لبنان

تقارير وحوارات

المعركة  مع "حزب المصرف": وقودها الليرة وسلاحها انفجار الشارع

فريق التحرير

28 نيسان 2020 20:36

وصل الاحتقان في الساحة اللبنانية إلى أعلى مستوياته إذ صارت كل الأطراف تعلب ع المكشوف في صراع الاستحواذ على السلطة في البلد الذي يحوي 18 طائفة تقتسم المحاصصات والمناصب في إدارات الدولة المختلفة وت

وصل الاحتقان في الساحة اللبنانية إلى أعلى مستوياته، إذ صارت كل الأطراف "تعلب ع المكشوف" في صراع الاستحواذ على السلطة، في البلد الذي يحوي 18 طائفة تقتسم المحاصصات والمناصب في إدارات الدولة المختلفة، وتتشابك وتتقلب على نحوِ دوري خرائط التحالف والخصومة.

المهم في الوقت الحالي، أنه ثمة فرز يمكن القول أنه واضح، بين معسكرين اثنين، الأول يتزعمه الثنائي الشيعي، وإلى جانبه التيار العوني وتيار المردة، في مقابل تيار آخر، تجمع فيه عدد من الفرقاء، ويتقدمه رئيس الوزراء المستقيل سعد الحريري ومن خلفه زعيم حزب القوات اللبنانية سمير جعجع.


أزمة القوة في الفريق الآخر، تتمثل في هيمنتها شبه المطلقة على القطاع المالي في البلاد، إذ أن بقاء وجود رياض سلامة حاكماً لمصرف لبنان في حكومة حسان دياب، أعطى فرصة للخصوم باستمرار التلاعب واستحداث الأزمات، ويصطلح البعض على اطلاق وصف لذاك التجمع، وهو "طائفة المصارف"، التي كانت موجودة اصلا ولكنها تجدد حضورها مع تجدد الازمات التي تعصف بالبلاد اليوم، أو ما بات يطلق عليها في الاوساط الاعلامية والسياسية اللبنانية بـ"حزب المصارف"، واللافت ان هذه الطائفة ليست كبقية الطوائف إنما هي فئة كبيرة من الناس العاملين في القطاع المصرفي وخلفها شريحة واسعة من السياسيين ورجال الأعمال ورجال الدين وشخصيات اجتماعية وأمنية وشعبية، واذا ما اعتبرت هذه الطائفة بـ"حزب" فهو بالتأكيد حزب ليس كباقي الاحزاب اللبنانية انما هو حزب عابر للطوائف والمذاهب وإن استفاد من حمايات طائفية ومذهبية لعناصره.

اقرأ أيضاً: وحش لبنان في الحديقة.. على حزب الله الكف عن تصنيع الصواريخ الدقيقة

والحقيقة ان هذا الحزب او هذه الطائفة المسماة بالمصارف، لا يّعرف فعلا من الرأس الذي يديرها او يتزعمها وما هي الهيئات المؤلفة لها، إنما الواضح ان هناك هيئات رسمية وغير رسمية في القطاع الخاص تديرها وتعمل في فلكها بالشراكة مع طبقة سياسية حاكمة في لبنان بالحد الادنى منذ مطلع تسعينات القرن الماضي، والبعض يطلق على هذه المنظومة بالدولة العميقة الحاكمة في لبنان التي لها أدوات فاعلة ووازنة تعمل بالتوازي مع الحكومة القائمة اليوم.

 

وقد يكون من أبرز وأشهر أدوات هذه المنظومة العميقة هو حاكم مصرف لبنان الذي صاع صيته من التسعينات انه "حامي الليرة" ونسجت الروايات حول قدرته على تثبيت سعر صرف الليرة والحفاظ على قيمتها رغم كل المتغيرات التي مرت على لبنان والعالم في الـ25 سنة الماضية، قبل ان تظهر الازمة الحالية هشاشة الوضع اللبناني وقيمة عملته وان الرجل الذي قيل انه "الحامي" بات هو المتلاعب بقيمة العملة، كما يؤكد الكثير من الاطراف في لبنان الذي يشددون على ضرورة عزله ومحاسبته مع عدد كبير من رموز المرحلة السابقة من سياسيين ورجال اعمال ومصرفيين.

