الرأي

بنزين "آية الله" في البحر الكاريبي .. إيران تسدد لكمتها في "الحديقة الخلفية لأمريكا"

يوسف فارس

27 أيار 2020 20:33

يقف العالم مشدوها أمام مشهدية عبور ناقلات النفط التي ترفع العلم الإيراني من البحر الكاريبي إلى حديقة الولايات المتحدة الخلفية حيث تواصل الجمهورية الإسلامية في إيران وفنزويلا تحدي الإدارة الأمريكي


يقف العالم مشدوهاَ أمام مشهدية عبور ناقلات النفط التي ترفع العلم الإيراني من البحر الكاريبي إلى حديقة الولايات المتحدة الخلفية،  حيث تواصل الجمهورية الإسلامية في إيران وفنزويلا تحدي الإدارة الأمريكية، عبر كسر الحصار المضروب على الدولتين، فالبلاد المتعطشة للبنزين بعد العقم الذي أصاب مصافيها نتيجة هجرها الطويل في خضم الخلافات السياسية التي عاشتها على مدار سنوات، والتي افضت بعد تشديد العقوبات الأمريكية إلى انسحاب شركة الطاقة الروسية العملاقة " روسنفت" من البلاد، كانت معرضة من خلال سياسية "الضغط القصوى" التي ينتهجها ترامب، للسقوط، إذا ما استمرت أزمة الوقود مدة أطول، وفي ذلك، مكسب بائن سيحظى به ترامب، خصوصاً انه حاول اسقاط الرئيس مادورو، بكل السبل التقليدية، من دعم معارضيه اليمينيين، إلى محاولة اغتياله الفاشلة، وصولاً إلى سياسية الحصار التي اثبتت نجاحها في نماذج مشابهة.

202052122023515637256952235151760.jpg
 

وبينما تبحر ناقلة النفط الإيرانية الثالثة في طريقها إلى فنزويلا، يزداد الغضب الأمريكي الذي لم يبدِ أي ردود فعل عملية، وسط احتفاء الدولتين بتدشين مرحلة جديدة من العلاقات الاقتصادية التي ستتجاوز القيود الأمريكية.

العزم الإيراني في تخطي القرارات الأمريكية دفع الرئيس الفنزويلي  مادورو للتفاؤل قائلاً: "الآن سيكون بوسعنا الدخول تدريجيا في وضع طبيعي جديد فيما يتعلق بإمدادات الوقود".

فيما قال مسؤول أميركي هذا الشهر إن إدارة الرئيس دونالد ترامب تدرس الرد على هذه الشحنات، مما دفع الحكومة الإيرانية لتحذير واشنطن من أي عمل عسكري.

أزمة الرد وتداعيات الصمت

وقعت الادارة الأمريكية الهوجاء في معادلة قاسية، فلا هي قادرة على الفعل العسكري الذي يمكن أن يعرقل ابحار ناقلات النفط إلى فنزويلا، ولا هي تقبل على غرورها الصمت، امام هذا التحدي الصارخ.

أما "طهران" فقد ألقت عصاها أمام الراعي، وأكدت أن صواريخها صارت مذخرة، وجاهزة للإطلاق إذا ما تعرضت شحنة النفط إلى اعتداء أمريكي، لجمت تلك التهديدات إدارة ترامب، التي خبرت جيداً حدود "الجنون الإيراني" الذي دافع عن ناقلة نفطه العملاقة التي مخرت عباب البحر الكاريبي سابقاً إلى ميناء طرطوس في سوريا، بحرب الناقلات التي شلت حركة النفط العالمي في مضيق هرمز، وأثبت مقدار العزم في تحويل التهديد إلى واقع، وأجبر القوى الكبرى على الافراج عن حاملتها العملاقة، قبل أن تخلي سبيل ناقلات النفط البريطانية.

