أطلقت السلطات المصرية بعد احتجاج دولي كبير سراح ثلاثة نشطاء حقوقيين بارزين، والذين قد اعتقلوا خلال الشهر الماضي بعد اجتماع مع مجموعة من الدبلوماسيين الغربيين لمناقشة الحريات المدنية في أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان.
ويرى حسين إيبش الباحث المقيم في معهد دول الخليج العربية في واشنطن في مقال بـ وكالة "بلومبرج" أنه ليس من الواضح ما الذي يأمل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في تحقيقه من هذه الحملة القمعية التي تستهدف نشطاء المجتمع المدني في مصر، لكن يبدو أنها جاءت بنتائج عكسية بالفعل، موضحاً أن الاعتقالات الأخيرة جذبت الانتباه الدولي الذي تشتد الحاجة إليه إلى حملة واسعة من قمع المجتمع المدني في البلاد.
النشطاء الحقوقيون الثلاثة، جاسر عبد الرازق، محمد بشير، كريم إنارة، هم أعضاء في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، هي واحدة من مجموعات الحريات المدنية القليلة التي لا تزال تعمل في البلاد.
ويضيف الباحث حسين إيبش بينما لم تكن الاعتقالات غير عادية في مصر خلال حكم السيسي، كان الإفراج السريع يعتبر أمراً نادراً ونسبياً، كما ومن الواضح أن الحملة الدولية التي شارك فيها نشطاء وسياسيون ومشاهير كان لها تأثيرها المقصود في قضية النشطاء الثلاثة.
عبد الفتاح السيسي
بالإضافة إلى ذلك، كان توقيت الاعتقالات مثيراً للفضول، حيث أشارت جيس كيلي، زوجة إنارة، إلى أن اعتقالهم كان اختبارا متعمدا لإدارة جو بايدن القادمة، والتي من المتوقع أن تكون أكثر مطالبة بتطبيق حقوق الإنسان من الحلفاء الأمريكيين من الرئيس دونالد ترامب، وكانت هذه الحجة لا بد أن تكتسب زخما في واشنطن، لكن من غير المرجح أن حكومة السيسي كانت تحاول إغراء الإدارة المقبلة عن عمد، حسب حسين إيبش.
ولفت الى أن أن الاحتمال الأكثر إثارة للاكتئاب هو أن هذه الاعتقالات كانت في الأساس حالة طبيعية ليس إلا، مشيراً الى أن حملة القمع تجاوزت المدافعين الثلاثة عن حقوق الإنسان، حيث اعتقلت الحكومة المصرية مؤخراً أكثر من 25 ناشطاً سياسياً إلى قائمة المشتبهين بالإرهاب، بما في ذلك الناشط السياسي المعروف علاء عبد الفتاح والمرشح الرئاسي السابق عبد المنعم أبو الفتوح، وتتراوح هذه التهم من غير المعقولة إلى العبثية اعتمادا على الأفراد المعنيين، لكن أيا منها لا يعتبر تهما مقنعة أو منطقية.
بالإضافة إلى ذلك حسب حسين إيبش، أعدمت الحكومة المصرية 57 سجينا خلال الشهرين الماضيين، وهي نسبة لم يسمع بها من قبل في التاريخ المصري الحديث.
كما وكانت حملة القمع الأخيرة لا تقتصر على النشطاء في المجال السياسي، حيث تم اعتقال العديد من العارضات والممثلات والمخرجين والمصورين بتهمة "الفحش" وانتهاكهم "القيم العائلية" وغيرها من الجرائم المفترضة المماثلة.
وفي الحقيقة يقول حسين إيبش، من الصعب فهم ما يفترض أن تحققه مثل هذه الحملة الشرسة على المجتمع المدني المصري، موضحاً أن فمنذ وصول السيسي إلى السلطة في يوليو 2013، تحول نظام السيسي من قمع منتقديه، و خاصة جماعة الإخوان المسلمين وغيرهم من الإسلاميين، إلى مهاجمة جميع أحزاب ونشطاء المعارضة دون تمييز، بما في ذلك الليبراليين ونشطاء حقوق الإنسان، حيث يبدو الآن أن السيسي في حرب مفتوحة ضد المجتمع المدني المصري ككل.
كما ويشعر السيسي أنه لا يزال بإمكانه الاعتماد على مخزون الدعم القومي والرعب المستمر من احتمالية الحكم الإسلامي لمصر مرة أخرى، ولكنه قد يكون خاطئاً في ذلك أيضاً، حسب حسين إيبش، مضيفاً أنه إذا ما شعرت الحكومة بعدم الأمان لدرجة أنها لا تستطيع تحمل أي نقد أو ديناميكية ثقافية، فمن المرجح أن تصبح هذه المخاوف نبوءة تحقق ذاتها.
دونالد ترامب وعبد الفتاح السيسي
وأظهر المصريون مرتين بالفعل أن صبرهم على القمع الجامح محدود في نهاية المطاف، وذلك عندما انتفضوا ضد الرئيس السابق حسني مبارك في عام 2011 وضد حكومة الإخوان المسلمين بقيادة محمد مرسي في عام 2013.
و الجدير بالذكر حسب حسين إيبش أنه لم يتم تبديد النوايا الحسنة للشعب المصري فقط، بل وتم استثارة انتباه والتسامح من قبل الدولي مع الشعب المصري و انتقاده للقمع أيضاً، فلا يمكن أن يغيب عن الحكومة المصرية أنه من غير المرجح أن يكون جو بايدن والديمقراطيين الأمريكيين متسامحين مع مثل هذا الأمر مثل ترامب، الذي أشار إلى السيسي سابقاً على أنه "ديكتاتوره المفضل".
وما يثبت وجهة النظر هذه بشكل شبه كامل هي أن إطلاق سراح النشطاء الثلاثة يظهر أن القاهرة لا تزال عرضة للضغوط الخارجية، حتى لو جاء ذلك من المجتمع المدني الدولي وليس من الرئيس الأمريكي بشكل مباشر.
ويرى حسين إيبش في مقاله أن هذه أخبار جيدة حقا، لأن مصر بحاجة إلى حسن النية الأمريكية، كما وتحتاج واشنطن أيضاً إلى أن تكون مصر قوية ومسؤولة لمواصلة طريق الانتعاش الاقتصادي المحدود والمثقل بالديون، لتكون قوة وقيادة إقليمية حكيمة، خاصة وأن استقرار الشرق الأوسط يعتمد بشكل كبير على دور مصر الملتزم والمسؤول، ولم تتمكن القاهرة من القيام بهذا الدور الحساس منذ سنوات عديدة بسبب الاضطرابات المحلية المستمرة التي عصفت بالبلاد.
ويختم حسين إيبش أن القمع الشديد والاعتداءات على المجتمع المدني المصري ليست صيغة لضمان الاستقرار السياسي المصري والانتعاش الاقتصادي والنهوض الإقليمي، وهذه هي الرسالة التي يجب على أصدقاء مصر إرسالها وتوضيحها للحكومة المصرية وزعيمها بصوت عالي وواضح قدر الإمكان.
النهضة نيوز _ترجمة خاصة