 

والاكيد ان سلامة ليس لوحده يقود هذه السياسات إنما ساعدته على مدى سنوات شبكة من المصارف التي راكم أصحابها ثروات(سواء لهم او للسياسيين الذين يؤمنون لهم الحماية والدعم)، وتم ربط الدولة بكل مفاصلها بهذه المصارف، سواء من خلال رواتب الموظفين في القطاعين العام والخاص او عبر الخدمات التي تقدمها الدولة للعموم بالإضافة الى التحويلات النقدية من الخارج وصولا للقروض على انواعها التي أشيعت في المجتمع اللبناني، حتى اعتدنا ان يأخذ المواطن عدة قروض لتسيير حياته اليومية ومعيشة عائلته، فهذه المنظومة أغرقت الناس بالديون حتى تتمكن في لحظة ما من التحكم بكل شيء وهذا ما تحاول فعله اليوم، عبر تعاون خفي بين هذه المنظومة التي فيها رجال اعمال يتلاعبون بأسعار السلع وشبكة من الصرافين التي تتلاعب "غب الطلب" بسعر الدولار مقابل الليرة اللبنانية وفقا لأجندة لها أبعادها الاجتماعية السياسية والامنية.

 

وكل ما يجري اليوم من اشتداد الازمة بفعل هذه المنظومة المالية هو نتيجة طبيعية كردة فعل ممن بات مهددا بالإقصاء او بالفضيحة عن الجرائم والسرقات التي ارتكبها لعقود، ففي لبنان هناك قيادات سياسية واحزاب تنادي وتعمل للوصول الى لحظة الحقيقة بالكشف عن الفساد ومحاسبة الفاسدين وزجهم بالسجون، وقد توجت هذه الجهود بوصول حكومة اختصاصيين بمجملها برئاسة حسان دياب وبتعاون واضح مع رئيس الجمهورية ميشال عون، ويبدو للجميع ما يحصل من صراع بين فريق يعمل للقضاء على الفساد وفريق فاسد لا يوفر طريقة بتعطيل عمل الفريق الاول، حتى ولو تطلب الامر الى أخذ البلد الى الخراب او المساس بالأمن والاستقرار.

 

لذلك شاهدنا في الايام الاخيرة محاولات للتلاعب بالأمن عبر قطع الطرقات في العديد من المناطق وتوجت مساء الاثنين بالاعتداء على الجيش في طرابلس وما ترافق معها من تحريض طائفي واعتداءات على المصارف(في خطوة مشبوهة للقول ان هذه المنظومة مستهدفة) وغيرها من الممارسات الواضحة الابعاد والتي تزامنت مع حملات سياسية واعلامية تحذر من المساس بحاكم مصرف لبنان او اقالته وان ذلك سينعكس سلبا على لبنان، تارة من بوابة التهديد بالغضب الاميركي وطورا التهديد بالارتفاع الجنوني لسعر الدولار، وصولا لخروج بعض الخطابات الطائفية لبعض رجال الدين المدافعين عن بعض رموز الفساد في صورة من بوابة الحرص على لبنان والدولة فيه.

 

فهل كل ذلك سيؤدي بحكومة حسان دياب الى التراجع عن المواجهة ومكافحة الفساد؟ هل رسائل المنظومة المالية السياسية الفاسدة وصلت للدولة ولكل من يريد الاصلاح في لبنان؟ ام ان إرادة الاصلاح والتغيير أقوى وستنجح في زعزعة المنظومة الهادفة للتلاعب باقتصاد لبنان ولقمة عيش اللبنانيين؟

 

الاكيد ان مواجهة منظومة فاسدة ضاربة لسنوات في مختلف مفاصل الدولة ليس بالأمر السهل، انما هذا الامر لا يجب ان يكون دافعا للتراخي والاستسلام امام الفساد والفاسدين بل يجب ان يشكل محفزا لمزيد من التحرك واتخاذ الخطوات القانونية المناسبة لضرب الفساد واستئصاله واعادة بناء دولة القانون والمؤسسات.

 

وهنا تجدر الاشارة لما قاله الرئيس دياب بُعيد جلسة الحكومة يوم الثلاثاء 28-4-2020 حيث أكد ان "الحكومة ماضية في تلبية مطالب اللبنانيين بمكافحة الفساد، ولن يردعها شيء عن الاستمرار في مواجهة هذا التحدي"، في إشارة واضحة ان كل ما تفعله أدوات المنظومة من تلاعب بالامن على أشكاله وتهويل بالويل والثبور وعظائم الامور لن ينفع في إخافة الحكومة ورئيسها وكل الجهات المناهضة للفساد في لبنان.

النهضة نيوز - بيروت