أخبار

كاتب أمريكي: واشنطن تصنع نكبة ثانية للشعب الفلسطيني

11 كانون الأول 2019 13:37

كتب مؤسس ورئيس المعهد العربي الأميركي جيمس زغبي، والذي ينشط أيضاً كمحلل سياسي وباحث في شؤون الشرق الاوسط، مقالة بعنوان "النكبة الثانية تحت الصنع" استعرض فيها سياسة واشنطن العدائية تجاه الشعب الفلسطيني

كتب مؤسس ورئيس المعهد العربي الأميركي جيمس زغبي، والذي ينشط أيضاً كمحلل سياسي وباحث في شؤون الشرق الاوسط، مقالة بعنوان "النكبة الثانية تحت الصنع" استعرض فيها سياسة واشنطن العدائية تجاه الشعب الفلسطيني، وكيف تحضر واشنطن  عبر هذه السياسة، نكبة ثانية للقضية الفلسطينية.

افتتح زغبي مقاله بالقول: "قبل عامين، اعترف الرئيس دونالد ترامب رسمياً بالقدس عاصمةً لإسرائيل، وقد أدركنا حينها أن هذا كان عملاً غير مسؤولٍ وقاسٍ وغير حساس من شأنه إلحاق ضررٍ جسيم بحقوق الفلسطينيين ومستقبلهم، ووضع حدٍ لأي ادعاءٍ أمريكي أو عربي بأن الولايات المتحدة يمكن أن تساعد في التفاوض على إنهاء النزاع الإسرائيلي الفلسطيني أو إيجاد حل أو خارطة طريق ممكنة لعملية السلام في الشرق الأوسط".

وأضاف: "ما لم نعرفه هو أن هذه الخطوة الخطيرة كانت مجرد بدايةٍ لسلسلة الأضرار الدائمة التي سيسببها ترامب للحقوق الفلسطينية وآفاق عملية السلام". مشيراً إلى أنه: " خلال العامين الماضيين، أغلقت إدارة ترامب القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية ، كما قامت بإغلاق المكتب القنصلي الفلسطيني في العاصمة الأمريكية واشنطن ومكتب منظمة التحرير الفلسطينية، ثم قامت بتعليق المساعدات للفلسطينيين ووقف دعم المنظمات الأمريكية غير الحكومية العاملة في الضفة الغربية وقطاع غزة، ثم تلا الأمر رفض تمويل الأونروا، وكالة الأمم المتحدة التي تقدم الخدمات الأساسية للاجئين الفلسطينيين، ثم حذف مصطلح " الأراضي المحتلة " من جميع المنشورات والبيانات الرسمية المتعلقة بالأراضي الفلسطينية المحتلة".

ومؤخراً، أعلن ترامب أن الولايات المتحدة الأمريكية، لم تعد تصنف المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية أنها "غير شرعية"، بل وذهب بعيداً بإنكاره بأن الفلسطينيين لا يجب أن يصنفوا كلاجئين بعد الآن ويجب توطينهم في محل إقامتهم .

يلفت زغبي إلى أنه: " بينما كل قرارٍ من قراراته تلك تعتبر مشكلةً قائمة بحد ذاتها، إلا أنه يضاف إلى كل ذلك أن الخسائر التي قد يتعرض لها الشعب الفلسطيني يمكن أن تكون في النهاية مدمرةً وغير قابلة للإصلاح، تماماً كما حصل في عام مثل 1948 عندما تم تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه، وما سمي بالنكبة. مما يثير نذير شؤمٍ بأن كل تلك القرارات المجحفة الساعية للقضاء على القضية الفلسطينية وقضية اللاجئين قد تؤدي بالشعب الفلسطيني لنكبةٍ ثانية".

ففي غضون فترةٍ قصيرة لم تتجاوز العامين، حاول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وإدارته إحباط وإفشال جميع المكاسب التي حققها الفلسطينيون خلال العقود السبعة الماضية . ولأن الولايات المتحدة قامت بإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية وأنكرت أن اللاجئين الفلسطينيين هم في الواقع لاجئون وبالتالي جزءٌ لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني  فإن الولايات المتحدة تقول بأنها لم تعد ترى الفلسطينيين كمجتمع وطني يستحق الاعتراف به، ولا يستحق الحق في تقرير المصير.

وتابع: " ولأن الولايات المتحدة سبق أن حققت مراراً وتكراراً كل نزوةٍ إسرائيلية، فيما يتعلق بالقدس واللاجئين والمستوطنات، فقد تركت الفلسطينيين عرضةً بشكلٍ خاص بين كماشة الإجراءات الإسرائيلية المتطرفة والمتشددة، والتي شملت الضم، والاستيلاء على الأراضي والبيوت على نطاق واسع، وحتى الطرد الكامل من الأرضي المحتلة".

