تدخل استكشافات الفضاء عصرا جديدا مع برنامج "أرتميس" التابع لوكالة ناسا، والذي يهدف إلى إرسال البشر إلى القمر بحلول عام 2026، وصولا إلى المريخ لاحقا، كما تخطط الصين لإرسال بعثات مأهولة إلى القمر بحلول 2030 وبناء قاعدة قمرية، لكن مع هذه الطموحات تظهر تحديات صحية غير مسبوقة لرواد الفضاء فقد تؤثر على نجاح المهمات وتهدد حياتهم.
التحديات الصحية في الفضاء
لا يتكيف الجسد البشري مع بيئة الفضاء، حتى لو كان الرواد في قمة لياقتهم فخارج الغلاف الجوي للأرض، يتعرض الجسم لمستويات عالية من الإشعاع، مما يزيد من خطر الإصابة بالسرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية، فوفقا لوكالة الفضاء الأوروبية قد يتعرض رائد الفضاء خلال رحلته إلى المريخ لنسبة إشعاع تعادل ما يتعرض له على الأرض في عام كامل وذلك في يوم واحد فقط، كما تسبب الجاذبية الصغرى (Microgravity) العديد من المشكلات الصحية مثل:
- هشاشة في العظام حيث يفقد رواد الفضاء حوالي 1% من كثافة المعادن في عظامهم شهريا، مما يزيد من خطر الكسور.
- مشكلات في الرؤية وذلك بسبب تغيرات ضغط السوائل في العين.
- أمراض الكلى نتيجة لتراكم رواسب الكالسيوم.
- تأثيرات نفسية بسبب العزلة الطويلة وصعوبة التواصل مع الأرض.
المحاور المبتكرة لمساعدة رواد الفضاء
وقد حدد العلماء أربعة محاور رئيسية تساهم في حلول طبية مبتكرة تساعد رواد الفضاء في مهامهم الاستكشافية وهي:
1. الرعاية الصحية عن بعد حيث يعتمد رواد الفضاء على الاتصالات للحصول على الدعم الطبي، لكن التأخير في الإشارات (مثل 20 دقيقة بين المريخ والأرض) يجعل التدخل في الحالات الطارئة صعبا، فقد تم تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي لتقديم تشخيصات فورية، لكن التحدي يكمن في صيانة هذه الأنظمة خلال المهمات الطويلة.
2. تخزين الأدوية لفترات طويلة فإن معظم الأدوية على محطة الفضاء الدولية تنتهي صلاحيتها في أقل من 3 سنوات، بينما تستغرق رحلة إلى المريخ 3 سنوات على الأقل، وتجري الأبحاث حاليا لتحسين تخزين الأدوية في الفضاء، وهو ما قد يفيد أيضا سكان المناطق النائية على الأرض.
3. الصحة النفسية فالعزلة والضغوط تؤثر على الحالة النفسية للرواد، فوكالة الفضاء تستخدم تقنيات مثل الإضاءة الاصطناعية لمحاكاة النهار والليل، أو الواقع الافتراضي للاسترخاء، كما تستفاد من خبرات ناسا في إدارة الأزمات، مثل إنقاذ عمال المناجم المحاصرين في تشيلي عام 2010.
4. إنتاج الغذاء المستدام فلا يمكن الاعتماد كليا على الإمدادات الأرضية في رحلة تستغرق 7–10 أشهر إلى المريخ، وتجرى أبحاث لزراعة الطعام في الفضاء، وهو مجال قد يحل أزمات الغذاء في المناطق القاحلة على الأرض.
الفوائد الأرضية للبحوث الفضائية
إن الابتكارات الطبية المطورة لرواد الفضاء لا تقتصر عليهم، بل تترجم إلى حلول عملية على الأرض، ومثال على ذلك مضخة القلب المساعدة (Left Ventricular Assist Device)، التي صممها جراح القلب مايكل دي بيكي بالتعاون مع مهندسي ناسا لمساعدة مرضى القلب، والعمل على تحسين تخزين الأدوية في المناطق التي تفتقر إلى البنية التحتية الطبية.
ومع استمرار التوسع في استكشاف الفضاء، يجب أن تركز الأبحاث على حماية صحة الرواد، ليس فقط لضمان نجاح المهمات، بل أيضا لتعزيز الرعاية الصحية على الأرض، فالابتكارات التي بدأت من أجل الفضاء قد تكون مفتاحا لحياة أفضل للبشرية جمعاء.