هل سبق وشعرت بأن أغنية ما "تلامس وجدانك"؟ قد يكون هذا الشعور أكثر حقيقةً مما تظن، إن النظرية الجديدة تقترح أننا لا نستمع إلى الموسيقى فحسب بل إن أجسادنا تترنّم معها جسدياً، حيث تتزامن التذبذبات الطبيعية في أدمغتنا مع عناصر مثل الإيقاع والنغمة.
كيف تتوافق الموسيقى مع إيقاع الدماغ؟
غالباً ما ينظر إلى الموسيقى على أنها "لغة عالمية" فالناس من مختلف الثقافات يتحركون بطريقة متشابهة عند سماعها، وحتى الأطفال الصغار يتحركون غريزياً مع الإيقاع، وفقاً لنظرية الرنين العصبي (NRT) لا يقتصر الأمر على تعلمنا توقع ما سيأتي في المقطوعة، بل إن عناصر مثل التناغم في الموسيقى التي نصنعها ونستمتع بها تبدو جميلة لآذاننا لأنها تتماشى مع أنماط الرنين في الدماغ.
تقول عالمة الأعصاب بجامعة مكغيل في كندا كارولين بالمر : إن هذه النظرية تشير إلى أن قوة الموسيقى لا تكمن فقط في سماعنا لها بل تؤثر في أن أدمغتنا وأجسادنا وتصبح جزءاً منها، هذا له تداعيات كبيرة على العلاج النفسي والتعليم والتكنولوجيا.
لماذا نتحرك جميعاً مع الإيقاع؟
بالطبع هذا ليس مجرد صدفة فخلال آلاف السنين من تطور الموسيقى، اكتشف البشر ما يبدو أجمل دون أن يفهموا السبب العلمي وراءه، وقد قامت بالمر و زملاؤها بصياغة نظرية الرنين العصبي (NRT) بشكلٍ رسمي في ورقة بحثية نشرت مؤخراً تستعرض الأدبيات العلمية حول علم الأعصاب الموسيقي.
ومن النقاط الأساسية في النظرية أن التذبذبات العصبية تتزامن مع الصوت الخارجي بترددات مختلفة، على الجانب البطيء من هذا الطيف يوجد ما نسميه "الإيقاع" وهو النبضات الواضحة التي يمكن الرقص أو العزف عليها، بينما تتذبذب الخلايا العصبية في القشرة الدماغية بترددات تتجاوب مع هذه النبضات الموسيقية.
أما الترددات الأعلى (من 30 إلى 4000 هرتز)، فنُدركها على أنها "نغمات"، حيث تتزامن التذبذبات العصبية في نطاق "جاما" مع الترددات المنخفضة منها بينما يتجاوب العصب السمعي وجذع الدماغ والقوقعة مع النغمات الأعلى، هذا التكامل هو ما يجعل الموسيقى ممتعة للجميع دون استثناء من الأطفال إلى الموسيقيين المحترفين.
من الإيقاع إلى النغمات: كيف يترجم الدماغ الترددات الصوتية؟
كما يؤكد الباحثون أن بعض التراكيب الموسيقية قد تكون شائعة عالمياً لأنها تتوافق مع حالات مستقرة في الأنظمة الديناميكية المعقدة، لكن هذا لا يعني أن التذوق الموسيقي خالٍ من العوامل المكتسبة، فبحسب الفريق فإن عناصر مثل النبض والميزان الإيقاعي تختلف باختلاف الثقافات، فبينما تتطور النبضات البسيطة (مثل تلك التي تصفق لها أو تهزّ طفلك عليها) بسرعة وتصبح أقوى مع الوقت، فإن الهياكل المعقدة تختلف من ثقافة لأخرى، وتظهر أدمغتنا مع الوقت تحيزاً لهذه التراكيب المتعلمة وهو ما يسمى "التضبيط".
كما تغطي النظرية أيضاً ظاهرة "الجروف" وهو ذلك الشعور الذي يدفعك للتحرك مع الموسيقى، وعندما ينحرف الإيقاع قليلاً عن النبض المتوقع يضطر الدماغ إلى ملء الفراغات وهو ما يسميه الفريق "الرنين غير الخطي"، كما وجد أن أعلى درجات الاستمتاع بالجروف تتطلب كمية معتدلة من هذا الرنين، فالموسيقى غير المنتظمة جداً تفقد قابليتها للرقص ولهذا تميل الأغاني الشعبية إلى الوقوع في المنتصف.
إن هذه النظرية تقدم إطاراً لفهم جوانب أخرى مثل دور الموسيقى في الترابط الاجتماعي وتطبيقاتها في الصحة العقلية، كما تفتح الباب لتطبيقات علاجية وتعليمية تستند إلى هذه العلاقة الفريدة بين الصوت والجهاز العصبي.