أصدر حاكم مصرف لبنان رياض سلامة 3 تعاميم يوم أمس تدلّ على عودة محرّكات العمل في المصرف المركزي، إلا انّ هذه التعاميم تحتوي في ظاهرها على عناوين براقة تظهر انها تصبّ لمصلحة المواطن "استعادة الأموال المحوّلة إلى الخارج"، ولكنها في مضمونها تعيد احياء المصارف وتعفيهم من التدقيق في حسابات أصحابهم كما أنها تبعد عنهم التهم بتغطية تهريب الأموال إلى الخارج.
كيف؟ تفصّل صحيفة الأخبار مضمون التعاميم وتوضّح غابتها وفق التالي:
التعميم الأساسي رقم 154، الموجّه للمصارف ولمفوضي المراقبة لدى المصارف، يحتوي على ماداتان تخالفان القرارر السابق للحاكم بإنشاء لجنة لإعادة هيكلة المصارف وهما الأولى والرابعة حيث تقول المادة الأولى انّ "على كلّ مصرف أن يقوم بعملية تقييم عادل لموجوداته ومطلوباته تُساعده على وضع الخطة المُشار إليها في المادة 11 من القرار الأساسي الرقم 6939 (يتعلق بالإطار التنظيمي لكفاية رساميل المصارف العاملة في لبنان)".
فيما تنص المادة الرابعة على أنه " على المصرف استناداً إلى الخطة التي يكون قد وضعها، وبنتيجة تقييم أوضاعه إفرادياً، أن يتقدّم من المجلس المركزي لمصرف لبنان للاستحصال على موافقته على إعادة تكوين رأسماله و/أو زيادته وفقاً للحاجة، وذلك خلال الفصل الأول من الـ2021".
وذُكر في المادة أنّه تُدرج كامل أسهم المصرف والتداول بها حصراً في البورصة في لبنان، "ويُمكن تحويل ثمن بيعها وثمن بيع سندات الدين الدائمة القابلة للتداول والاسترداد إلى الخارج إذا تمت عملية البيع بأموال جديدة"، تُعطى نسبة فوائد عليها أعلى من المعمول بها، وتُعطي حاملها أفضلية الاكتتاب بزيادة رأسماله.
وبالتالي هو يسمح لأصحاب هذه الأسهم بتحويلها الى الخارج وبالتالي ما يقوم به سلامة هو إعادة توزيع الثروة على كبار المودعين! أو كما وصفته الصحيفة "إعادة توزيع الثروة داخل نادي الثروات"!.
وتشير كاتبة المقال انه في "المادة الثانية من التعميم، "يحثّ" الحاكم المصارف على «حثّ» عملائها الذين حوّلوا ما يفوق مجموعة 500 ألف دولار أميركي، أو ما يوازيه بالعملات الأجنبية الأخرى إلى الخارج، «خلال الفترة من 1/7/2017 حتى تاريخ صدور القرار، على أن يودعوا في حساب خاص مُجمّد لمدة 5 سنوات مبلغاً يوازي 15% من القيمة المُحوّلة». وكـ«مكافأة» للمصارف التي تنجح في عملية الحثّ، "يُعفى المصرف المعني من إجراء توظيف إلزامي لدى مصرف لبنان بالعملات الأجنبية مقابل أي حساب خاص". وللمستوردين أيضاً حصّة في التعميم، «على المصارف حثّهم على أن يُحوّلوا من الخارج إلى حساب خاص مبلغاً يوازي 15% من قيمة الاعتمادات المستدينة المفتوحة في واحدة من السنوات 2017 و2018 و2019". ويُمكن للمصارف أن تدفع فوائد على "الحساب الخاص" من دون التقيّد بسقوف الفوائد المُحدّدة. يحصل الزبون من المصرف على تعهّد بأن يستعيد وديعته «مهما كانت الظروف» عند حلول أجلها، كما يقوم المصرف باستعمال «هذا النوع من الودائع لتسهيل العمليات الخارجية المُحفزة للاقتصاد الوطني»، من دون أن تُشرح النقطة الأخيرة. المادة الثالثة تنصّ على أنّ على كلّ مصرف «أن يكوّن حساباً خارجياً حرّاً من أي التزامات لدى مراسليه في الخارج لا يقل، في أي وقت، عن 3% من مجموع الودائع بالعملات الأجنبية لديه، كما هي في 31/7/2020".
وبناء على ما تقّدم نستنتج أن الحاكم يقول لمن اخرج أمواله الى الخارج بان يعيد 15% من نسبتها على ان تجمّد في المصارف وبالتالي من حوّل 500 ألف دولار لن يعيد سوى 75 ألف منها على أن يحصلون على فوائد مرتفعة جراء تجميد أموالهم بضمانة تسديدها "مهما كانت الظروف". كأنها مكافئة لمن هرّب أمواله الى الخارج! اما استخدام مصطلح "حث" يعني ان الموضوع غير جدي بحسب مصادر مطلعة في حديث لصحيفة الاخبار.
