في ظل استمرار الأزمة المالية الخانقة التي يعيشها لبنان، حذر البنك المركزي اللبناني من أن الأموال المخصصة لدفع الدعم للسلع الأساسية قد تنفذ بحلول أوائل عام 2021، فإذا ما حدث ذلك، بحسب ما حذر مراقبون بما في ذلك الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية المحلية، فإن كارثة إنسانية قد تحصل.
يقول المراقبون أنه إذا ما توقفت السلطات عن دعم بعض السلع، وخاصة الدقيق والوقود والأدوية، فسترتفع أسعارها بشكل كبير، مما قد يترك أكثر من ثلاثة أرباع اللبنانيين يعيشون في فقر مدقع.
منى ملاح، مالكة مخبز في بيروت، تدرك تماما ما يمكن أن يحدث إذا ما ذهب الدعم، حيث تعاني أعمالها بالفعل بسبب ارتفاع سعر الطحين خلال الأزمة المالية والسياسية المستمرة في البلاد، بجانب جائحة فيروس كورونا والتأثير الاجتماعي الدائم الذي تركه الانفجار القاتل الذي ضرب ميناء بيروت قبل أشهر قليلة.
وقالت ملاح لوكالة DW الألمانية: "لقد تضاعفت الأسعار، وأصبح كل ما نكسبه يغطي نفقاتنا بالكاد. وإذا ما رفعوا الدعم عن الخبز والوقود، فسوف ينتهي بنا الأمر بالعيش في الظلام ودون مياه جارية .. لماذا يقبل الناس حدوث هذا ؟ ".
وخرجت في لبنان مظاهرات احتجاجية ضد ضعف الدعم الحكومي للسلع الأساسي بالفعل، حيث قام المتظاهرون بإحراق الإطارات وإغلاق شوارع بيروت. وفي هذا الشهر، هدد الاتحاد العمالي اللبناني العام بإضراب على مستوى البلاد إذا تم رفع الدعم .
حيث يقول وسام حميداني، الذي يعمل في شركة تأمين في بيروت: "إذا ما تم قطع الدعم بالكامل مرة واحدة، فقد يؤدي ذلك إلى فوضى كاملة في البلاد ، وسيكون التعامل مع الأمر صعبا أكثر من اللازم ".
• الإعانات، ليست شيئا جيدا كما تبدو
إنه لمن المثير للدهشة، وعلى الرغم من الدعم الشعبي للإعانات، أن هناك مجموعة متنامية تعتقد أن نظام الدعم في لبنان يحتاج بالفعل إلى إعادة النظر فيه حيث كتب يوكي موكو، ممثل اليونيسف في لبنان، وربى جرادات، المديرة الإقليمية لمنظمة العمل الدولية، في مطلع شهر ديسمبر الجاري: "يمكننا القول أن الإعانات ليست الطريقة الأفضل والأكثر إنصافا لإنفاق مبلغ كبير جدا من المال لدعم الأسر الفقيرة في لبنان".
كما واتفق تجمع خبراء الحماية الاجتماعية المستقلين في لبنان في ورقة موقف نشرت في أوائل الشهر الجاري على رأي مشابه، حيث قالوا : "إن الإعانات ليست هي الحلول الأمثل لمعالجة عدم المساواة والظلم طويل الأمد في البلاد".
فحتى وقت قريب، كلف الدعم الحكومة اللبنانية حوالي 750 مليون دولار شهريا، على الرغم من خفض التكاليف هذا الشهر إلى حوالي 450 مليون دولار . لكن هذه الإعانات ليست مدفوعات مباشرة، حيث يقدم البنك المركزي اللبناني، لمستوردي بعض السلع سعر صرف أفضل للدولار الأمريكي، مما يجعل الدعم هو الفرق بين سعر الصرف الحكومي الرسمي و سعر السوق السوداء، والذي يبلغ حاليا قيمة أعلى بنحو ستة أضعاف من سعر صرف البنوك الحكومي.
فعلى سبيل المثال، يدفع أصحاب مطاحن الدقيق دولارات أمريكية لواردات القمح، ونظرا إلى أن سعر الصرف المواتي الذي يتم تقديمه، يتم تغطية حوالي 85 ٪ من تكلفة القمح .
و في شهر نوفمبر الماضي، قال محافظ مصرف لبنان المركزي أنه لا يمكنه سوى تغطية ما يعادل شهرين آخرين من الدعم، على الرغم من أنه في أواخر شهر أغسطس، كان لا يزال لديه على ما يبدو 19.5 مليار دولار من العملات الأجنبية .
