يكافح ما يصل إلى 250 ألف عامل في ظل نظام الكفالة في لبنان في الوقت الراهن، من أجل البقاء في ظل نظام استغلالي والنزاعات الدائرة داخل البلاد بسبب الركود الاقتصادي والفساد.
نظام الكفالة في لبنان
•ما هو نظام الكفالة ؟
نظام الكفالة هو نظام قمعي يسيطر بشكل عام على العمال المهاجرين غير المهرة في الدول العربية، والذين غالبا ما يكون معظمهم من النساء القادمات من إفريقيا وجنوب آسيا، حيث يتطلب النظام أن يكون كل عامل تحت رعاية مواطن من البلد المضيف، أي صاحب العمل، والذي يكون معروفا أيضا باسم "الكفيل"، ويكون مسؤولا عن الوضع القانوني للعامل وتأشيرته وبقاءه في البلاد.
وعندما تنتهي مدة عمل العامل، يمكن لصاحب العمل إما تجديد تأشيرته أو إنهائها، الأمر الذي يتطلب ترحيل العامل على الفور ففي ظل هذا النظام القمعي، يستثنى العمال من قوانين العمل اللبنانية التي تنظم الحد الأدنى للأجور والحد الأقصى لساعات العمل والإجازة والعمل الإضافي وما إلى ذلك.
في الأساس يخلق نظام الكفالة ديناميكية للقوة والسطوة، مما يمكن أصحاب العمل من السيطرة الكاملة على عمالهم، خاصة وأنهم يكونون غير محميين بموجب القانون ضد انتهاكات العمل الأساسية، وهم عرضة للترحيل إذا ما اعترضوا أو تحدثوا عن أوضاعهم.
فإذا ما تعرض العمال للضرب أو الاغتصاب أو الجوع، فلن يكون لديهم مكان يذهبون إليه، لذلك فهم يخاطرون بالترحيل إذا أبلغوا الشرطة بظروفهم أو يتم تجاهلهم كما أنه لا يمكن للعامل التنقل دون موافقة صاحب العمل، حيث أنه غالبا ما يجبر على البقاء في المنزل بسبب القيود المالية أو الإساءة العاطفية أو الإساءة الجسدية التي يتعرض لها من صاحب العمل .
بالإضافة إلى ذلك، ليس للعمال رأي في المعاملات التي تجري بين صاحب عمل و آخر و إن كانت تخصهم، حيث يتم التعامل مع الموظفين على أنهم أشياء وليسوا بشر، ويتوقع منهم أن يقوموا بعملهم مع تجاهل ظروفهم الشخصية، وليس لديهم حواجز أمان، مما يجعلهم عرضة للتعرض لانتهاكات متعددة لحقوق الإنسان.
نظام الكفالة في لبنان نظام عبودي
• تاريخ نظام الكفالة :
بدأ نظام الكفالة في الخمسينيات كوسيلة للسيطرة على الهجرة إلى الدول العربية، وقد كان الهدف منه أن يكون وسيلة يمكن من خلالها للأجانب الحصول على وظائف قصيرة الأجل للمشاريع التي تتم استضافتها في البلدان التي تمارس نظام الكفالة، و التي تشمل دول مجلس التعاون الخليجي ودولا أخرى، مثل البحرين والكويت وعمان وقطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والأردن ولبنان وقد كان من المفترض أن يكون نظاما مضيافا، وقد يسمى الكفالة تيمنا بكلمة "العناية" باللغة العربية، حيث وثق النظام في أن الكفلاء، كفلاء العمال، سيحمون ويعاملون العمالة الأجنبية بشكل صحيح.
تاريخ نظام الكفالة في لبنان
• تاريخ لبنان مع نظام الكفالة :
قبل الحرب الأهلية اللبنانية، التي استمرت بين عامي 1975 إلى 1990، كانت العائلات اللبنانية الأكثر ثراء تستأجر فتيات فقيرات من لبنان والدول المجاورة للعمل لديها، وقد أدت هذه الممارسة إلى اعتماد لبنان على العمل المنزلي الخارجي ومع مرور الوقت، تدهورت العلاقات مع الدول العربية الأخرى و انخفض الأمن الوظيفي في البلاد .
