العنبر في الثقافة العربية
على الرغم من أن مصدر العنبر ظل غامضا لفترة طويلة، إلا أن العرب لم يتعرفوا عليه فقط منذ القدم، بل اكتشفوا العديد من أسراره واستخدموه في مجالات متنوعة، كان العنبر جزءا لا يتجزأ من حياة العرب وثقافتهم، حيث استخدموه في صناعة العطور والأدوية التقليدية، واعتبروه مادة نفيسة وهبة من البحر.
العنبر في الطب التقليدي والعطور
وصف العرب العنبر بأنه مادة ذات قيمة عالية، واعتقدوا أنه يتكون عندما تحمله الأمواج إلى الشواطئ، وقد استخدموه في تحضير العطور بسبب رائحته الزكية الفريدة، بالإضافة إلى ذلك، استخدم العرب العنبر كمنشط جنسي ودواء لعلاج الأمراض العصبية، كانوا يشعلون قطعا منه كبخور، حيث اعتقدوا أن استنشاق رائحته يساعد في تحسين الحالة المزاجية وعلاج بعض الأمراض.
العنبر في علاج الأمراض
استخدم العرب العنبر أيضا في علاج أمراض الجهاز الهضمي والصداع. وقد ارتبطت قيمته بندرته، حيث كان يُعتبر علامة على الرفاهية والثراء، وكان يُقدم كهدية ثمينة بسبب فوائده العديدة وقيمته العالية.
العنبر والخصوبة
اعتقد العرب أن تناول العنبر مع الغذاء يمكن أن يساعد في علاج عقم النساء، في المغرب استُخدم العنبر في تحضير الشاي، حيث كانت تُلصق قطعة صغيرة منه بغطاء إبريق الشاي، يتفاعل بخار الشاي مع العنبر، مما يمنح الشاي مذاقا مميزا ورائحة زكية.
العنبر في الثقافات الأخرى
في أوروبا خلال القرن الرابع عشر، استُخدم العنبر في صناعة التمائم التي كانت تُعتقد أنها تحمي من وباء الطاعون. وصف المؤرخ روبرت ماي رائحة العنبر في القرن السابع عشر بأنها "خشبية وزهرية"، مما أضاف إلى سحر هذه المادة.
في الصين، ارتبط العنبر بأساطير التنين، حيث اعتقد الصينيون أنه يتكون عندما يسقط لعاب التنين في المحيط. وقد ذكرت السجلات الصينية في القرن الخامس عشر أن العنبر قد يكون من شجرة النسغ أو رغوة البحر أو حتى تبلورا من الدموع.
تكوين العنبر في حيتان العنبر
العنبر هو مادة تتشكل في أحشاء حوت العنبر كرد فعل طبيعي لحماية الجهاز الهضمي من الأجسام الصلبة، مثل مناقير الحبار التي يبتلعها. بعد خروجه من جسم الحوت واختلاطه بمياه البحر، يتصلب العنبر ويصبح مادة شمعية عطرية.
في عام 2020، أكد العلماء من خلال تحليل الحمض النووي أن العنبر يتكون بواسطة حيتان العنبر، لكن الآلية الدقيقة لتكوينه ما زالت غير معروفة.
العنبر في صناعة العطور
لا يزال العنبر يُستخدم حتى اليوم في صناعة العطور الفاخرة بسبب خصائصه المثبتة للرائحة. من أشهر العطور التي تستخدم العنبر هو عطر شانيل رقم 5، ومن المفارقات أن هذه المادة النادرة، التي تُعتبر "نفايات الحيتان"، تتحول إلى عطور ذات رائحة فواحة.
آراء الخبراء حول العنبر
قدم خبير الحيتان السوفيتي والروسي الشهير، أفينير توميلين، عرضا شاملاً عن العنبر، حيث ذكر أن بعض العلماء يعتبرونه منتجا مريضا لإفرازات المرارة في حيتان العنبر المريضة، بينما يعتبره آخرون إفرازا طبيعيا لغدد المستقيم،
وأشار توميلين إلى أن العنبر كان يُستخرج فقط من أمعاء ذكور حيتان العنبر، وأن رائحته تتحول من رائحة الأرض إلى رائحة المسك أو الياسمين بعد تخزينه في حاوية محكمة الغلق. كما أكد أن العنبر يُعتبر أفضل مثبت للروائح الزهرية في صناعة العطور.
مستقبل العنبر
مع تقدم العلم، يحاول الباحثون الآن تحضير العنبر من براز حيتان العنبر المجفف. وقد لا يكون بعيدًا اليوم الذي تُجمع فيه أساطيل صيد الحيتان براز الحيتان لمعالجته وتحويله إلى منتج نفيس، وعلى الرغم من الاعتقاد السابق بأن العنبر نادر جدا، فقد وجد صائدو الحيتان أنه موجود في أمعاء 4 إلى 5% من حيتان العنبر التي فحصوها.
العنبر، هذه المادة السحرية التي أحاطتها الأساطير والغموض، لا تزال تحتفظ بقيمتها العالية في العالم الحديث. من استخداماته القديمة في الطب التقليدي إلى دوره الحالي في صناعة العطور الفاخرة، يظل العنبر رمزا للرفاهية والثراء، ويستمر في إثارة فضول العلماء والمهتمين بأسرار الطبيعة.