أثار صمت الحكام الجدد في دمشق، الكثير من التساؤلات المحقة عن صمتهم المريب أمام تهديدات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأخيرة لسوريا والقصف الكبير للجنوب السوري وتوغل قواته في عدة مناطق جديدة منه يوم أمس.
نتنياهو يحذر الإدارة السورية الجديدة
فمنذ ثلاثة أيام أطلق نتنياهو تصريحات خطيرة تجاه سوريا وحكامها الجدد، والتي تضمنت تحذيرات موجهة إلى الإدارة السورية الجديدة، وأكد فيها بأن إسرائيل لن تسمح لقوات هيئة تحرير الشام أو الجيش السوري الجديد من دخول الأراضي الواقعة جنوب دمشق، ومطالبته بالنزع التام للسلاح من جنوب سوريا، إضافة إلى إعلان التزام إسرائيل التام بحماية الدروز في الجنوب وعدم التسامح مع اي تهديد لهم.
ويوم أمس الثلاثاء نفذت القوات الإسرائيلية عمليات توغل في العديد من المناطق الجديدة داخل سوريا، بالتزامن مع غارات جوية عنيفة استهدفت مواقع متعددة من محافظة درعا وصولا إلى ريف دمشق، دون أن تجابه قوات الاحتلال الإسرائيلي المتوغلة أي مقاومة تذكر.
صمت سوري مريب على التهديدات الإسرائيلية
وقد قوبلت هذه التهديدات والتوغلات والعمليات العسكرية الإسرائيلية في الداخل السوري بصمت كامل من الإدارة السورية في دمشق، وكأن هذا الأمر ليس في أراض سورية ولا يعنيها، ولم تقم هذه الإدارة باتخاذ أي إجراء أو تحريك قوات ولو على سبيل الدفاع والتحصين والردع، بل لم يخرج أي تصريح سياسي كان أم عسكري.
وأثار هذا الصمت المريب واللامبالاة الغريبة، تساؤلات محقة مستوحاة من لسان من سيطروا على الحكم في سوريا أنفسهم، والذين ما انفكوا يرددون خطابات المديح بقواتهم وقدراتها، والتبجيل بخبراتها وحنكتها العسكرية، والترهيب ببأسها، وأيضا بقدرة طائرة الشاهين المسيرة ذات القدرات المتطورة والتي لعبت دورا أساسيا في معاركهم.
إضافة لتشديدهم الدائم على نصرهم العسكري الحاسم، والذي حققوه رغم قوة الجيش السوري السابق، ورغم الدعم الإيراني وبعض الجماعات الأخرى له، ورغم ضربات الطيران الروسي، وفخرهم بتكتيكاتهم العسكرية وخططهم التي تعتبر مدرسة بالعلم العسكري يكون حتى الضباط الغربيون تلاميذ فيها.
ونستحضر تأكيدا على هذا الكلام ما قاله زعيم هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني، والذي هو الآن الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع في مقابلة تلفزيونية أوائل الشهر الجاري، والتي كشف فيها، بأن أحد الضباط الغربيين قابله بعد المعركة التي أدت إلى إسقاط النظام بأسبوعين أو ثلاثة، ووقف على قدميه وقال له: "راقبت المعركة من خلال الأقمار الصناعية والطائرات المسيرة، فوجد أن فيها مدرسة كبيرة جدا في العلم العسكري تستحق أن نكون نحن تلاميذ عند هذه المدرسة، ثم أخرج الضابط وساما من على صدره وأهداني إياه." وفق كلام الشرع.
وتحدث الشرع أيضا عن قدرات قواته، بالتأكيد على أن "القوى العسكرية التي نشأت في ظل الثورة اكتسبت خبرات عالية واحترافية خلال السنوات الماضية، وأن هذه القوى تتمتع أيضا بعدد كبير من المقاتلين، مما يعزز من مكانتها وقدراتها."
وبناء على يقوله الحكام الجدد في دمشق عن وصف مقدرة قواتهم، وإذا كان الحال كذلك حقا، فليس من الصعب على قوة كتلك ردع إسرائيل أو الرد على تهديداتها على الأقل، أو الدفاع عن الوطن على أقل تقدير.
كما أن تاريخ هذه القوات المعروفة باسم هيئة تحرير الشام مليء بالتجارب العسكرية، وكيف لا وهي مكونة من فصائل جهادية، حارب بعضها في جبهات مختلفة وبدول متعددة، واستخدمت هذه الفصائل طوال سنوات الحرب السورية الأجانب والمفخخات في عملياتها، فأليس من الطبيعي أن تستخدم هذه التكتيكات العسكرية ضد إسرائيل؟
ومن هنا تصطدم التساؤلات بجدار صمت القيادة السورية الجديدة على التهديدات والانتهاكات الإسرائيلية، ليكون لسان حال الكثيرين يردد تساؤله المشروع، إن كانت قوات هيئة تحرير الشام ومن معها من الفصائل العسكرية، مخصصة فقط لتنفيذ عمليات القتل والمداهمات والاعتقالات وترهيب الناس في المناطق التي رضخت طواعية للحكم الجديد، وسلمت أسلحتها، وتجاوبت مع دعوات التسوية، وبقيت ملتزمة بخطاب سوريا الواحدة.