تحوَّلت «الخلايا الجذعية» إلى مُصطلحٍ شائع، يُمكنك أن تسمعه وسط المُحادثات التي تدور في أي مكان، بدايةً من مُباريات كرة السلة، وصولاً إلى حفلات تناول الكوكتيل. ولكن ما هي تلك الخلايا تحديداً؟
من السهل على المرء نسج بعض الأنباء التقنية السارة حول تلك الخلايا المجهرية بالغة الأهمية، إلى جانب عباراتٍ تقول إن «الخلايا الجذعية يُمكن أن تكون العلاج الذي يقضي على كافة الأمراض» أو تصفها بـ «أنها أمرٌ غير أخلاقي»، حسب موقع Live Science الأمريكي.
الخلايا الجذعية هي ماكينة التجديد
وتُعَدُّ الخلايا الجذعية بمثابة «مُحرِّكٍ» من الخلايا المُتجدِّدة، نتيجة قدرتها على التجدُّد والتضاعف واستنساخ نفسها. وتُستخدم تلك الخلايا المُميزة في مجال الطب التجديدي الذي يتنامى سريعاً، بهدف وقف أو عكس مسار الأمراض المُزمنة.
ويسعى الطب التجديدي إلى إصلاح أو استبدال الأنسجة أو الأعضاء التي دمَّرتها الصدمات أو الأمراض أو العيوب الخلقية، بحسب معهد ماكغوان للطب التجديدي في جامعة بيتسبرغ.
أنواع الخلايا الجذعية
وهناك ثلاثة أنواعٍ من الخلايا الجذعية: الخلايا الجذعية الجنينية، وخلايا الدم الجذعية بالحبل السُّري، والخلايا الجذعية البالغة.
وتُعتبر الخلايا الجذعية الجنينية من المركبات البيولوجية وافرة القدرة، مما يعني أنها قادرةٌ على توليد كافة أنواع الخلايا التي تُكوِّن جسم الإنسان.
في حين تتسم الخلايا الجذعية البالغة وخلايا الدم الجذعية بالحبل السُّري بأنها من المركبات البيولوجية مُتعدِّدة القدرات، مما يعني أنها تستطيع تكوين عدة أنواعٍ مُتخصصة من الخلايا، لكنها أكثر محدوديةً في قدرتها من الخلايا الجذعية وافرة القدرة، بحسب مشروع علوم الخلايا الجذعية بولاية نيويورك (NYSTEM).
وتُستخدم خلايا الدم الجذعية بالحبل السُّري والخلايا البالغة فقط في عمليات الطب التجديدي داخل الولايات المتحدة.
ولا تُستخدم الخلايا الجذعية الجنينية في الممارسات السريرية لأسبابٍ تتعلَّق بالجدل الأخلاقي، ولكن يُمكن استخدامها في الأغراض البحثية.
الخلايا الجذعية البالغة
يُمكن الحصول على الخلايا الجذعية البالغة من النخاع العظمي أو الدم أو الدهون، ولا يُسبِّب استخدامها جدلاً أخلاقياً، لكن إمكاناتها تظل محدودة. إذ تفقد الخلايا الجذعية قُدراتها الوظيفية مع تقدُّمنا في العمر، وتقل أعدادها كثيراً أيضاً.
ويُقدِّر الباحثون بأن الأطفال حديثي الولادة يمتلكون خلايا جذعية داخل نخاعهم العظمي أكثر بـ40 مرةً من نظيرتها لدى شخصٍ في الـ50 من عُمره، بحسب دراسةٍ نشرتها دورية Journal of Pathology الطبية عام 2009.
فضلاً عن أن الخلايا الجذعية البالغة تكون أكثر عرضة لتشوُّهات الحمض النووي (DNA) الناجمة عن التعرُّض لأشعة الشمس والسموم والأخطاء المُتعلقة باستنساخ الحمض النووي أكثر من مرة على مدار العمر، بحسب وكالة المعاهد الصحية الوطنية الأمريكية.
خلايا الدم الجذعية بالحبل السُّري
يُمكن استخلاص هذه الخلايا الجذعية من الحبل السُّري بعد ولادة الطفل بتصريحٍ من الأم.
