بين رواية 1984 لجورج أورويل والواقع الحالي .. احتدام الصراع بين القوى العظمى الثلاث

بين رواية 1984 لجورج أورويل والواقع الحالي .. احتدام الصراع بين القوى العظمى الثلاث

قد يكون من قبيل المصادفة أن روسيا كانت تكثف ضغوطها العسكرية على أوكرانيا الأسبوع الماضي في نفس الوقت الذي قعقعت فيه الصين صخب سيوفها حول تايوان، فكما قال جورج أورويل: " الربيع، سيفسد تينيسون، عندما يتحول خيال شاب إلى الحرب "، حيث يمكن أن تنطبق هذه الحكمة الملتوية حتى على القادة الكبار مثل فلاديمير بوتين وشي جين بينغ.


ففي الحقيقة، تتجه روسيا والصين نحو تحالف أوثق من أي وقت مضى، وعلى الرغم من عدم وجود دليل على وجود تواطؤ مباشر بشأن أوكرانيا وتايوان، فإن الرئيسين بوتين وشي يدركان تماما تصرفات بعضهما البعض، وأن لها تأثير متطابق وستقوم بتعزيز كل منهما للآخر، وهو وضع إدارة جو بايدن غير المختبرة في مهب الرياح العاتية.

لذلك، يمكن تصوير ما يتكشف الآن على أنه تحقيق نهائي لرؤية جورج أورويل الكابوسية، ففي روايته البائسة "1984"، تحدث أورويل عن عالم مقسم جغرافيا وسياسيا وعسكريا إلى ثلاث دول متنافسة، وهي: أوقيانوسيا (أمريكا الشمالية بالإضافة إلى بريطانيا)، أوراسيا (روسيا وأوروبا)، وإيستاسيا (الصين).

والجدير بالذكر أن نشر رواية أورويل عام 1949 قد تزامن مع تشكيل منظمة حلف شمال الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة (الناتو)، وظهور الاتحاد السوفيتي بقيادة جوزيف ستالين كقوة مسلحة نوويا، جنبا إلى جنب مع إعلان ماو تسي تونغ جمهورية الصين الشعبية.

وقد ثبت أن تنبؤ أورويل بمواجهة عالمية ثلاثية لا نهاية لها في ذلك الوقت أنه سابق لأوانه، حيث احتاجت الصين الوقت لتتطور، وانهار الاتحاد السوفيتي في نهاية المطاف، بينما أعلنت الولايات المتحدة أنها القوة العالمية أحادية القطب، وادعت النصر على الشيوعية.

ومع ذلك، ووفقا لبعض المقاييس، بات يظهر أخيرا عالم أورويل الثلاثي، حيث يبدو أن عام 2021 سيكون العام الذي تتحقق فيه روايته 1984.

فإذا كانت الصين وروسيا تتحدان حاليا ضد الولايات المتحدة والحلف التابع لها، فإن هذا يعني أننا نعيش في عالم لا يسمح فيه لقوة عظمى واحدة بالسيطرة على القوتين الأخريين.

والجدير بالذكر أنه في عام 1972، طلب ريتشارد نيكسون مساعدة الصين ضد السوفييت، وربما ستتحد الولايات المتحدة وروسيا يوما ما ضد بكين، مما يعني أنه يجب أن يكون هناك قوتين متحدتين ضد ثالثة.

بالإضافة إلى ذلك، قد يقول المدافعون عن عالم متعدد الأقطاب أن هذا الكلام مفرط في التبسيط، وأن التوازن الاستراتيجي أكثر دقة وتعقيدا، لكن ينبغي قول هذا الكلام للناس في منطقة الدونباس الشرقية بأوكرانيا وشبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا، الذين يواجهون حشودا عسكرية روسية مهيبة على طول خط التماس.



اختبار روسي للولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو في أوكرانيا

وعلى الرغم من إجماع المحللين على أن بوتين لا ينوي غزو أوكرانيا، لكن ما الذي ينوي فعله بكل هذه التحركات؟. حيث يشير المدافعون عنه إلى أنه قد تم استفزازه بمرسوم أوكراني أصدر الشهر الماضي، والذي أعلن فيه نية أوكرانيا إعادة السيطرة على شبه جزيرة القرم، التي استولت عليها روسيا في عام 2014، وبتجديد الحديث عن نية أوكرانيا الانضمام إلى حلف الناتو، وهو أمر ترفضه روسيا رفضا قاطعا.

