أخبار

كوبا: واشنطن متنمر يتنكر بزي المنقذ

18 تموز 2021 20:33

قالت الإدارة الأمريكية إنها ستساعد أمريكا الوسطى على محاربة الفساد، وستكافح "الأسباب الرئيسية" للهجرة في المكسيك وأمريكا الوسطى، وإنها تريد مساعدة الشعب الكوبي باكتساب الحرية أيضاً.

بيد أن سجل الولايات المتحدة المحلي والأجنبي يوضح أن واشنطن ليست مؤهلة لتعليم أي شخص عن الديمقراطية أو مكافحة الفقر أو إنهاء الفساد أو أي شيء يتعلق بحقوق الإنسان، وإنما يهدف خطابها الأخير فيما يتعلق ببلدان أمريكا اللاتينية إلى تلبيس نفسها، وهي المتنمر، لباس المنقذ.

من خلال التسبب مباشرة في الجوع ونقص الأدوية، وتضخيم المشاكل القائمة، كانت الولايات المتحدة تؤطّر تدخلها وهيمنتها في بلدان معينة كمساعدة لا يمكن لأحد أن يعارضها على نحو معقول، إذ يصعب خطاب المساعدة هذا على كثير من الناس إدراك الأجندة الحقيقية والمصالح السياسية للولايات المتحدة، ويسهل كثيراً على وسائل الإعلام الرئيسية التستر على رغبة الولايات المتحدة في زيادة استغلالها لأمريكا اللاتينية.

في حديثها عن تقديم المساعدة، تروج واشنطن أن الدعم المالي للمجموعات المناهضة للحكومة مساعدات، لا سيما من خلال الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، فإحضار زعيم مؤيد للولايات المتحدة يصَّور على أنه إطاحة بديكتاتور قاسي. وبناء المدن حيث يمكن للشركات والمصانع الأمريكية أن تفعل ما تشاء (أي مناطق العمل والتنمية الاقتصادية في هندوراس، أو المجمعات الصناعية في المكسيك) وفرض سياسات الخصخصة على البلدان الفقيرة يسمى "حرية" و"ديمقراطية" أو "استثماراً" أو "دعماً اقتصادياً".

وفي حين تسبب الحصار الأمريكي لكوبا على مدى العقود الستة الماضية في خسائر تقدر بأكثر من 144 مليار دولار لاقتصاد البلاد، وقف الرئيس الأمريكي جو بايدن الأسبوع الماضي مع الاحتجاجات في البلاد، ودعا إلى "التخفيف من القبضة المأساوية للجائحة.. والمعاناة الاقتصادية"، متناسياً أن الحصار هو ما يسبب عجزاً حاداً في كوبا وأزمة نفطية، ويصعب على البلاد تصنيع ما يكفي من اللقاحات.

وتحدث موقع "ديموكراسي ناو" إلى دانيال مونتيرو، وهو صحافي مستقل اعتقل خلال الاحتجاجات. أشار مونتيرو في حديثه إلى أن وسائل الإعلام تخطت حقيقة أن معظم المعتقلين أفرج عنهم في اليوم نفسه، وأن هناك عنفاً يرتكبه الشرطة والمتظاهرون، وقال إن العقوبات كانت السبب الرئيسي للصعوبات الاقتصادية، وإن دعوة الكوبيين الأمريكيين في فلوريدا إلى التدخل العسكري في كوبا كانت "من أسوأ السلوكيات الاستعمارية التي رأيتها في حياتي".

نفاق

دعا بايدن الحكومة الكوبية إلى "الامتناع عن العنف" – وهذا نفاق بالنظر إلى جرائم القتل والقمع التي تمارسها الشرطة في بلده. وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين بساكي، مستخدمة خطاب المنقذ والمخلص، دون النظر في إلغاء العقوبات: "إننا بفكر بالطريقة التي تمكننا من مساعدة الشعب الكوبي".

في الأثناء، قدمت نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس عرضاً لمساعدة أمريكا الوسطى والمكسيك عبر معالجة الفساد ظاهرياً و"الأسباب الرئيسية" للهجرة في المنطقة، ومرت سبعة أشهر من هذا العام ولم تصل أي مساعدة فعلية، لكنها قالت للمهاجرين الفارين خوفاً على حياتهم ألا يأتوا إلى الولايات المتحدة، وأبقت الولايات المتحدة حدودها مغلقة، في انتهاك صارخ لحقوق الإنسان وقوانين طالبي اللجوء الخاصة بها.

وأعلن البيت الأبيض في حزيران/يونيو الماضي "محاربة الفساد" في أمريكا الوسطى وجعله مصلحة من مصالح الأمن القومي الأمريكي، وتعد المصلحة الأمنية بصورة عامة رمزاً للحرب والتدخل والهجمات على البلدان التي لا تساير مصالح الولايات المتحدة. علاوة على ذلك، شاركت وزارة الخارجية في عملية "كار ووش" في البرازيل لمكافحة الفساد والتي أدت إلى اعتقال الرئيس المناصر للفقراء لويس إيناسيو لولا. ووصف مدع عام أمريكي سجن لولا أنه "هدية من وكالة المخابرات المركزية".