بالصور ناقلة نفط إيرانية تكسر الهيمنة الأمريكية .. وفنزويلا تحتفي بـ "الحليف الوفي" وترفع الأعلام

وبعد ذلك، كان الحرس الثوري الإيراني، يخترق الوعي الأمريكي و حتى الوعي الجمعي لدول العالم، في الرد على اغتيال الجنرال قاسم سليماني، بقصف قاعدة عين الأسد الأمريكية في العراق بعشرات الصواريخ النقطية الثقيلة، الأحداث تلك، أفسحت المجال أمام الإيراني لتحرير ندية الدول المقابلة للولايات المتحدة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فلا روسيا ولا الصين، قدمت مبادرات إنقاذ تليق بحجميها لدولة صديقة مثل فنزويلا، وهما الدولتان اللتان تفهمان أكثر من غيرهما، ما تعنيه سياسية ملأ الفراغ، ورغبة الولايات المتحدة في تحطيم النظام الاشتراكي الفنزويلي المناوئ لهيمنة الولايات المتحدة، كما فعلت سابقا في البرازيل والإكوادور.

 

الدلالات الاقتصادية للحدث

قيمة ما حدث في البحر الكاريبي ليست معنوية فحسب، فقد نجحت كل من إيران وفنزويلا في تخطي النظام الأمريكي الاقتصادي في التعامل التجاري المفروض على العالم، فصفقة النفط التي تتجاوز قيمتها الـ 46 مليون دولار، لم يستخدم الدولار الأمريكي في اتمامها، ومضت في تبادل المنفعة، فيما هو أكثر قيم بما يتجاوز قيمة الدولار، تقول الوسائل الإعلامية الغربية أن فنزويلا دفعت لإيران قيمة شحنات البنزين من معدن الذهب، فيما لم تعلق الدولتان على الاخبار تلك، لكن المهم أن ثمة ما يمكن فعله بدون الحاجة إلى الدولار الأمريكي.

الدرس الإيراني يتكرر

لأن الحدث الكبير بالحدث الكبير يذكر، يجب التنويه إلى أن مفاعيل حدث ناقلات النفط الذي سيتبعه الكثير في المشهد الدولي، كانت إيران قد صنعته قبل تسعة سنوات من اليوم، ولكن ليس في فنزويلا، "حديقة الولايات المتحدة الخليفة" بل في سوريا، حديقة فلسطين وحزب الله الخلفية، فمع بداية الأزمة السورية، وعندما اجمع العالم أمره على اسقاط الدولة السورية، واستبدال الرئيس بشار الأسد، بآخر، صديق للهيمنة الأمريكية ومتصالح مع وجود (إسرائيل) في المنطقة، كان إيران قد اتخذت قراراً حاسماً، بمنع انهيار الدولة السورية، حتى روسيا والصين، لم تقدمان في ذلك الحين موقفاً متقدماً حيال المخطط الأمريكي الخليجي المراد انفاذه على الدولة السورية، كانت "طهران" وقتها تدفع بكل امكانياتها المادية في لدعم الدولة السورية، ولما اتخذ الصراع طابعاً أكثر جنوناً وعنفاً، وبدأت المجموعات المسلحة باستقدام المسلحين من كل بقاع الأرض إلى سوريا، وقضم المسلحون قرابة 80% من مساحة الأرض السورية، وتنافست الدول الغربية والعربية في تبني ودعم جموع المسحلين، طموحاً في تحصيل الحصة الأكبر من ثروات البلاد بعد انهيارها، على شاكلة ما حدث في ليبيا،  بادر "حزب الله والحرس الثوري" في الدخول العسكري لإنقاذ البلاد من الضياع، دخولٌ أثبت للحلفاء بأن مقارعة تلك الجموع واستعادة ما خسرته الدولة ليس مستحيلا، بل هو أسهل وأقل تكلفة من العجز في انتظار تحقيق المشيئة الغربية.

حينها، أقنعت خلايا حزب الله والحرس الثوري، وريث الاتحاد السوفيتي، الذي لم يشأ خوض معركة غير محسوبة النتائج، بالتدخل الجوي لقلب المشهد الميداني رأساً على عقب.

 

 

 

 

 

النهضة نيوز - خاص

ملاحظة: الٓاراء السياسية الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن موقف "النهضة نيوز"