نتيجة لذلك، كان على اللبنانيين البحث في مكان آخر للعثور على عمالة وفي السبعينيات، سنحت تلك الفرصة مع وصول أول موجات كبيرة من المهاجرين من إفريقيا و آسيا، و معمرور الوقت تم تصميم نظام معقد من الاضطهاد لاستهداف الناس من المناطق الفقيرة في العالم للعمل من أجل اللبنانيين.
وكان هذا النظام مدعوما من قبل الحكومة اللبنانية لأنها حاولت أن تقوم بتخفيض الديون نتيجة التحويلات التي يرسلها المهاجرون ولكن حتى اليوم، تكافح الحكومة الديون التي لا يمكن تحملها في محاولة لسدادها، وبمرور الوقت، أصبحت القوة العاملة متركزة بشكل كبير على القوى النسائية تدريجيا، واستمر هذا النمط حتى يومنا هذا .
فمع استمرار نظام الكفالة تلقى لبنان ردود فعل دولية، لا سيما من الولايات المتحدة الأمريكية في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عندما اعتبروا لبنان دولة من الدرجة الثانية من حيث الاتجار بالبشر، و لا يزالون يعتبرونها في المستوى الثاني حتى اليوم .
وفي الآونة الأخيرة، حاولت منظمات متعددة مثل هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية تسليط الضوء على نظام الكفالة الاستغلالي داخل لبنان . وعلى الرغم من التغطية الإعلامية و العالمية الأخيرة، لا تزال الحكومة اللبنانية تبذل الحد الأدنى من الجهد لحل المشكلة .
ضحايا نظام الكفالة في لبنان
• من هم الضحايا ؟
على الرغم من تفاوت الأعداد ، لكن يقدر عدد العاملين في الكفالة في لبنان بنحو 250 ألف عامل ، غالبيتهم من النساء القادمات من الفلبين وإثيوبيا ونيبال وبنغلاديش وسريلانكا، ومن مختلف البلدان الأفريقية ودول جنوب شرق آسيا .
يذكر أن معظم العمالة الأجنبية تأتي من خلفيات فقيرة، حيث يكسبون من المال ما يكفيهم للبقاء على قيد الحياة، وقد شاركوا في النظام على افتراض أنهم يستطيعون مساعدة أنفسهم وأسرهم.
و مع ذلك، في العديد من المنازل، لا يمنح العمال أيام إجازة، ويتضورون جوعا ويحرمون من الماء، ويتعرضون للإيذاء الجسدي أحيانا، ويعانون من تقييد حرية الحركة والتواصل، ولا يحصلون على ظروف معيشية مناسبة. كما ويتم تجاهل أو التحرز على جوازات سفرهم وحريتهم و كرامتهم الإنسانية الأساسية من أجل إرضاء الكفيل الذي استثمر الأموال في العامل المكتسب .
والجدير بالذكر أنه يمكن أن تنعكس ظروفهم غير الإنسانية التي تشبه الكابوس من خلال تقارير انتحار متعددة حدثت في لبنان ففي تقرير صدر عام 2017 من قبل مؤسسة The New Humanitarian ، كشفت الأرقام الرسمية للحكومة اللبنانية أن عاملين منزليين في المتوسط يموتان أسبوعيا، غالبا بسبب الانتحار.
وعلى وجه التحديد، تم الكشف عن أن العمال يقفزون من شرفات منزل الكفيل، وذلك بسبب كونهم غير قادرين على التعامل مع وضعهم المزري والمعاملة التي يتلقونها.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن ملاحظة انتشار سوء المعاملة و الانتحار، وذلك في مقابلة أجرتها مؤسسة The New Humanitarian في لبنان ، حيث شرحت عاملة تدعى "حليمة" ظروف حياتها ك"عاملة منزلية" بموجب نظام الكفالة، وقد قالت أنها كانت تحبس داخل غرفة نومها ليلا و تضطر لقضاء حاجتها في الغرفة لأنها لم يكن لديها حمام، كما و كانت مغطاة بالندوب بسبب قيام "سيدتها" برمي القهوة الساخنة عليها أو ضربها بالمكنسة بسبب أخطاء بسيطة مثل انسكاب شيء ما.
