تحاول دولة الاحتلال الاسرائيلي اللعب في الوقت الذي يبدو ضائعاً من ما تبقى في ولاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فنتياهو يسابق الزمن في تثبيت مزيداً من الوقائع التي يأمل أن تصبح شيئاً من الماضي الذي لا يمكن العدول عنه، مثل حادثة نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، الذي أوضح جو بايدن وهو المرشح الديمقراطي المواجه لترامب في الجولة الانتخابية المقرة في نوفمبر المقبل، أنه ومع اعتراضه على خطوة نقل السفارة، لن يعمل على إعادة الوضع كما كان، لأن إعادتها إلى تل أبيب لن تكون خطوة ذات معنى، لكن ثمة تفاعلات داخلية في الولايات المتحدة الأمريكية يبدو أنها تلعب لمصلحة دولة الإحتلال، إذ أن تدهور شعبية ترامب، جعله يراهن في نجاحه في الانتخابات المقبلة، على كتلة جامدة من الناخبين، الذين ستمثل ضم الضفة "قرباناً" لشراء ولاءهم.
صحيفة هآرتس العبرية، أفردت مساحة تحليلية واسعة للحديث عن موقف الرئيس الأمريكي من ضم أراضي الضفة الغربية، رأت ان ترامب لن يسمح لنتياهو بضم الضفة، بل سيجبره على ذلك.
تقول الصحيفة في تحليلها، أنه خلال الانتخابات الاسرائيلية التي حدثت في شهر أبريل من العام الماضي، حصلت الأحزاب الرئيسية اليمينية التي تميل إلى الليكود ، بما في ذلك تلك الأحزاب التي لم تتخط العتبة الانتخابية حتى ، على ما مجموعه 9.66% من الأصوات . و خلال انتخابات شهر سبتمبر حصلت على ما مجموعه 7.75% ، و في انتخابات شهر مارس الماضي الأخيرة حصلت على ما مجموعه 5.66% من الأصوات فقط . ففي غضون عام فقط ، فقدت تلك الأحزاب التي تمثل اليمين الإسرائيلي المتدين أكثر من 40% من دعمها في المجتمع الإسرائيلي .
وتابعت الصحيفة العبرية موضحة أسباب انهيار الاحزاب اليمينية بالقول: "إنه وعلى الرغم من أنه هناك العديد من الأسباب الشخصية و التنظيمية و التخمينية للانهيار الدرامي لهذه الأحزاب اليمينية، و التي تهدف إلى تمثيل مصالح المستوطنين اليهود بشكل خاص و الإسرائيليين المتدينين الصهاينة بشكل عام ، لكن العامل الرئيسي بسيط للغاية ، و هو أنه لم تعد هناك حاجة إليها بعد الآن" .
وأضافت أنه بخلاف رعاية التمويل المناسب لشبكة المدارس الدينية الصهيونية ، فقدت هذه الأحزاب التي تدور في مدار حزب الليكود فائدتها المرجوة منها ، حيث أن اتفاق التحالف الذي تم بين بنيامين نتنياهو و منافسه بيني غانتس يسلط الضوء على المركزية التي وضعا نفسيهما فيها في فضاء السياسة الإسرائيلية .
لم يقتنع المتبصرين و الخبراء من الجناح اليميني بالأمر وحسب ، و لا يمثل نتنياهو حزب الليكود الذي يقوده مصالحهما فقط ، بل و يتمتع هذا الحزب بدعم قوي و غير مشروط من قبل المستوطنين اليهود المتدينين و القوميين ، و هم الأكثر قوة و تأثيرا ، ما تسبب في تناقص شعبية الأحزاب الإسرائيلية اليمينية الدينية.
وترى هآرتس أن ما يقوي وضع الليكود بشكل خاص هم الإنجيليون المسيحيون في الولايات المتحدة الأمريكية؛ فعندما يكون اللوبي الخاص بك أساسا محوريا و أساسيا للسلطة و الدعم بالنسبة لرئيس الولايات المتحدة ، قد تبدو الدعامات الدينية الصهيونية مثل نفتالي بينيت و عيليت شاكيد ، و التي تبدو يائسة في الوقت الراهن لتأمين مكان لها في حكومة نتنياهو الجديدة، مثيرة للشفقة لأبعد حد .
