تحتوي جميع الأدوية على نوع معين من المخاطر والآثار الجانبية المصاحبة لتناولها. وتتراوح هذه الآثار ما بين الطفيفة إلى الحساسية القاتلة، حيث لا ينبغي تعاطي الدواء إلا بعد موازنة الفوائد المتوقعة مع المخاطر المعروفة. هذه المهمة لا تقع على عاتقك وحدك بل، طبيبك أيضاً، والصيدلي ، وكل ما من شأنه أن يفيدك في تناول دواء ما من عدمه.
صدرت أبحاث كثيرة، حول التحذيرات بشأن الأثار الجانبية للأدوية، التي أحياناً، قد تكون قاتلةً، كما حصل في الآونة الأخيرة، في دواء النقرس، الذي زادت التحذيرات حوله بسبب زيادة خطر الوفاة بسبب تعاطيه .
الدراسة جديدة، تشير إلى أن الترامادول، الذي يعد أحد أنواع مسكنات الألم التي لا تصرف إلا بوصفة طبية، قد يحصل على تحذير مماثل .
- الترامادول عقار فريد من نوعه
عندما تمت الموافقة عليه لأول مرة في عام 1995م ، لم يُعتبر الترامادول مادة أفيونية مثل "المورفين أو كسيكودون" على الرغم من أنه يؤثر بطرق مماثلة لهما على الإنسان. ومع ذلك، بسبب وجود حالات من سوء الاستخدام والإدمان، تغير التفكير وكثرت التحذيرات منه مؤخراً.
ففي عام 2014، صنفت إدارة الأغذية والعقاقير الأمريكية مسكن الترامادول كمادة خاضعة للرقابة. هذا يعني أنه على الرغم من أنه قد يكون مقبولاً ومسموح استخدامه في الرعاية الطبية، إلا أنه ينطوي أيضاً على احتمال التعرض لسوء الاستخدام أو الإدمان و بالتالي فهو يجب أن يخضع لقيود أكثر صرامة.
على سبيل المثال، لا يمكن للطبيب أن يصف إلا خمسة أشرطة كحد أقصى، ويجب أن يحضر المريض وصفةً طبية جديدة كل ستة أشهر.
بالمقارنة مع غيره من المواد الخاضعة للرقابة، الترامادول هو في النهاية أكثر أماناً من المخدرات الأخرى. فـ"الهيروين" على سبيل المثال: هو دواء مدرج في الجدول الأول، الذي يشمل العقاقير والمخدرات التي تحمل احتمالية إساءة استعمال عالية وعدم استخدام طبي مقبول. بينما عقار الـ"أوكسيكونتين" هوأحد أدوية الجدول الثاني، حيث يحتوي على إمكانات عالية للإساءة الاستخدام، و لكن له استخدام طبي مقبول.
بينما يصنف عقار الترامادول عقاراً مدرجاً في الجدول الرابع، ويُعد مفيداً كمسكن للألم وله إمكانية منخفضة في إساءة الاستخدام .
على الرغم من هذه المخاوف، فإن الترامادول هو واحد من العديد من العلاجات الشائعة الموصى بها لتسكين آلام مرضى هشاشة العظام وغيرها من الحالات المؤلمة. فالعديد من الجمعيات المهنية، بما في ذلك الأكاديمية الأمريكية لجراحي العظام، تدرجه في اساسيات قوائمها ووصفاتها الطبية التوجيهية كدواء موصى به لالتهاب المفاصل العظمي.
- بحث جديد عن الترامادول
قام الباحثون الذين ينشرون في مجلة ""JAMA الطبية بفحص خطر الوفاة بين قرابة 90.000 شخص بعد عام من تناول الجرعة الأولى للترامادول أو واحد من عدة مسكنات أخرى موصى بها بشكل شائع، مثل "النابروكسين" و مشتقاته أو "الكودايين".
حيث كان يبلغ جميع المشاركين على الأقل 50 عاماً ، ومصابين بالتهاب المفاصل وهشاشة العظام .
في نهاية البحث، وجد الباحثون أن أولئك الذين تعاطوا الترامادول، كان لديهم نسبةً أعلى للتعرض للوفاة، أكثر من الآخرين الذين تعاطوا مسكناتٍ أخرى. فمثلاً :
- توفي 2.2 ٪ من متعاطي الترامادول مقابل 1.3 ٪ من متعاطي النابروكسين
- توفي 3.5 ٪ من متعاطي الترامادول مقابل 1.8 ٪ من متعاطي ديكلوفيناك
- توفي 2.5٪ من متعاطي الترامادول مقابل 1.2٪ من متعاطي etoricoxi.