وبحسب ما قاله حليمة، فقد تم إحضارها ذات مرة لرؤية جثة امرأة إثيوبية متوفاة قفزت من شرفة منزل أسرة صاحب عملها، مشيرة إلى أن صاحب العمل لم يهتم حتى بأخذ المرأة إلى المستشفى .
العمالة الأجنبية في لبنان
• تجنيد العمالة الأجنبية :
يدخل معظم العمال في نظام الكفالة من خلال صناعة التوظيف غير المنظمة ، حيث تختلف كل وكالة توظيف في عملياتها ، لكن بعض أكثر الوكالات تعسفا تتطلب دفع العمال رسوما و تكبد الديون من أجل السفر إلى الخارج للعمل .
حيث تسافر الوكالات إلى الأحياء الفقيرة، لديها عملاء يتلاعبون بالمواطنين للاعتقاد بأنهم سيحسنون حياتهم إذا ما انضموا إلى النظام، ويخبرون المواطنين أنه سيكون لديهم ما يكفي من المال لإنفاقه على أنفسهم وإرساله إلى أطفالهم أيضا . وعندما يقبل العمال، ينتهي الأمر بالعديد منهم إلى قضاء بقية حياتهم في العمل بالسخرة كل يوم لمحاولة سداد الديون المتراكمة عليهم نتيجة السفر إلى الدولة المضيفة، والتي غالبا لا يتم إرجاعها بالكامل .
حيث أن تلك المديونية تتركهم في عبودية لا رجعة فيها للمالك، في ديناميكية قوة تشبه تلك الموجودة في نظام العبودية القديم، كما أنه عادة ما تكذب تلك الوكالات على عمال الكفالة، وتعدهم بأجور أعلى من المتوسط ووظائف معقولة وظروف معيشية جيدة وسداد رسوم التوظيف. ولكن عند وصولهم إلى البلد المضيف و احكام قبضتهم عليهم، يترك العمال مذعورين عند إدراكهم أن الحياة التي تم الإعلان عنها مزورة فالآن، ليس لديهم طريقة للخروج من هذا المأزق، لأنهم مدينون بالفعل للوكالة أو المضيف، وقد تركوا بدون جواز سفر، والذي سرعان ما صادره الكفيل بعد التفاعل الأول معهم، حيث أن الاحصاءات قد قدرت أن ما نسبته 84% من العاملين لا يسافرون أو يعملون مع تلك الوكالات إذا ما تم إخبارهم بحقيقة الأوضاع التي سيعيشون و يعملون بها .
نظام الكفالة في لبنان
• تأثر نظام الكفالة بالأحداث الأخيرة في لبنان :
شهد لبنان عاما مضطربا للغاية، فقد فقدت الليرة اللبنانية 80 % من قيمتها بسبب التعاملات المالية غير المسؤولة من قبل الحكومة، مما أدى إلى أن تصبح غالبية الطبقة الوسطى أكثر فقرا بشكل كبير، الأمر الذي أدى إلى انزلاق الاقتصاد اللبناني في حالة انحدار عميق.
كما وأدى هذا الانهيار في العملة إلى ارتفاع معدلات البطالة إلى ما يزيد عن 30 % ، و جعل السخط العام يسجل أعلى المعدلات منذ الحرب الأهلية اللبنانية . فالحكومة تتجاهل هذه القضايا وتحاول بدلا من ذلك إرضاء أصحاب النفوذ في لبنان على حساب الجميع . وفي الوقت الراهن، يعيش أكثر من 50 % من لبنان تحت خط الفقر، وقد أصبحت الطبقة الوسطى تختفي بسرعة .
