في تطور طبي يُعد من أبرز إنجازات العقد الأخير، تمكن باحثون من جامعة كيوتو في اليابان من تحقيق تقدم ملموس في علاج مرض باركنسون عبر تقنية الخلايا الجذعية المستحثة متعددة القدرات (iPS)، هذا الابتكار يفتح أبواب أمل جديدة أمام ملايين المرضى حول العالم الذين يعانون من هذا المرض التنكسي الذي يؤثر على الحركة والجهاز العصبي المركزي.
ثورة الخلايا الجذعية: اليابان تفتح باب الأمل لعلاج باركنسون
إن مرض باركنسون، الذي يصيب الجهاز العصبي نتيجة تراجع مستويات مادة الدوبامين في الدماغ، يؤدي إلى ظهور أعراض تشمل الرعشة وتصلب العضلات وبطء الحركة واضطراب التوازن. ويُعد هذا المرض مزمناً وتدريجياً مما يعني أن أعراضه تتفاقم مع مرور الوقت، ولا يوجد له حتى الآن علاج نهائي بل تركز العلاجات التقليدية على إدارة الأعراض وتحسين جودة حياة المريض.
إن التجربة اليابانية الجديدة تعتمد على أخذ خلايا من جلد المريض وإعادة برمجتها لتصبح خلايا جذعية قادرة على التحول إلى أي نوع من الخلايا داخل الجسم ومن ثم، يتم توجيه هذه الخلايا لتتحول إلى خلايا عصبية منتجة لمادة الدوبامين، والدوبامين يعتبر المادة الكيميائية التي يفقدها الدماغ تدريجياً لدى المصابين بباركنسون، بعد ذلك تُزرع هذه الخلايا العصبية في مناطق محددة داخل دماغ المريض، بهدف تعويض النقص وتحفيز استعادة الوظائف الحركية.
التجارب السريرية الواعدة لعلاج الباركنسون تحسن حركي دون آثار جانبية
وقد أُجريت التجارب السريرية الأولية على سبعة مرضى تتراوح أعمارهم بين الخمسين والسبعين عاماً، وجميعهم كانوا يعانون من مراحل متقدمة من المرض، وخلال ستة إلى تسعة أشهر من العلاج أظهر أربعة من المرضى تحسناً ملحوظاً في الأداء الحركي وتمكن بعضهم من تقليل جرعات الأدوية التقليدية، ولكن الأهم من كل ذلك أن العلاج لم يُسجّل أي آثار جانبية خطيرة أو استجابات مناعية مضادة، وهو ما يعد مؤشراً قوياً على سلامة النهج العلاجي.
وقد أكد الباحثون أن خطوتهم التالية هي التوسع في التجارب لتشمل عدداً أكبر من المرضى ولمدة أطول، مع مراقبة دقيقة لأي مضاعفات طويلة الأمد. كما تجري الاستعدادات لبدء التواصل مع الجهات التنظيمية من أجل الحصول على الموافقات اللازمة لإنتاج العلاج على نطاق أوسع، ليكون متاحاً بشكل تجاري في المستقبل القريب.
هل يصبح علاج الباركنسون متاحاً تجارياً ؟ ماهي التحديات والخطوات القادمة
وإن هذا الإنجاز يمثل تحولاً جذرياً في طريقة التعامل مع الأمراض العصبية التنكسية، ويؤكد مرة أخرى أن الطب الحديث المدعوم بالتقنيات البيولوجية المتقدمة قادر على تقديم حلول جذرية لأمراض طالما اعتبرت مستعصية، كما يفتح الباب أمام استخدام الخلايا الجذعية المستحثة في علاج أمراض أخرى مشابهة، مثل الزهايمر، وإصابات الحبل الشوكي، والتصلب الجانبي الضموري.
يبقى التحدي الأساسي في ضمان استمرارية فعالية العلاج على المدى الطويل، وتحديد التكلفة الحقيقية للإنتاج والإتاحة، لكن هذه التجربة اليابانية تؤسس دون شك لعصر جديد من العلاجات الشخصية المعتمدة على تجديد الخلايا