في الوقت نفسه، كان الأشخاص الذين عولجوا وتعاطوا "الكودايين" يواجهون خطراً مماثلاً للموت بالنسبة للأشخاص الذين عولجوا و تعاطوا الترامادول.
ومع ذلك، نظراً لآلية تصميم الدراسة، لم يتمكن الباحثون من تحديد ما إذا كانت المعالجة وتعاطي الترامادول تسبب بالفعل في ارتفاع معدلات الوفاة. ففي الواقع، يمكن للمرضى الذين وصف لهم الترامادول أن يجعلوا الأمر يبدو أكثر خطورة مما هوعليه بالفعل.
- الارباك
قد تستخلص الدراسات البحثية الطبية استنتاجاتٍ خاطئة بسبب عدة أسباب. فربما كان عدد المشاركين في الدراسة غير كافي للعثور على اختلافات ذات مغزى. وربما كانت جرعة العلاج عاليةً جداً أومنخفضةً جداً. ولكن هناك مصدر رئيسي للخطأ في الدراسات يسمى "الإرباك" .
وهذا يعني أن هناك عاملاً خارجياً أو غير متوقع، غير العامل الذي يتم فحصه بالفعل، والذي قد أدى إلى النتائج المرصودة التي توصلت إليها الدراسة. فعلى سبيل المثال، دعنا نقول: "أنه يتم مقارنة مجموعتين لخطرالإصابة بنوبة قلبية، وأن المجموعة ذات المخاطر العالية تتمتع بنظام غذائي غير صحي. هنا، قد يستنتج المرء أن الخيارات الغذائية أدت إلى ضعف صحة القلب، ولكن ماذا لو كان أولئك الذين يتناولون النظام الغذائي غير الصحي يدخنون أيضاً أكثرمن الذين يتناولون الأطعمة الصحية؟، فالتدخين يمكن أن يكون العامل الحقيقي. وهو العامل الذي يجب أن يؤخذ في عين الاعتبار لإعطاء البحث مصداقية ونتائج ذات فاعلية حقيقة .
- كيف يمكن أن يؤثر الإرباك على نتائج الدراسة ؟
مع هذه الدراسة الجديدة للترامادول، فإن الإرباك هو مصدر قلق حقيقي. فعلى سبيل المثال: بالنسبة لشخص مصاب بمرض كلوي والتهاب المفاصل معاً، قد يصف الأطباء الترامادول بدلاً من "النابروكسين"، لأن "النابروكسين" قد يفاقم آلام ومشاكل مرض الكلى. ومع ذلك، يمكن أن تزيد أمراض الكلى من خطر حدوث مشاكل صحية أخرى، بما في ذلك ارتفاع معدل الوفيات، والتي يمكن أن تُعزى بعد ذلك إلى الترامادول.
بعبارة أخرى: إن السبب الذي يجعل طبيبك يختار الترامادول قد يجعل هذا الدواء يبدو أكثر خطورة مما هو عليه بالفعل.
حيث يعترف القائمين على الدراسة بهذا الاحتمال، واتخذوا تدابيراً للحد منه. ففي الواقع، تحاول العديد من الدراسات تجنب هذه الأنواع من الأخطاء، لكن من المستحيل تجنبها تماماً كونها شيئاً شائعاً ومعروفاً في هذا المجال .
- الخط الفاصل
إذا كنت تتعاطى مسكن الترامادول، تحدث إلى طبيبك حول هذه الدراسة. فعلى الرغم من أن ارتفاع معدلات الوفيات بين مستخدمي الترامادول مثيرٌ للقلق، إلا أنه ليس واضحاً بعد أن الترامادول هو السبب الفعلي لارتفاع معدلات الوفاة بين متعاطيه. وسنحتاج إلى مزيد من الأبحاث لتأكيد النتائج أو دحضها. فإذا زاد الترامادول من خطر الوفاة، فنحن نريد أن نفهم لماذا، وماذا نفعل حيال ذلك. فعلى سبيل المثال: هل هو خطر يمكن تجنبه بسهولة، مثل التفاعل مع الأدوية الأخرى؟.
يمكن أن تساعد الأبحاث الإضافية في تثقيف الأطباء والمرضى حول جميع المخاطر المحتملة لعقار الترامادول المسكن للألم.