ويُمكن التبرُّع بهذه الأنسجة -التي يتم التخلُّص منها عادةً- للأغراض العلمية من أجل استخدامها في الأبحاث أو الطب، أو إيداعها في بنك دم الحبل السُّري تحسُّباً لأن تحتاجها الأم أو طفلها يوماً من الأيام.
وتُعَدُّ خلايا الدم الجذعية بالحبل السُّري أكثر فاعليةً في التضاعف بمُجرَّد إزالتها من الجسد، مُقارنةً بالخلايا الجذعية البالغة.
على سبيل المثال، حين تُوضع الخلايا الجذعية مع العناصر الغذائية المُلائمة داخل طبقٍ بتري (وعاء مُسطَّح دائري لزراعة الخلايا)؛ تتضاعف خليةٌ واحدةٌ من خلايا الدم الجذعية بالحبل السُّري إلى مليار خلية في غضون ثلاثين يوماً، بينما تتضاعف الخلية الجذعية البالغة الواحدة منها إلى 200 خلية فقط في نفس الفترة، وذلك وفقاً لدراسةٍ نشرتها دورية Orthopedics الطبية عام 2011.
وذكرت الجمعية الطبية الأمريكية أن الأطباء يستخدمون خلايا الدم الجذعية بالحبل السُّري في علاج حالات الأمراض المناعية الذاتية، مثل: الذئبة الحماميةوالتهاب المفاصل الروماتويدي والتصلُّب المُتعدِّد، بالإضافة إلى أمراض العدوى المُزمنة، مثل: فيروس العوز المناعي البشري (HIV) وفيروس الهربس البسيط وداء لايم.
الخلايا الجذعية الجنينية
تُعتبر الخلايا الجذعية الجنينية أكثر الخلايا الجذعية الواعدة في مجال علاج الأمراض، لكنها أثارت جدلاً ساخناً حول مدى أخلاقية استخدامها.
وتُشتق الخلايا الجذعية الجنينية البشرية من البيض المُخصَّب داخل المختبر (خارج جسم الإنسان)، وتكون بدائيةً إلى حد ما.
وتتميَّز هذه الخلايا الجذعية وافرة القدرة بمرونتها التي تُمكِّنها من التحوُّل إلى أي نوعٍ من أنواع الخلايا البشرية.
وتنمو الخلايا الجذعية الجنينية داخل المختبر وسط ظروفٍ مضبوطة على مدار بضعة أشهر، وتظل تلك الخلايا غير مُتخصصة وتُنتج ملايين الخلايا الجذعية إلى أجلٍ غير مُسمى.
ويُطلق على المزرعة الخلوية الناتجة اسم: خط الخلايا الجذعية.
وأشارت وكالة المعاهد الصحية الوطنية الأمريكية إلى وجود 64 خط خلايا جذعية جنينية في أغسطس/آب عام 2001، حين أعلن الرئيس بوش (الابن) عن السياسة الفيدرالية التي تُحدِّد القيود المفروضة على التمويل الفيدرالي لأبحاث الخلايا الجذعية.
لكن الرئيس أوباما ألغى القيود التي فرضها بوش (الابن) على أبحاث الخلايا الجذعية الجنينية رسمياً في مارس/آذار عام 2009.
ورغم الاعتراضات التي قُوبِل بها القرار؛ لكن تلك السياسة لا تزال ساريةً مع ضوابط صارمة وضعتها وكالة المعاهد الصحية الوطنية الأمريكية.
الخلايا الجذعية المُستحثَّة وافرة القدرة
يستطيع العلماء الآن برمجة الخلايا الجذعية البالغة لتُصبح أشبه بالخلايا الجذعية الجنينية. ويُعرف هذا النوع من الخلايا باسم: الخلايا الجذعية المُستحثَّة وافرة القدرة (iPSCs).
لكن الخلايا الجذعية المُستحثَّة وافرة القدرة تحمل مخاطر حدوث تشوُّهٍ في الحمض النووي، لأنها مُجرَّد خلايا جذعية بالغة في الأصل. ولا نزال بحاجةٍ إلى إجراء المزيد من الأبحاث على الخلايا الجذعية المُستحثَّة وافرة القدرة، لكن العلماء يتطلَّعون إلى استخدامها في طب زراعة الأعضاء، بحسب وكالة المعاهد الصحية الوطنية الأمريكية.