وخلال مؤتمر صحفي عقد في أيار/مايو، ألمحت هاريس إلى النوايا الحقيقية للولايات المتحدة في ما يسمى بمكافحة الفساد، إذ قالت "نعلم أيضاً أن الفساد في المثلث الشمالي يمنعنا من تهيئة الظروف على الأرض لجذب الاستثمار بشكل أفضل"، حتى إن بيان البيت الأبيض يعترف بأن جهود مكافحة الفساد تدور حول تأمين "أفضلية حاسمة للولايات المتحدة".

وأصدرت الحكومة الأمريكية مؤخراً قائمة بالشخصيات الفاسدة النافذة في أمريكا الوسطى الذين سترفض منحهم تأشيرات دخول للولايات المتحدة. وتشمل القائمة رئيس هندوراس السابق خوسيه لوبو، الذي ساعدت الولايات المتحدة في توليه السلطة عبر دعم انقلاب عام 2009، والمستشار القانوني الحالي للرئيس السلفادوري، لكنها لا تشمل الرئيس الهندوراسي الحالي خوان هيرنانديز الذي ثبت إجرامه، ما يشير إلى أن المصالح السياسية هي الأساس الذي يحدد الشخصيات المختارة.

تريد الولايات المتحدة أيضاً زيادة تمويل ودعم موارد الجهات الفاعلة في البلدان الأجنبية الذين "يظهرون الرغبة في الحد من الفساد" (وهذه صياغة غامضة) وتعزيز "الشراكات مع القطاع الخاص". وسيؤمن فريق عمليات لمكافحة الفساد "تدريباً" لسلطات أمريكا الوسطى وسيجري نشر خبراء إنفاذ قانون من الولايات المتحدة "لتوفير التوجيه اللازم". وهنا، تجدر الإشارة إلى سجل الولايات المتحدة الطويل في تدريب قادة الانقلاب والقادة العسكريين القمعيين.

استراتيجية تضمن الامتثال

ظلت الولايات المتحدة على مدى قرن على الأقل بعلاقة مسيئة مع أمريكا اللاتينية، حيث استخدمتها كمصدر للعمالة الرخيصة، ونهبت أراضيها من أجل المعادن، وسلبت مواردها، وطالبتها باستبداد الامتثال الكامل لسياساتها التجارية ذات المنفعة الذاتية.

وعندما ترفض الدول الانصياع، وتؤكد هويتها، وتكافح من أجل كرامتها، وتكافح الفقر، تستجيب الولايات المتحدة لذلك، إذ دعمت الثورة المضادة في نيكاراغوا بالمال والتدريب، ونفذت وكالة المخابرات المركزية انقلاباً للإطاحة برئيس غواتيمالا جاكوبو أربينز، ووقفت الولايات المتحدة إلى جانب مدبري الانقلاب في بوليفيا مؤخراً، ودعمت مراراً الحركات المناهضة للديمقراطية للإطاحة بهوغو شافيز في فنزويلا، وحاول مراراً اغتيال الرئيس الكوبي أو عزله.

وهي تدعم بشكل منهجي الحكومات القمعية والمحافظة لأنها اللتي تحمي مصالحها التجارية. وعلى الرغم من خطابها الحالي حول "الأسباب الجذرية للهجرة"، تعارض الولايات المتحدة باستمرار وبعنف الحركات والحكومات التي تقف إلى جانب الفقراء.

لدى الولايات المتحدة، ووسائل الإعلام السائدة المتمركزة فيها، مجموعتان من المعايير: واحدة للدول المتمردة، والأخرى للدول الموالية للولايات المتحدة.

لهذا السبب تتحدث الولايات المتحدة ووسائل الإعلام عن الاعتقالات في كوبا، مع التزام الصمت بشأن إخفاء النشطاء والصحفيين في المكسيك. ولهذا السبب تحدثت وزارة الخارجية الأمريكية عن "عنف وتخريب" المتظاهرين في كولومبيا مؤخراً بدل انتقاد القمع الوحشي. ودعم بايدن علناً خطة كولومبيا (التي تسمى حالياً سلام كولومبيا)، ما يجعل البلاد واحدة من أكبر مشتري المعدات العسكرية الأمريكية.

كما أن مجموعتا المعايير هما سبب حديث وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين عن السماح للكوبيين "بتقرير مستقبلهم بأنفسهم"، وهو أمر لن ينادي به أبداً في معظم البلدان الأخرى في العالم، حيث يستبعد الأغلبية من صناعة القرار الاقتصادي والسياسي.

أي مساعدة أو عون من الولايات المتحدة تأتي دائماً بشروط ودوافع خفية، وبصرف النظر عن مدى تعقيد مناوراته، لن يساعد المتنمر أي شخص في الواقع.


Consortiumnews