتحدة، وبنظرتها لليهود.

نشأة اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة

وأوضح بالقول: مرة جديدة نحن بحاجة للعودة إلى الخلف، فهناك كتاب مهم جدا، لمؤلفه بول كندي باسم "صعود وهبوط الأمم" ، يتحدث فيه عن العلاقة الأمريكية الألمانية، ويقول بأن الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية كانت بعمقها، هي حرب بين ألمانيا وأمريكا على من يقود العالم البروتستانتي، وبالتالي دائما كان خيار الكنيسة البروتستانتيه بألمانيا على تضاد تام مع خيار الكنيسة البروتستانتيه بالولايات المتحدة، هذا التعاطف البروتستانتي مع اليهود جعل اليهود ينتقلون من ألمانيا إلى أمريكا من أواخر القرن التاسع عشر ثم مع مطالع القرن الماضي في العشرينات والثلاثينات والأربعينات، وأيضا كان هؤلاء اليهود أقرب للاتجاهات اليسارية منه للاتجاهات اليمينية على اعتبار انه كانوا يواجهون في المانيا يعني اتجاه يحسبون بأنه يميني وفاشي، وبالتالي كانوا هم أقرب ما يكون لليسار أو لليسار الثقافي، ولذلك نرى بأن اليهود الألمان تحديدا ومنذ أن أسسوا الجمعية الوطنية للنهوض بالملونين، تبنوا قضايا الملونين وتبنوا الخطاب التعددي وتبنوا المقاربات الأكثر يسارية في الولايات المتحدة، وهذا الشيء نراه كمثال في الجمعية الوطنية للنهوض بالملونين، ونراه أيضا في الجمعيات المؤيدة للحركة السوداء في الولايات المتحدة، ونراه من خلال دعم جماعة بناي برث، ولجنة اليهود الأمريكيين، واللجنة اليهودية الأمريكية، ومنظمة نقابة المحامين الوطنية، فكل الاتجاهات أو الجمعيات اليهودية بأمريكا كانت أقرب ما تكون لجمعيات يسارية تؤيد مسألة الملونين، وهذا الشيء نستطيع أن نراه بشكل صارخ وأكبر بكثير من خلال اتجاه مدرسة فرانكفورت، أو علماء فرانكفورت الذين ذهبوا إلى الولايات المتحدة، والذين كانوا بالمجمل أو يكاد يكونون جميعهم مؤيدين لمسألة التعددية، وهم مع النظرية النقدية، وبالتالي كان خطابهم في تلك المرحلة أقرب للجماعات الهامشية في الولايات المتحدة، وهذا يمكن أن نراه خلال أبحاث فرانس بواس الانثروبولوجيه، والذي أسس لاتجاه يقبل بالتعدد، ويرحب بالتعدد بالولايات المتحدة.

وبين اللقيس بأن كل هذا جعل الجماعات اليهودية وتحديدا الجماعات اليهودية ذات المنشأ الألماني أو الجرماني تكون أقرب للجماعات الهامشية بالولايات المتحدة، وتصبح قضايا الهوامش وقضايا ما يعرف في تلك المرحلة بقضايا اليسار هي قضاياها، وبالتالي على عكس مما نعتقد لم ينشا اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة كلوبي يميني، على العكس هو نشأ كلوبي يساري وهذا يفسر قربه من الديمقراطيين طوال ربما عقود، وانتخابات عديدة متتالية.

واعتبر بأن قرب اللوبي اليهودي أو الجماعات اليهودية هذه من اليسار هي التي جعلت جماعات الملونين وحركة الحقوق للسود، تكون قريبة لهذه الدرجة من الجماعات اليهودية، ضاربا مثالا على ذلك، اللوحة المهمة جدا التي رسمها آرون دوجلاس الرسام الأمريكي من الأصل الإفريقي، واسمها "دع شعبي يذهب" والذي يحاول فيها أن يحاكي خروج اليهود من مصر نتيجة الظلم الذي تعرضوا له تاريخيا وبالطبع ذلك وفق الرواية اليهودية.

وبين بأن هذا الشيء، لا يمكن أن نفهمه اليوم، في ظل الاعتقاد بأن اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة هو دائما لوبي يميني، وعلى عكس ما حصل في التاريخ، اللوبي الصهيوني بالولايات المتحدة واللوبي اليهودي كان أقرب للاتجاهات اليسارية أقلها إلى فترة الثمانينات ولعل دعم آدم كليتون بول، والذي كان نائبا أسودا عن الديمقراطيين بالولايات المتحدة، الذي قدمه في مرحلة الأربعينات لمنظمات شتارن والآرجون والجماعات اليهوديه المتطرفه إلى درجة أنه جمع 150 ألف دولار لهذه الميليشيات في إسرائيل، ما يمكن أن يوضح لنا بأن الإطار أو الخيال العام لدعم المهمشين في الولايات المتحدة للكيان الصهيوني كان يفترض أو يعتقد بأن الكيان الصهيوني كيان تقدمي يساري.

وبحسب اللقيس، فقد استفاد اليسار اليهودي بالولايات المتحدة أيضا من الجماعات الهامشية، ليصبح له ثقل أكبر، ومن تبني قضايا اليسار، من أجل أن يصبح له ثقل أكبر وقدرة أكبر على العمل مع الملونين وذوي الأصول الإفريقية وذوي الأصول الأسبانية أو اللاتينية، وبالتالي استطاع هذا اللوبي أن يدخل للإدارة الأمريكية من الزاويه التي لا نعتقد أنه دخل منها ثم تحول طبعا هذا اللوبي من اتجاهات يسارية واتجاهات إنسانية، إلى اتجاهات أكثر يمينية بفترة الثمانينات.