هذا وتبقى الفكرة بعيدة عن المنطق فمن قد يعبد ثقته بالنظام المصرفي اللبناني ويعيد أمواله الى المصارف بعد ان هربها الى الخارج؟
وللمفارقة، كانت قد أبلغت هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان القاضي غسان عويدات أنّها لا يُمكنها أن تكشف له عن هوية الذين حوّلوا أموالاً إلى الخارج، إذ لا تدور حولهم شبهات. ولكن في التعميم، يذكر سلامة أنّ هؤلاء، وفي حال تخلّفهم عن تطبيق ما سـ«تحثّهم» عليه المصارف، فسيُطبَّق بحقهم البندان 9 و21 من القانون 44 المتعلق بمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب. ألا يُفترض أن يمثل هؤلاء أمام القضاء إذاً عوض فتح حسابات خاصة لهم؟
يبقى الأهم في التعميم، بحسب الصحيفة "الذي لا يستفيد منه حساب الاحتياط ويسمح للمصارف بإعادة التحويل إلى الخارج من خلال «لغم» اسمه "عمليات خارجية مُحفزة للاقتصاد الوطني"، اعتراف رياض سلامة أخيراً بأنّ أزمة التحويلات بدأت في الـ2017 وليس في تشرين الأول 2019. حيث أنّ "الرجل يعترف بأنّه كان بإمكانه القيام بخطوات لتدارك استنزاف احتياطيات العملة الصعبة ومنع خروج الودائع، ولكنه انتظر ثلاث سنوات!"
أما التعميم الوسيط 567، يتحدّث فيه سلامة عن تكوين مؤونات على توظيفات المصارف في الديون السيادية: سندات الدين بالعملات الأجنبية (يوروبوندز)، سندات الدين بالليرة، وشهادات الإيداع. وطلب مؤونات بنسبة 45% على «اليوروبوندز»، بعد أن كانت خطة الحكومة تقترح نسبة تراوح بين 60% و75%. أما السندات بالليرة، فطلب سلامة مؤونات 0%، فيما كان المطروح 40%، سامحاً بإطفاء الخسائر تدريجياً خلال فترة 5 سنوات، قابلة للتجديد حتى 10 سنوات.
ورد في التعميم «عدم تخفيض تصنيف ديون العملاء المتأثرين سلباً نتيجة انتشار كورونا في حال حصول تأخر في تسديد ديونهم أو تجاوزهم لسقوف التسهيلات". والدافع بحسب مصادر مصرفية "إخفاء خسائر المصارف وعدم تسجيل القروض المتعثرة".
والنقطة الثالثة اللافتة في التعميم، هي إعطاء المصارف مُهلة إضافية في "زيادة أموالها الخاصة في مهلة حدها الأقصى 31 كانون الأول 2020 بنسبة 20%"، بعد أن انتهت المهلة في حزيران الماضي. و"يعود للمجلس المركزي استثنائياً الموافقة للمصرف المعني على تكوين 50% من أصل نسبة 20% عن طريق تقديم المساهمين لعقارات تنقل ملكيتها إلى المصرف على أن يتم تصفيتها في مهلة لا تتجاوز 5 سنوات". ٥٠٪ من أصل الـ٢٠٪ عن طريق تقديم المساهمين عقارات بدل الاكتتاب النقدي بالدولار.
وهو ما اوضحته المصادر المصرفية أنّ "الهدف تبدّل من ضخّ السيولة إلى تعظيم الأصول العقارية، واللافت أنّه يسمح للمصارف باحتساب إعادة تخمين موجوداتها العقارية كربح ضمن أموالها الخاصة، ما يعني الإيحاء زوراً بأنّها سجّلت أرباحاً، في حين أنّ واحدة من أزمات المصارف تحصل عندما تتحوّل إلى شركة عقارية".
التعميمان الوسيطان 568 و569 ، مُخالفان للمادة 192 من قانون النقد والتسليف بفرض عقوبات على كلّ من يرفض الاستيفاء بالليرة اللبنانية.
فمضمون التعميم الوسيط 568 يتعلق بقبول تسديد دفعات القروض المستحقة بالعملات الأجنبية الناتجة عن قروض التجزئة (سكنية وشخصية) بالليرة على أساس سعر 1507 ليرة، "شرط أن لا يكون العميل من غير المقيمين، وأن لا يكون له حساب بالعملة الأجنبية لدى المصرف يُمكن استعماله لتسديد الأقساط". وعلى المصارف "عدم قبول تسديد القروض الممنوحة بالعملات الأجنبية لغير المقيمين إلا من أموال جديدة مُحولة من الخارج". وتشرح الصحيفة أنه "لم تكتف المصارف بسرقة أموال هذا المُقيم في الخارج، الذي قد يكون مُغترباً عاملاً، ولكنّها تفرض عليه خلافاً لأي قانون إرسال أموال جديدة تستخدمها المصارف في إطفاء خسائرها."
أما التعميم الوسيط 569 المتعلق بـ"مساعدة" المتضررين من انفجار المرفأ، فيفرض على المُقترض "في حال تلقّي أي مساعدة أو هبة، تسديدها كلياً أو جزئياً لقاء القرض الاستثنائي" الذي سبق أن طلب سلامة من المصارف منحه للمتضرر. ويُمكن للمصارف والمؤسسات المالية "في حال طلب العميل، دفع هذه القروض لعملائها بالليرة وفقاً لسعر السوق المعتمد في المنصة لعمليات الصرافة، وذلك لمرة واحدة، وبحدّ أقصى لا يتجاوز مبلغ 15 ألف دولار أميركي".
ونسنتنج من هذا التعميم انّ المصارف ستستولي على الدولارات المحولة الى المتضرر من الخارج وستجبر من حصل عليها بارجاعها وفق سعر السوق وبالتالي سيتكبّد خسار نظرا للتفاوت بين سعر الدولار في لبنان في السوق السوداء (معدّل 7500 ليرة للدولار) وسعر المنصة (3900 ليرة للدولار).
النهضة نيوز