الإدارة الأمريكية دائماً ما تباهت باحتقارها لسيادة القانون و معايير المجتمع الدولي، فقد أوجدت عالماً أكثر خطورةً وهشاشة يمكن أن تتصرف فيه أي قوة إقليمية تدعمها الولايات المتحدة كما يحلو لها دون عقاب، ودون أن تخشى أن تعاني من تداعيات أو ردود أفعالها على الإطلاق، تماماً كما تفعل إسرائيل التي تحصل على الدعم الأمريكي غير المشروط .

أتساءل في بعض الأحيان، يكتب زغبي:" إذا كان هذا هو ما يفترض أن تبدو عليه "صفقة القرن "، فربما، كان القصد منها طوال الوقت أن يكون مجمل ما قاموا به خلال العامين الماضيين، يهدف إلى إنشاء نظامٍ عدمي يكون فيه الإسرائيليون أحراراً في التصرف بأكثر تخيلاتهم تطرفاً بينما يضطر الفلسطينيون المستضعفون إلى العيش والتعايش في عالمٍ خياليٍ من الديستوبيا الإسرائيلية العنصرية، دون أن يتمتعوا بأي حقوقٍ أو يجدون أي جهة يلجؤون إليها لإنصافهم . و لهذا السبب أقترح أن التأثير التراكمي لما فعله ترامب خلق الظروف لنكبةٍ ثانية هي في طريقها للشعب الفلسطيني".

إذن كيف يمكن مواجهة  هذه القرارات الأمريكية؟ يجيب زغبي أنه: "هناك طرقٌ مفتوحةٌ أمامنا لتجنب مثل هذه الكارثة الإنسانية و التاريخية بحق شعبنا . ففي حين أن الولايات المتحدة خلقت هذه الفوضى من تلقاء نفسها، فقد رفضت الدول العربية والأغلبية الساحقة من دول العالم كل تحركاتها و قراراتها الغير شرعية ".

فعلى سبيل المثال، لم يكن هناك سوى القليل من الدول ذات التبعية الأمريكية البسيطة التي فكرت في الانضمام إلى الولايات المتحدة في نقل سفاراتها إلى القدس، وخلال الشهر الماضي، أكدت الأمم المتحدة مجدداً دعمها للأونروا بتصويتٍ ضم 170 صوتاً مقابل صوتين معارضين، وهما الولايات المتحدة الأمريكية و إسرائيل . ثم كانت هناك حالة استنكارٍ عامة من جانب الدول العربية والأوروبيين حول الموقف الأمريكي الجديد من المستوطنات الإسرائيلية .

المشكلة أنه في حين أصبحت إدارة ترامب معزولةً سياسياً بشكلٍ متزايد بسبب سلوكها المتهور، إلا أنها لم تواجه تحدياً فعالاً أو فعلاً رادعاً لها. حسبما يقول زغبي، إذ أن تغيير دوامة الهبوط الحالية التي تتكشف في الساحة الإسرائيلية-الفلسطينية يتطلب مواجهةً جريئة في وجه الولايات المتحدة وإسرائيل .

ينوه زغبي إلى أنه، لن تكفي البيانات أو القرارات لأنها تُرفض وتُهمل بشكل روتيني. المطلوب هو أن تقول الدول الأخرى بكل صراحة "أن هذا يكفي"، وأن تخبر الولايات المتحدة أن أيام هيمنتها على "عملية السلام" قد انتهت . ويجب عليها أيضاً مواجهة إسرائيل و إجبارها على دفع ثمن سلوكها الخارج عن القانون والانتهاكات المنهجية الصارخة لحقوق الإنسان الفلسطينية.

 

يوضح زغبي: "سيكون الرد الفلسطيني الموحد الذي يستخدم حملة المقاومة السلمية أمراً مهماً أيضاً، ولكني أتردد في التركيز على هذا العامل لسببين أساسيين هما: أولاً: لا ينبغي أن يقع عبء القيام بالأعباء الثقيلة على أضعف طرفٍ في النزاع، وحتى لو ثار الفلسطينيون، كما فعلوا من قبل، ما لم تكن دول العالم على استعدادٍ لتحدي كل من الولايات المتحدة وإسرائيل، فإن مقاومتهم ستنتهي بنهايةٍ دموية في أول مواجهة أو قمع إسرائيلي أو أمريكي لهم.

الوقت يداهمنا يقول زغبي خاتماً المقال: "فإذا لم يتم اتخاذ إجراءٍ فعليٍ لكبح جماح الولايات المتحدة وإسرائيل قريباً، فقد نرى نكبةً ثانية، والتي قد تكون أكثر كارثيةً وتدميراً على الشعب الفلسطيني. وفي حالة حدوث ذلك، فإن مسؤولية هذه المأساة لن تقع على كاهل الإسرائيليين الذين ينفذونها وعلى كاهل الولايات المتحدة التي ساعدتهم وحرضتهم فحسب، بل ستقع على كاهل جميع دول العالم التي فشلت في التحرك في الوقت المناسب لمنع حدوث هذه المأساة وبقيت متفرجةً على الحياد.