أبدت روسيا خلال الأسابيع الأخيرة اهتماما أكبر مما مضى بالشؤون اللبنانية، وتحديداً فيما يتعلق بكسر الجمود السياسي بين الرئيس اللبناني ميشال عون ورئيس الوزراء المكلف سعد الحريري.
والجدير بالذكر حسب موقع "المونيتور" أن العديد من الاجتماعات الأخيرة التي عقدت بين عون والحريري قد انتهت بالفشل، فقد استنكر الحريري محاولات الرئيس عرقلة تشكيل الحكومة، حيث يبدو أن الزعيمين منقسمين حول ما إذا كان يجب أن يكون ثلث مجلس الوزراء المقبل تحت سيطرة الرئيس عون أم لا، الأمر الذي قد يمنح عون وحلفائه سيطرة أكبر على الانتخابات الرئاسية اللبنانية المقبلة في عام 2022.
و في خضم ذلك، عقد مسؤولون روس عدة اجتماعات مع سياسيين لبنانيين خلال الأشهر القليلة الماضية، وأصدروا بيانات حول الأزمة اللبنانية.
فلاديمير بوتين وميشال عون
ومع استمرار الجمود في تشكيل الحكومة اللبنانية، تتطلع موسكو بشكل متزايد إلى إحداث تقدم في لبنان لحماية الأصول الروسية في سوريا المجاورة.
ومن جانبه يرى نبيل بو منصف، الصحفي اللبناني المخضرم: "إن موسكو تعتبر لبنان نقطة ضعف بالنسبة لسوريا، بالنظر إلى الترابط الاجتماعي والاقتصادي بين البلدين".
كما وناقش وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بتاريخ 15 مارس، خلال اجتماع في العاصمة الروسية موسكو مع وفد حزب الله اللبناني بقيادة محمد رعد، رئيس كتلة حزب الله النيابية في بيروت، الوضع في لبنان والشرق الأوسط.
وتقاتل روسيا في سوريا إلى جانب إيران وبعض الأطراف الموالية مثل حزب الله اللبناني ولديها علاقات جيدة معها.
وقال أنطون مارداسوف الباحث في المجلس الروسي للشؤون الدولية، أن موسكو ترى أن مصالحها في لبنان وسوريا مرتبطة ببعضها البعض، إلا أنه يعتقد أن زيارة حزب الله لموسكو قد تركزت بشكل أساسي لمناقشة الأوضاع في لبنان وليس سوريا.
مضيفاً أن الزيارة ساعدت موسكو في إظهار أنها لاعبة قادرة على التفاوض مع جميع الأطراف، فقد تزامنت زيارة وفد حزب الله مع زيارة الوفد الإسرائيلي، وهذه ليست مصادفة.
ومن ناحية أخرى جسب أنطوان مارداسوف، تتعمد موسكو سياسة تحريك وإثارة الشائعات في المنطقة لزيادة ثقلها السياسي، موضحاً أنه بعد كل شيء، بدأ العديد من المراقبين في القول أن روسيا أمرت حزب الله بتقليص النشاط في سوريا، وهذا بالطبع غير صحيح، حتى أن ممثلي حزب الله قالوا أن لديهم قوات في قاعدة حميميم الجوية الروسية في سوريا، وذلك بهدف ضحد التناقضات مع الروس.
بالإضافة إلى ذلك، نظرت آنا بورشيفسكايا من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى إلى الزيارة بشكل مختلف، حيث أخبرت موقع "المونيتور" أنه من المرجح أن موسكو تحاول لعب دور صانع الملوك من خلال الاستفادة من الوضع لخلق دور أكبر لنفسها في المنطقة، مضيفة أنه عندما يكون شخص ما في موقف ضعيف مثل حزب الله، فمن الأرجح أن يمنح موسكو وصولاً أكبر إلى الملف اللبناني.
وفي الحقيقة، يواجه حزب الله تحديات متزايدة في لبنان منذ الانهيار الاقتصادي للبلاد في شهر مارس من عام 2019، الأمر الذي رافقه احتجاجات واسعة تندد بالطبقة السياسية الحاكمة للبلاد، بما في ذلك حزب الله.
