محيطات الأرض الأولى كانت جحيما حمضيا ... كيف أصبحت مهدا للحياة ؟

رحلة الأرض من محيطات حمضية قاتلة إلى مهد للحياة

طور علماء من جامعة ييل في الولايات المتحدة وجامعة نانيانغ التكنولوجية في سنغافورة نموذجا جديدا يوضح كيف تغيرت حموضة المحيطات على مدار الزمن، مما ساعد في تمهيد الطريق لظهور الحياة.

يشير هذا النموذج إلى أن المحيطات احتاجت إلى 500 مليون سنة حتى تصبح أكثر حيادية، مما أتاح الظروف المناسبة لنشوء الحياة على الأرض.

دور حموضة المحيطات في تطور الأرض

يعتمد فهم إمكانية الحياة على الأرض على دراسة كيفية تغير حموضة المحيطات عبر الزمن، فقد كان يعتقد أن المحيطات الأولى كانت شديدة الحموضة، مما جعل من الصعب ظهور الحياة، اليوم يتمتع ماء البحر الحديث بدرجة حموضة قريبة من 8، وهو ما يُعتبر بيئة داعمة للحياة، ولكن كيف حدث هذا التحول؟

أجرى الباحثون دراسة شاملة جمعت بين العمليات الجيولوجية والغلاف الجوي والكيميائية لفهم العوامل التي ساهمت في توازن حموضة المحيطات.

كيف تؤثر العمليات العميقة للأرض على المحيطات؟

قال جون كوريناغا، أستاذ علوم الأرض والكواكب في جامعة ييل وأحد المشاركين في الدراسة التي نُشرت في مجلة Nature Geoscience:

"هذا البحث يمثل خطوة علمية متقدمة تربط العمليات السطحية للأرض بتلك التي تحدث في أعماقها، مما يسمح لنا بتقديم تقدير دقيق لكيفية تغير درجة حموضة المحيطات على مدار تاريخ الأرض."

تعتمد درجة الحموضة (pH) على تركيز أيونات الهيدروجين في الماء، حيث تعني القيم الأقل من 7 بيئة حمضية، ومع ذلك فإن النماذج الحديثة تشير إلى أن المحيطات البدائية كانت أكثر حمضية بكثير مما كان يعتقد سابقا، مما أثر على تطور الحياة المبكرة.

تحديات نمذجة حموضة المحيطات عبر الزمن

قال مينغ غوو، الباحث الرئيسي في الدراسة والزميل ما بعد الدكتوراه في جامعة نانيانغ التكنولوجية:

"لفهم كيفية نشوء الحياة، علينا معرفة متى وكيف بدأ كوكب الأرض في امتلاك محيطات ذات حموضة أكثر توازنًا."

لكن التحدي الرئيسي هو أن هذه العملية معقدة للغاية، حيث تتداخل فيها عدة عوامل تشمل:

الغلاف الجوي: يؤثر ثاني أكسيد الكربون (CO₂) على كيمياء المحيطات، وتختلف مستوياته نتيجة عمليات طبيعية مثل التفاعلات الكيميائية مع القارات والقشرة المحيطية.

البراكين: تؤدي الانفجارات البركانية إلى زيادة مستويات ثاني أكسيد الكربون، مما يرفع حموضة المحيطات.

الصفائح التكتونية: تؤدي عمليات الاندساس (subduction) إلى سحب ثاني أكسيد الكربون إلى أعماق الأرض، مما يقلل من وجوده في الغلاف الجوي ويؤثر على توازن المحيطات.

كيف استغرق الأمر 500 مليون سنة حتى تصبح المحيطات صالحة للحياة؟

باستخدام النموذج الجديد، قدر العلماء أن الأرض احتاجت إلى 500 مليون سنة لتصل إلى مستوى حموضة محايد بما يكفي لدعم الحياة، قد تكون بعض المناطق قد شهدت جيوبًا من المياه ذات الحموضة المتوازنة قبل ذلك، لكن ليس على نطاق واسع يسمح بظهور الحياة بشكل مستدام.

هذه النتائج ليست مهمة فقط لفهم ماضي الأرض، بل يمكنها أيضًا تقديم رؤى حول كيفية تأثير العمليات الجيولوجية القديمة على المناخ الحديث، وربما حتى توجيه الأبحاث حول إمكانية وجود الحياة على الكواكب الأخرى.