أظهرت دراسة أمريكية حديثة أن واحدا من كل أربعة رُضّع يفتقر إلى وجود كافٍ من البكتيريا المعوية النافعة الضرورية لتدريب الجهاز المناعي، مما يعرّضهم لخطر متزايد للإصابة بأمراض غير معدية مثل الربو والحساسية والإكزيما قبل سن الثانية.
وتُعد بكتيريا Bifidobacterium من أوائل أنواع البكتيريا المفيدة التي تستوطن أمعاء الإنسان، وقد ثبت أن وجودها يرتبط بفوائد صحية متعددة، بما في ذلك الحماية من الأمراض الأيضية، والالتهابات المعوية، والاضطرابات الالتهابية.
في دراسة نُشرت مؤخرا في مجلة Communications Biology، قام الباحثون بتحليل الميكروبيوم المعوي لـ 412 رضيعا يمثلون تركيبة سكانية متنوعة داخل الولايات المتحدة، وكشفت النتائج عن نقص واسع الانتشار في بكتيريا Bifidobacterium بين هؤلاء الأطفال، كما أظهرت بيانات المتابعة طويلة الأمد وجود صلة بين هذا النقص وتطور حالة تُعرف بـ "الأتوبية" (الاستعداد الوراثي للإصابة بأمراض الحساسية).
الأتوبية ... من الرحم وحتى الطفولة
تشير التقديرات العالمية إلى أن ما يصل إلى 40٪ من السكان يعانون من نوعٍ من أنواع الحساسية تجاه مواد بيئية شائعة مثل غبار الطلع، الغبار المنزلي، العث، أو وبر الحيوانات، ومع تزايد انتشار هذه الحالات بين الأطفال خلال العقود الأخيرة، تتراوح الأعراض من سيلان الأنف وحكة العينين، وصولا إلى الإكزيما الشديدة والحساسيات الغذائية الخطيرة التي قد تؤدي إلى صدمة تأقية.
وتبيّن الأدلة الحديثة أن جذور هذه الأمراض المزمنة تبدأ خلال أول 1000 يوم من حياة الطفل—أي منذ كونه جنينا وحتى بلوغه العامين، ويرى العلماء أن التغيرات البيئية ونمط الحياة تلعب دورا، ولكن العامل المحوري هو الاضطراب الذي يصيب الميكروبيوم المعوي، خاصةً فقدان بعض سلالات Bifidobacterium المفيدة.
الولادة والرضاعة والمضادات الحيوية عوامل حاسمة
يتأثر تنوّع البكتيريا في أمعاء الطفل بعوامل عديدة، أبرزها طريقة الولادة (قيصرية أو طبيعية)، ونوع الرضاعة (طبيعية أو صناعية)، بالإضافة إلى التعرض المبكر للمضادات الحيوية، وقد ارتبط هذا التنوع مباشرة بصحة الطفل لاحقا، سواء في ما يتعلق بالحساسية أو أمراض المناعة الذاتية أو حتى السمنة.
وبينما كانت معظم الدراسات السابقة حول ميكروبيوم الأطفال محدودة النطاق، جاءت هذه الدراسة تحت عنوان "مشروع ميكروبيوم طفلي" My Baby Biome، كتحقيق طويل الأمد امتد لسبع سنوات، وشمل بيانات تمثيلية على المستوى الوطني، ركزت على البكتيريا المعوية ومركباتها الأيضية الناتجة.
نتائج مقلقة لثلث الأطفال المولودين قيصريا
أظهرت التحليلات أن 25% من الأطفال في عمر يتراوح بين شهر إلى ثلاثة أشهر يعانون من نقص في Bifidobacterium، وكانت النسبة أعلى بشكل لافت لدى الأطفال المولودين قيصريا (35%) مقارنةً بالأطفال المولودين طبيعيا (19%).
وتبيّن أيضا أن بكتيريا ضارة، تمتلك القدرة على استهلاك السكريات الخاصة الموجودة في حليب الأم، قد استبدلت البكتيريا المفيدة في حالات الولادة القيصرية، إضافةً إلى ذلك، أظهرت ميكروبيومات غنية بـ Bifidobacterium وجود عدد أقل من الجينات المقاومة للمضادات الحيوية أو المسببة للأمراض، إلى جانب نشاط أيضي أكثر فائدة.
هل يمثل هذا خللا ميكروبيا حقيقيا؟
يشير الباحثون إلى أن مصطلح "خلل الميكروبيوم" أو "dysbiosis" لا يزال محل نقاش في المجتمع العلمي، ولكن الارتباط القوي بين تركيبة الميكروبيوم وصحة الطفل يُظهر أن غياب سلالات Bifidobacterium الأساسية يمثل بالفعل اضطرابا حقيقيا في بيئة الأمعاء خلال المراحل المبكرة من الحياة.