منوعات

هذا ما حدث في مطار بمطار الغوارديا.. هبة الحياة اثمن من ان نبددها

ناجي الزعبي

2 شباط 2021 00:49

كانت الساعة تناهز السادسة مساء حين هبطت بنا الطائرة في مطار الغوارديا بنيويورك قادمة من مونتريال.

كان علينا الانتظار زوجتي وانا ساعتين لنستقل طائرة اخرى لمدينة فرجينيا دون مغادرة قاعة المطار فجلسنا بالقاعة نستمتع بمراقبة المسافرين .. كانت قاعات المسافرين تسبب لي متعة فائقة كقاعات الفنادق فهم عالم باكمله حركة دؤوبة أوروبيين وآسيويين وعرب واميركيين

كانت الساعة تناهز السادسة مساء حين هبطت بنا الطائرة في مطار الغوارديا بنيويورك قادمة من مونتريال.

كان علينا الانتظار زوجتي وانا ساعتين لنستقل طائرة اخرى لمدينة فرجينيا، دون مغادرة قاعة المطار فجلسنا بالقاعة نستمتع بمراقبة المسافرين .. كانت قاعات المسافرين تسبب لي متعة فائقة، كقاعات الفنادق فهم عالم باكمله حركة دؤوبة أوروبيين وآسيويين وعرب واميركيين.


كان هناك مقعد لأصحاب الحالات الخاصة تجلس عليه امرأة طاعنة في السن، ربما ناهزت الخامسة والتسعين من العمر، لكنها كانت بمنتهى الاناقة ترتدي فستانا زاهي الالوان من قماش فرنسي جميل، وتتزين باكسسوارات لافتة ويفوح منها عطر مسائي خفيف من رائحة الورد وعبير زهور النارنج خمنت انه ل (غرلان) الذي اعشق كل ألوانه .

كانت تضع احمر شفايف بلون الورد، وتحيط عينيها بال - آي لاينر- اي خطوط العينين وطلاء أظافرها ينسجم مع باقي الالوان في تناغم وهارموني لافت، كانت ترتدي صندلا أنيقاً وتحمل حقيبة يد جلدية من نفس اللون من ماركة سلمندر باهظة الثمن.

كان النوم قد طغى عليها لكنها كانت تنتزع نفسها من براثنه بين الفينة والأخرى، وتلقي نظرة فاحصة على محيطها ثم تخرج إصبع احمر الشفايف ومرآته الذهبية التي تحمل ماركة كريستيان ديور وتعيد طلاء شفتيها، ثم بعناية فائقة تخرج قلم تخطيط العينين وتكرر تلوين ما محته غفوتها القسرية، ثم تخرج زجاجة عطرها وتتعطر بخفة فيفوح العطر الأخاذ ويمسح المكان بمسحة مميزة حانية وفرح هادئ رصين . وبدون ارادة منها تعيد غفوتها القسرية.

كانت باختصار لوحة انسانية جميلة يصعب تكرارها مصنوعة من فرشاة المبدع الأعظم .. الطبيعة والحياة .

شدنا المنظر زوجتي وأنا فقالت زوجتي: هل لاحظت اناقة السيدة الفائقة واهتماها اللافت بزينتها وعطرها واكسسوارتها ؟
قلت : نعم نعم هي لوحة جميلة تتحدث عن نفسها بالصمت المعبر .

تكررت العملية اكثر من مرة وفي احداها سقطت مرآتها من يديها المرتعشتين، فتلفت حولها ورأتني الأقرب لها فابتسمت برقة. تقدمت اليها والتقطت المرآة وناولتها اياها قلت : can I help you mam ? هل أستطيع ان أساعدك سيدتي ؟ هل تودين ان اقودك للطائرة ؟
قالت : لا عليك لازال امامي بضع ساعات لاستقل طائرتي المغادرة لمنتجع يونيفل بوشي بجزر المالديف المشهور بهدؤه المميز.

أخذتني الدهشة تماماً فقد اعتقدت انها ذاهبة لملجأ للعجزة

قلت بانبهار والدهشة تتبدى على ملامحي لمنتجع يونيفل بوشي !

لاحظت دهشتي فبادرني بالقول : لا تندهش الحياة جميلة وانا اود الاستمتاع باخر ثوانيها.

قلت : انت لوحدك سيدتي ؟

قالت : انا مع الدنيا كلها ولست لوحدي والدنيا معي.

ثم اردفت بعد برهة وجيزة ...هبة الحياة اثمن من ان نبددها، وعلينا ان نحياها وأحياناً علينا ان نموت في سبيل ان نحياها ..

توقفت امام الخلاصة والعبارة الإنسانية الفذة والفائقة الروعة، هبة الحياة جميلة تستحق احيانا ان نموت في سبيل ان نحياها .

اقترب موعد إقلاع طائرتي فاقتربت مرة اخرى منها مودعاً وانا أتأمل سطوة الزمن على تقاسيم وجهها الذي تعاطت معه بمهارة وطلته بالمساحيق بأناقة وذكاء واصرار لافت على الحياة، وعبير الحياة يملأ قلبي وفيض الطاقة الايجابية التي بعثتها المرأة الاستثنائية و صدري ووعيي مفعم بالأمل والإقبال على الدنيا، ويبعث في آمالاً لا تحد .