وبالإضافة إلى معدلات البطالة المرتفعة للغاية، والعملة المحلية التي تعاني من التضخم الشديد، والحكومة الفاسدة، عانى لبنان من مأساة أخرى مع انفجار ميناء بيروت في 4 أغسطس 2020، الذي أودى بحياة ما يقرب من 200 شخص وأسفر عن إصابة أكثر من 5000 شخص بالإضافة إلى تدمير البنية التحتية لعدة أميال على طول المسار. وقد قيل إن انفجار سحابة عيش الغراب أدى إلى تحطيم النوافذ على بعد عشرات الأميال من مركز الانفجار .
والجدير بالذكر أن ما نسبته 90% من من الواردات كانت تأتي عبر ميناء بيروت، بما في ذلك كميات هائلة من المواد الغذائية في بلد يعتمد على الواردات لإطعام شعبه وقد تكون النتيجة لمثل هذا التراجع الكبير في حركة الواردات حدوث مجاعة في المستقبل البعيد فقد ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 56 % في الفترة الواقعة ما بين أكتوبر 2019 إلى يونيو 2020، وهو سعر مستحيل على السكان الفقراء بالفعل دفعه . كما و تقدر تكلفة الأضرار طويلة المدى لانفجار ميناء بيروت بحوالي 15 مليار دولار، وهو مبلغ ضخم للغاية، خاصة بالنسبة لبلد يتعرض لأزمات شديدة بالفعل .
بالإضافة إلى ذلك، فقد عانى فقراء بيروت ولبنان أكثر من غيرهم نتيجة الأحداث المأساوية الأخيرة، حيث أنه غالبا ما يحصل عمال الكفالة على رواتبهم بالدولار اللبناني، بينما يخزن الكفلاء دولاراتهم لأنفسهم وقد أدى هذا إلى عمل عمال الكفالة بأدنى مستوى معيشة بكثير من السابق ، مع القليل من المال أو عدم قدرتهم على إرساله إلى بلادهم كتحويلات وبالإضافة إلى اضطراب أجورهم، يترك عدد أكبر من عمال الكفالة في الشوارع خارج سفاراتهم، وخاصة بعد أن طرد عمال الكفالة من منازل مضيفيهم نتيجة الضغوط المالية والعاطفية الملقاة على كاهل الجميع في بيروت ، مما تركهم بلا مأوى.
والجدير بالذكر أن عمال الكفالة وأرباب عملهم ملزمون قانونيا بتوقيع عقد ينص على أن أصحاب العمل سيدفعون مقابل إعادتهم إلى بلادهم، لكن هذا لا يحدث من الناحية العملية. كما أن وزارة العمل تتجاهل الجرائم التي يرتكبها الكفلاء، فإذا كان على المرء أن يسير أمام السفارة الأثيوبية، فسيشاهد العشرات من عمال الكفالة الذين ينامون في الشوارع، على أمل أن يتم إنقاذهم بطريقة ما وإعادتهم إلى ديارهم .
العمالة الأجنبية في لبنان
• التحركات الحالية :
تعمل منظمات متعددة مع الحكومة اللبنانية للضغط نحو فرض تشريعات جديدة لتغيير قوانين العمل المتعلقة بنظام الكفالة، بما في ذلك منظمات غير حكومية مثل هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية.
كما وشهد لبنان هذا العام خطوات واسعة لإعادة بناء القوانين المحيطة بنظام الكفالة، حيث قامت وزارة العمل اللبنانية بصياغة تشريع جديد من شأنه أن يسمح بـ 48 ساعة عمل في الأسبوع، ودفع أجور العمل الإضافي، وغيرها من وسائل الراحة لضمان أن نظام الكفالة لن يكون ملزما بعد الآن .
وعلى الرغم من هذه الجهود التشريعية الواضحة في الاتجاه الصحيح على الورق، فمن غير المعروف ما إذا كانت السلطات ستطبق هذه القواعد بالفعل، في بلد يعتمد بشدة على نظام الكفالة وتديره حكومة فاسدة، حيث سيتطلب إصلاح الأمر أكثر من مجرد بضع جمل مكتوبة على الورق.
النهضة نيوز _ترجمة خاصة