كتب حسين إبراهيم في صحيفة الأخبار بأن اليونان ظلت طوال الفترة السابقة بعيدة عن صراعات المنطقة، لكن اكتشاف الغاز في البحر المتوسط والتحركات التركية الأخيرة جعلت اليونان تقفز للحضن الخليجي الإسرائيلي.
حيث شاركت اليونان في اجتماع رباعي في بافوس ضمّ أنور قرقاش ووزيرَي خارجية إسرائيل وقبرص (أ ف ب )
لكن الأزمة الاقتصادية المستمرة إضافة إلى السياسات اليمينية دفعت اليونان إلى اللحاق بالحلف الخليجي الإسرائيلي، لتخفيف معاناتها أملا بالأرباح، وتساءلت الأخبار إن كانت المكاسب التي ستحققها اليونان بحضارتها العريقة تساوي ما ستخسره جراء استعداء شعوب المنطقة الصديقة لها وخاصة في اليمن وفلسطين، حيث يرتكب الاحتلالان السعودي – الإماراتي، والإسرائيلي، أعمال قتل يومية بحق الأبرياء؟
وذكرت الأخبار بمواقف اليونان المناصرة للقضايا العربية وخاصة الفلسطينية، وتروي حكاية الفنان العالمي، ميكيس ثيودوراكيس، مؤلّف موسيقى فيلم «زوربا اليوناني»، حين تأزّر بالكوفية أمام اجتماع لـ«المجلس الوطني الفلسطيني» في بيروت في بداية عام 1982، ليعزف نشيداً كان قد لحّنه، بطلب من ياسر عرفات، وعلى رغم أنه زار إسرائيل قبل ذلك، إلا أنه وصفها بأنها أساس الشرور في العالم، التاريخ يُسجّل أيضاً، تضامن اليونان، تحت قيادة الاشتراكي أندرياس باباندريو، مع لبنان والفلسطينيين خلال حصار بيروت صيف 1982، بتظاهرات كبرى، وحملات شعبية لإغاثة المحاصرين، ودور رسمي تَمثّل في إرسال سفن تجارية لإخراج مقاتلي «منظّمة التحرير» من بيروت، حينها كان حزب «الباسوك»، الواصل إلى السلطة قبل عام، ثورياً بكلّ ما للكلمة من معنى ولم يكن راضياً لا عن عضوية اليونان في «الناتو»، ولا في السوق الأوروبية المشتركة، لكن باباندريو وجد أنه لا يمكن لحزبه الاستمرار في الحكم، إلا بتصالح نسبي مع واقع البلاد كجزء من هاتين المنظومتين.
لكن اكتشاف الغاز في البحر المتوسط قلب كل القيم والمفاهيم اليونانية، فالحكومة اليمينية في اليونان انخرطت في الأحلاف المناهضة لحلف المقاومة من جهة ولتركيا من جهة لتحقيق مكاسب اقتصادية، رغم ادراكها بأن تصرفاتها ستنقلها إلى موقع العدو مع شعوب كانت فيما مضى صديقاً لهم.
وبحسب الأخبار فإن اليونان وخلال أسبوع واحد، وقّعت صفقة عسكرية مع السعودية، تلاها لقاء لوزير خارجيتها نيكوس ديندياس بمحمد بن سلمان، ثمّ عَقدت صفقة أخرى مع إسرائيل، وشاركت في اجتماع رباعي في بافوس ضمّ المستشار أنور قرقاش من الإمارات، ووزيرَي خارجية العدو غابي أشكنازي، وقبرص، نيكوس كريستودوليديس، كما استضافت مناورات «إينوخوس» الجوّية بمشاركة طائرات حربية إماراتية وإسرائيلية، وبالعودة قليلاً إلى الوراء، وقّعت الإمارات واليونان، في تشرين الثاني الماضي، اتفاق شراكة استراتيجية تتضمّن تعاوناً نفطياً ودفاعياً، ثمّ في شباط الفائت، اجتمع مسؤولون من السعودية والإمارات والبحرين ومصر واليونان وقبرص في أثينا، لإظهار الدعم لليونان في الخلاف مع تركيا على غاز شرق المتوسط، وأصبحت اليونان شريكاً في العدوان السعودي - الإماراتي على الشعب اليمني، من خلال صفقة نشر صواريخ «الباتريوت» مع 130 عسكرياً يونانياً لتشغيلها على أراضي السعودية، لحماية منشآت النفط السعودية من صواريخ «أنصار الله» ومسيّراتهم، وإذا كانت الذريعة اليونانية أن هذه المنظومة دفاعية، فإن هدفها حرمان اليمنيين من أبسط حقوقهم في الدفاع عن أنفسهم، في وجه العدوان والحصار، فدخول هذه المنظومة الصاروخية الذي يشمل تطوير نظام «الباتريوت» من «باك 1» إلى «باك 2»، جاء للتعويض عن النقص، بعد قرار الإدارة الأميركية السابقة في أيار 2020، سحب جزء من بطّاريات «الباتريوت» التي كانت تنشرها في المملكة، وكذلك بعد قرار جو بايدن الحدّ من مبيعات السلاح للسعودية، بسبب حرب اليمن.
كما وقعت اليونان صفقة هي الأضخم لها مع اسرائيل، لبناء وتشغيل قاعدة لتدريب الطيّارين اليونانيين على مدى 22 عاماً، في تموضع واضح ضد الفلسطينيين، وكذلك يمكن لأثينا ،كذلك، أن تكون متورّطة في عدوان على إيران لو غامرت فيه واشنطن، حينما أعلنت استعدادها للسماح للولايات المتحدة باستخدام قواعدها الجوية لشنّ مثل هذا الهجوم، لكن طهران سارعت إلى تحذير اليونان من أنها ستردّ على الأراضي اليونانية، إذا انطلق منها أيّ عدوان أميركي، يُضاف إلى ما تقدّم أن اليونان متواطئة مع إسرائيل في الاعتداء على حقوق لبنان في نفطه وغازه، من خلال توقيع اتفاقية «شرق المتوسّط» التي ضمّتهما إلى قبرص وإيطاليا ومصر، لمدّ أنبوب غاز تحت البحر بطول 1900 كيلومتر، يوصل الغاز إلى أوروبا، قبل التوصّل إلى اتفاق لترسيم الحدود بين لبنان والعدو، لكن لحسن الحظّ، يبدو أن هذا المشروع يواجه مشكلة تمويلية بفعل خوف المموّلين المحتملين من المغامرة قبل الترسيم، ما قد يؤدّي في مرحلة ما إلى استهداف منشآته من قِبَل المقاومة.
وختمت الأخبار بأن أثينا برئاسة حكومة اليمين ومن خلال سعيها إلى تحقيق أرباح اقتصادية ولو على حساب الوقوف خلاف معتقداتها الماضية بجانب الباطل والمعتدي، فإن سلوكها جاء متأخراً لأن التجارب أثبتت حتى للدول الاستعمارية أن الخسائر الناجمة عن سوء السمعة تفوق أرباح بيع الأسلحة التي تسبب كوارث إنسانية، وها هي اليونان ترث أمريكا في صفقة أسلحة ملغاة وسترث سوء السمعة ايضاً بعد قرار الولايات المتحدة حد بيع الأسلحة للسعودية.
المصدر: الأخبار اللبنانية