وأضافت بورشيفسكايا: " بالنسبة لموسكو، هناك شيئين مهمين فيما يتعلق بالوصول إلى لبنان. أولاً، من حيث أنه يساعد على ضمان نفوذ موسكو في سوريا. ثانياً، موقع لبنان الاستراتيجي على البحر الأبيض المتوسط وكذلك الأقلية المسيحية التي عمل معها الحكام الروس تاريخيا لبناء روابط وعلاقات جيدة وتوسيع نفوذ الكنيسة الأرثوذكسية الروسية".
بالإضافة إلى ذلك، نظراً لقرب لبنان من سوريا والعلاقات طويلة الأمد بين بعض الأحزاب المهيمنة في لبنان وسوريا، أصبح لبنان قناة اقتصادية لروسيا ولهذا أصبح استقرار لبنان أحد اهتمامات موسكو، حسب الموقع.
كما وقال بو منصف أن الأزمة المالية والنقدية في لبنان مرتبطة بشكل مباشر بالانخفاض الإضافي لقيمة الليرة السورية.
وفي شهر نوفمبر الماضي، قال الرئيس السوري بشار الأسد أن مليارات الدولارات التي أودعها مواطنوه في القطاع المالي اللبناني ضاعت بعد الأزمة المالية، كما وتعتمد سوريا جزئيا اليوم على الدولارات المهربة من لبنان، بالإضافة إلى أنه يتم تهريب الوقود والقمح والمواد الغذائية الأساسية المدعومة يومياً من وإلى سوريا أيضاً، وهذا يساعد في تفسير التعليقات الروسية الأخيرة الداعمة بشكل مباشر لتشكيل حكومة الحريري، حسب بو منصف.
فلاديمير بوتين وسعد الحريري
ومن جانبه قال نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف الذي التقى بعدد من المسؤولين اللبنانيين بالتزامن مع زيارة وفد حزب الله: "لقد حان الوقت للتوصل إلى تسوية تتجه نحو تشكيل الحكومة".
وقبل ذلك بشهر، شددت الخارجية الروسية على الحاجة الملحة لتشكيل حكومة لبنانية مستقرة برئاسة الحريري.
كما وقالت بورشيفسكايا: "دائما ما كانت موسكو مهتمة بلعب دور أكبر في السياسة اللبنانية، وهذه الخطوات الأخيرة تؤكد فقط أن الأمر لا يزال كذلك. حيث تنظر موسكو إلى الحريري على أنه شخص يمكنه ضمان مصالحها. وفي أواخر عام 2018، قبل الحريري المساعدة العسكرية الروسية، ولكن لسنوات عدة بعد ذلك كانت بيروت ترفض مثل هذه العروض المقدمة من روسيا، وكان القبول مهماً بشكل رمزي أكبر بكثير من قيمته الفعلية بالدولار".
بالإضافة إلى ذلك، يبدو أن الحريري قد حاول تسيير عدة مبادرات لموسكو، وقد اجتمع مع مسؤولين حكوميين روس عدة مرات في هذا الصدد، حيث عقد آخر اجتماعاته مع لافروف خلال الشهر الماضي في أبو ظبي.
وقالت بورشيفسكايا أن الحريري وقادة لبنانيين آخرين يميلون إلى رؤية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وسيطاً قادراً على توفير قناة غير مباشرة بين الرئيس بشار الأسد وخصومه اللبنانيين.
وهذه هي السمة المميزة لنهج بوتين في الشرق الأوسط، و هي تلعب دورها في لبنان أيضاً، فهو يعمل على تصوير روسيا كوسيط من خلال العمل مع جميع الجهات الفاعلة الرئيسية على الأرض، وبناء النفوذ الروسي في المنطقة بقوة متزايدة.
وفي ظل هذا النهج، ينظر إلى الدعم الروسي للحريري على أنه متجذر في الدفاع عن المصالح الروسية في سوريا. وكلما استمرت الأزمة السياسية اللبنانية، كلما ضربت الأزمة الاقتصادية سوريا بشكل مطرد.
وقال مرداسوف: "من الواضح أن روسيا تنظر إلى لبنان على أنه جزء من المسار السوري، ولذلك يمكن أن نرى أن موسكو ستسعى جاهدة لمواصلة اللعب في هذا المجال من أجل الاستفادة من نفوذها بعد التدخل في الصراع السوري. حيث أن أحد الأهداف الرئيسية الروسية في الشرق الأوسط هو عدم فقدان نفوذها في مرحلة ما بعد سوريا".
المصدر: موقع المونيتور