لكن التفسير الأكثر اعتدالا لما يجري الآن هو أن موسكو تضغط على كييف لكسر الجمود فيما يسمى بعملية السلام في مينسك، وذلك بعد انهيار اتفاقية وقف إطلاق النار الأخيرة في الدونباس، حيث تمتع بوتين بزيادة كبيرة في شعبيته بعد ضم شبه جزيرة القرم.

وعلى الرغم من ذلك، يتعرض بوتين لانتقادات شديدة في الداخل والخارج من أنصار الناشط المعارض أليكسي نافالني، ولهذا السبب يقول معارضوه أن الحشد العسكري على الحدود الأوكرانية يبدو وكأنه إلهاء محسوب للأغراض السياسية المحلية.

ومع ذلك، ربما يهدف بوتين من ذلك إلى اختبار تصميم الولايات المتحدة وأوروبا في المنطقة عمدا، فهو لن ينسى كيف تعهد جورج دبليو بوش بتقديم دعم لا ينتهي لحكومة جورجيا الديمقراطية الجديدة في عام 2005، ثم تهرب من الأمر عندما اندلعت الحرب مع روسيا في عام 2008، تاركين جورجيا تنهار وحدها تحت وابل القوات الروسية.

فكما أشار المحلل تيد جالين كاربنتر الأسبوع الماضي، قد يفعل البيت الأبيض وبايدن نفس الشيء من خلال الاعلان عن دعم الولايات المتحدة الثابت لسيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها في مواجهة العدوان الروسي المستمر في دونباس وشبه جزيرة القرم، وأنها ستنسحب في نهاية المطاف خوفا من التصادم مع روسيا، ما سيترك أوكرانيا فريسة سهلة وكبش فداء لصراعات القوى العظمى.

كما وكتب كاربنتر قائلا: " إن أوجه التشابه بين تشجيع واشنطن المفرط لأوكرانيا وخطأ بوش الفادح فيما يتعلق بجورجيا مخيف ومثير للقلق، فالولايات المتحدة وحلف الناتو لن يخوضا حربًا مع روسيا لحماية شرق أوكرانيا بالتأكيد، لأنهم يدركون أنه إذا ما فعلا ذلك ستتدخل الصين وسنشهد حربا عالمية ثالثة طاحنة ".

وفي الحقيقة، هذا هو المكان الذي يكمن فيه الخطر العالمي الحقيقي، في الفجوة الضبابية بين الأقوال والأفعال في الصراع الثلاثي المكثف بين القوى العظمى المتمثلة في روسيا والصين والولايات المتحدة الأمريكية.



محاصرة الصين لتايوان .. صرف انتباه أم خطة ممنهجة

أما بالنسبة إلى زعيم الصين، فهو قد يبدو رجلا فاسدا لكنه رجل حكيم ويميل إلى التفكير بالدرجة الأولى، وقد عانى الكثير من الويلات على أيدي الغرب، بما في ذلك اتهامات بالإبادة الجماعية في شينجيانغ، والوحشية في هونغ كونغ، والعدوان في البحار حول الصين، ولكن ما الذي يدفعه الآن لجعل قواته تحاصر تايوان؟

إن إحدى الإجابات هي أن شي قد يأمل في صرف الانتباه عن مشاكله الداخلية، فربما يواجه تحديات غير مرئية داخل الحزب الشيوعي الصيني، والأرجح أنه يرغب في الاحتفال بالذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني في شهر يوليو من خلال قهر ما كان آخر معقل لقوميين شيانغ كاي شيك (تايوان).

والجدير بالذكر أن إعادة توحيد تايوان مع الصين من شأنه أن يعزز إرث شي، كما أن توثيق العلاقات الشخصية والاستراتيجية والعسكرية مع روسيا وزعيمها بوتين يعني أنه لن يواجه أي تراجع من هذا الجانب، وبالتأكيد سيحظى ببعض التصفيق.

كاتب المقال: سيمون تيسدال  الخبير في الشؤون الخارجية ، كاتب و محرر أجنبي أمريكي في صحيفة الغارديان .

المصدر: صحيفة الغارديان