إساءة استخدام نظام الدعم:
إلى جانب خفض التكاليف، كان هناك أيضا نقاش حول تغيير القواعد لتقليل نسبة الدعم و تحرير المزيد من الأموال للإعانات لكن احتياطيات العملات الأجنبية تعتبر أمرا مهما للحفاظ على قيمة العملة المحلية، وقد انخفضت قيمة الليرة اللبنانية بالفعل بشكل كبير خلال العام الماضي، ما يعني أنه لم يعد بوسع البنك المركزي تحرير المزيد من العملة الأجنبية لصالح نظام الدعم .
• هل يستحق الأمر كل هذا العناء ؟
ينفي الخبراء أن الأمر يستحق كل هذا العناء، حيث أفادت شركة أبحاث السوق المحلية InfoPro Research أن معظم المنتجات المدعومة حكوميا لا يستهلكها السكان المحليون الأكثر فقرا في لبنان . فعلى سبيل المثال، يتم استخدام القمح المدعوم لصنع الخبز، ولكنه يستخدم أيضا في صنع الكرواسون والبيتزا والحلويات، وهو الشيء الذي لا تستطيع الأسر الفقيرة تحمله أو شرائه كما أن الجميع يستخدمون الوقود المدعوم في سياراتهم سواء أكانوا أغنياء أو فقراء .
والجدير بالذكر أن استمرار مثل هذه الأزمات قد تؤدي إلى تفاقم عدم المساواة، حيث يخشى السكان المحليون من انتهاء الدعم قريبا، ويقومون بتخزين السلع المدعومة، بينما لا تستطيع العديد من العائلات اللبنانية الفقيرة تحمل نفقات تخزين أي شيء .
بالإضافة إلى ذلك، يعتقد أيضا أنه يوجد هناك إساءة استخدام لنظام الإعانات المدعومة حكوميا، حيث يعرف المستوردون بتخزين البضائع المدعومة و تهريبها عبر الحدود، بهدف تحقيق أرباح أكبر أما بالنسبة للفاسدين، فهناك الكثير من الأموال على المحك في نظام الدعم، كما يقول النقاد .
وقال جيلبرت ضومط المستشار في مجموعة Beyond Group التي يقع مرقها في بيروت ، والذي كان يعمل مع الحكومة اللبنانية واليونيسف حول هذا الموضو ، أنه لا توجد إجابة واضحة أو سهلة حول هذا الأمر .
وقال في مقابلة مع وكالة DW الألمانية: "إن الأمر لا يتعلق بإلغاء الدعم ، أو ما إذا كنا سنحتفظ به أم لا بل يتعلق الأمر بالتأكد من أننا ننفق أموال الحكومة بأكثر الطرق فعالية، بحيث تصل إلى الأشخاص الأكثر احتياجا كما و ينبغي أن تكون أي تدابير فورية جزءا من خطة شاملة طويلة الأجل و قائمة على الحقوق ،حيث أن لبنان يحتاج إلى خطة حماية اجتماعية حقيقية ".
فإلى جانب التأثير الذي سيحدثه انخفاض الدعم على الفئات الأكثر ضعفا في البلاد، تشعر ماري نويل أبي ياغي، مديرة معهد الأبحاث المحلي، بالقلق أيضا من الانقسامات في المجتمع اللبناني إذا ما تم رفع الدعم .
و بحسب ما أشار صندوق النقد الدولي، فإن لبنان ينفق على شبكة أمان اجتماعي مبالغ أقل من البلدان الأخرى في المنطقة، وتميل الرعاية الاجتماعية في لبنان إلى أن تكون غير رسمية، حيث يعتمد العديد من الناس على المساعدة من أفراد الأسرة أو الجمعيات الخيرية ذات الدوافع السياسية .
وقالت أبي ياغي : "إذا توقف الدعم فجأة و بدون أي خطة للتخفيف الاجتماعي، فقد يؤدي ذلك إلى توترات اجتماعية من ناحية، ويمكن أن يعزز دور الأحزاب السياسية و الطائفية التقليدية من ناحية أخرى، و ذلك من خلال شبكات الجمعيات الخيرية الخاصة بهم".
كما ويشير السيد ضومط إلى أنه مع وجود دعم لمدة ثلاثة أشهر فقط، وهو ما يمكن توفيره من الميزانية الشهرية السابقة البالغة 750 مليون دولار، يمكن إعادة بناء البنية التحتية الصحية والتعليمية في البلاد تقريبا.
مضيفا: "لبنان بلد صغير، و هذا الأمر ممكن، لكن المشكلة الآن هي أن الإرادة السياسية ليست موجودة للقيام بهذه الإصلاحات".
النهضة نيوز _ترجمة خاصة