تتابع الصحيفة بالقول، أنه وكما أن من الصعب المبالغة في مدى و درجة اعتماد ترامب على الناخبين الإنجيليين ، لكن الحقيقة أنهم أساس قاعدته الشعبية؛ حيث يعرف ربع الناخبين الأمريكيين أنفسهم بأنهم من الإنجيليين البيض الذين أعطوا ترامب ميزة هائلة بنسبة 19% إلى 79 % ضد هيلاري كلينتون في عام 2016 ، و يبدو أنهم سيتبعون نفس النهج لمنحه دفعة مماثلة في عام 2020 . ففي استطلاع الرأي الذي أجرته مؤسسة PEW للأبحاث في فبراير ، عشية تفشي الفيروس التاجي ، قال 81 % من الإنجيليين أن ترامب يحارب من أجل قضيتهم ، و قال 76% منهم أنهم يتفقون معه في معظم القضايا ، في حين قال 69% منهم أنهم يصدقونه و يدعمونه .
تتابع الصحيفة، أن سوء إدارة ترامب الواضح خلال أزمة تفشي جائحة فيروس كورونا يجعل اعتماده على الإنجيليين أمرا أساسيا بلا شك ، فمن دون دعمهم الكامل و الحماسي ، لن يمتلك ترامب أي فرصة جيدة لكسب الدعم في بعض الولايات التي قد بدأ يفقدها بالفعل ، و التي مكنته في السابق من الفوز في انتخابات عام 2016 . كما يمكن أن يتعرض للخسارة في بعض الولايات التي كانت في السابق تعتبر معاقلا للحزب الجمهوري أيضا ، بما في ذلك نورث كارولينا و تكساس ، حيث يشكل الإنجيليون أكثر من ثلث الناخبين هناك؛ و لهذا ، هذا هو السبب في أن التفكير أو الأمل في أن يتصرف ترامب كرجل دولة مسؤول و يوقف حكومة نتنياهو الجديدة عن ضم غور الأردن و المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية أمر مثير للسخرية .
وتخلص الصحيفة إلى أن الاقتصاد الأمريكي المتدهور ، و استمرار تفشي الوباء الفيروسي و موت عشرات الآلاف من الأمريكيين ، و إلقاء الجميع باللوم على سوء ادارة ترامب للأزمات في جميع هذه الكوارث المتلاحقة ، كل ذلك، وفق هآرتس، تحشر ترامب في الزاوية و ظهره إلى الحائط ، خاصة مع ظهور استطلاعات الرأي التي تشير إلى السقوط الحر في شعبيته بين الشعب الأمريكي؛ و لهذا ، فقد بدأ زملائه في الحزب الجمهوري في التعبير عن مخاوفهم بشأن خسارة مجلس الشيوخ ، و لكن لن يجرؤ ترامب على تخييب أمل جحافله الإنجيلية الموالية الذين يريدون الضم ، و هو ما سيسعى للحصول عليه و إن تعين عليه إجبار نتنياهو على القيام به .
كما ترى الصحيفة العبرية أن تهديد المقاومة الفلسطينية أو خطر الانفصال عن الأردن أو الاحتجاجات التي ستخرج من الدول الأوروبية أو حتى معاقبة (إسرائيل) من قبل الأمم المتحدة، كل ذلك لن يمنع قرار ترامب في هذا الشأن ، فمثل هذه التفاهات ، و كذلك مستقبل عملية السلام و مصير الديمقراطية الإسرائيلية ، لم تستطع أن تقلل من اهتمامه ، حتى في أفضل الأيام .
ويرى كاتب التحليل وهو شيمي شاليف أن الشيء الوحيد الذي يهم ترامب هو ترامب، خاصة عندما يكون مصيره و إرثه معلقا عما سيحصل في انتخابات شهر نوفمبر القادم، و حتى إذا تم ردع نتنياهو و غانتس و زملائهم في اللحظة الأخيرة بسبب الضرر الذي لا يمكن إصلاحه و الذي هم على وشك إلحاق الأذى بأنفسه من خلاله ، فسيكون الأوان قد فات . فلا مجال للتراجع، و إذا ترددت (إسرائيل) ، سيضطر ترامب إلى إجبارها لضم الضفة الغربية و غور الأردن بالقوة ، و بدلا من الضغط على الفرامل ، كما فعل أسلافه ، سيضرب ترامب لضغط دواسة الوقود إلى آخر مدى يمكن أن يصل إليه لينقذ نفسه، وفق تعبير شاليف.
وتختم الصحيفة بالقول أن "نتنياهو الذي يدين بحياته لترامب ، ولن يجرؤ على إيقافه أو الاعتراض على قراراته . لكن بالنسبة للمستوطنين و داعي الاستقلالية و غيرهم من أعداء حل الدولتين ، فإن السؤال الواضح هو : في ظل وجود مثل هؤلاء الأصدقاء الداعمين ، من يحتاج للأحزاب اليمينية الصغيرة على كل حال؟".
النهضة نيوز - ترجمة خاصة