أزمة اقتصادية تلوح في الأفق مع استمرار الاحتجاجات في لبنان وانهيار لليرة اللبنانية مقابل للدولار

أزمة اقتصادية تلوح في الأفق مع استمرار الاحتجاجات في لبنان وانهيار لليرة اللبنانية مقابل للدولار
بعد أن دامت الأزمة اللبنانية لأشهر، أصبح يواجه لبنان أزمة اقتصادية جديدة، لأن آثار السياسات طويلة الآجل أصبحت تنهار لتؤثر بشكل سلبي يوماً بعد يوم على حياة المواطنين. وأغلقت المصارف في جميع أنحاء لب

بعد أن دامت الأزمة اللبنانية لأشهر، أصبح يواجه لبنان أزمة اقتصادية جديدة، لأن آثار السياسات طويلة الآجل أصبحت تنهار لتؤثر بشكل سلبي يوماً بعد يوم على حياة المواطنين.

وأغلقت المصارف في جميع أنحاء لبنان أبوابها هذا الأسبوع لحماية الموظفين من العملاء الغاضبين الذين يطالبون بدولاراتهم، لذلك تمت إعادة توجيه هذا الغضب شركات الصرافة الخارجية، والتي ترفض أيضاً منح الدولار للعملاء بغض النظر عن حجم حساباتهم البنكية.

قالت سونيا بدران، وهي أم لأربعة أطفال ومتزوجة من مصلح مصاعد، بعد زيارتها الفاشلة إلى البنك للمرة الثالثة هذا الأسبوع: "أريد دولاراتي".

وتابعت بدران إن الاحتجاجات المناهضة للحكومة يجب أن تستمر إلى أن يتم حل أزمة الدولار والأزمة الإقتصادية الحالية.

وأضافت بدران: "دعم يبقون في الشوارع، فهذا غير مقبول حقاً".

وبعد ما يقرب من شهر من الاحتجاجات الجماهيرية التي تنتقد النخبة السياسية في لبنان بسبب الفساد وسوء الإدارة، تتصادم المشاكل الاقتصادية الطويلة الأمد في البلاد بشكل متزايد مع الحياة اليومية لمواطنيها.

وازدادت قيمة الدولار الأمريكي، والذي استخدم منذ فترةٍ طويلةٍ جنباً إلى جنب مع الليرة اللبنانية، لأن المخاوف من الاضطرابات السياسية تسببت في محاولة المزيد من الناس لسحب أموالهم من البنوك، لذا كافح أرباب العمل لدفع الرواتب والمستأجرين لدفع الإيجار والتجار لدفع ثمن السلع والخدمات المستوردة من الخارج.

ويقول المحللون والاقتصاديون، إن الحلول المنقذة للوضع الراهن، تبدو بعيدة المنال، فقد تراكمت المشاكل الأساسية لفترةٍ طويلةٍ بحيث لا يمكن حلها إلا من خلال سياسات طويلة الأجل قد تكون مؤلمة وصعبة التحقيق. حيث أن تنفيذ مبادرات الإصلاح الحقيقية التي قد تستطيع حل الأزمات الحالية يتطلب حكومةً قوية، يفتقر إليها لبنان بشدة.

وقال ناصر السعيدي، وزير الاقتصاد اللبناني السابق: "إن المشكلة الأساسية هي أن السياسات الحالية غير مستدامة، حيث أن وضع البلد على المسار الصحيح يتطلب في وقتٍ واحد التعامل مع العجز الكبير في الميزانية وخفض الدين العام، وهي مهمةٌ ضخمةٌ ومعقدة للغاية. فليس لدينا الكثير من الخيارات حقاً، فنحن نقف على شفير الهاوية وننظر للأسفل، وإن لم نتحرك الآن ونتخذ قرارات مصيرية، فلا أحد يعلم ما الذي قد يحدث ".

وبعد شهرٍ واحد من الاحتجاجات الجماهيرية الغاضبة، كان الانتصار الرئيسي للمتظاهرين هو استقالة رئيس الوزراء سعد الحريري بتاريخ 29 أكتوبر.

وكان هناك حديثٌ اليوم الجمعة بأن الأحزاب السياسية الرائدة في البلاد قد وافقت على ترشيح محمد الصفدي، وزير المالية السابق، خلفاً له في رئاسة الوزراء.

وقال وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل لمحطة تلفزيونية محلية إن السيد الصفدي قد يبدأ في محاولة تشكيل حكومة جديدة الأسبوع المقبل. لكن هذه العمليات غالباً ما تستغرق شهراً في لبنان، ولم يتضح بعد حجم الدعم الذي تلقاه السيد الصفدي لتنفيذ مهمته.

ولم يكن واضحاً ما إذا كان تعيينه سيخفف من حدة الاحتجاجات، ومن نواحٍ كثيرة، الصفدي فاحش الثراء والبالغ من العمر 75 عاماً، والذي يتمتع بعلاقاتٍ تجاريةٍ واسعة مع المملكة العربية السعودية، ينتمي إلى نفس فئة القيادة السياسية التي خرج المتظاهرون إلى الشوارع للتخلص منها.

وقال مايكل يونج، المحرر رئيسي في صحيفة كارنيجي للشرق الأوسط في بيروت، إن أي حكومة جديدة لا تملك قبولاً من المتظاهرين سوف تكافح من أجل تطبيق سياسات هادفة وبناءة.

وأضاف: "إن أي حكومة لا تلبي مطالب الجماهير اللبنانية ستبدأ بحفر حفرتها بنفسها، وستكون حكومةً يعارضها الشعب ولن يكون لها سوى القليل من الشرعية والقدرة على فرض الاصلاحات المطلوبة".

بالإضافة إلى تهدئة الأزمة السياسية المباشرة في البلاد، سيتعين على أي حكومة جديدة أن تتعامل مع المشاكل الاقتصادية ذات الجذور العميقة، والتي ظلت تتراكم لسنواتٍ طويلة، وسيكون عليها حل أزمة الدولار الأمريكي وتمكين المواطنين من سحب أرصدتهم من الدولار من البنوك.

واستخدم اللبنانيون الدولار الأمريكي والليرة اللبنانية في وقتٍ واحد لأكثر من عقدين من الزمن، وهو ترتيبٌ أصبح ممكناً بفضل سياسة البنك المركزي التي أبقت سعر الصرف ثابتاً عند حوالي 1500 ليرة لبنانية للدولار الواحد.  وتم استخدام العملتين بشكلٍ متبادل في الحياة اليومية بحيث كان من الشائع دفع ثمن وجبة أو سيارة أجرة بعملة واحدة وتلقي الفكة بالعملة الأخرى، أو في مزيج من العملتين معاً.

لكن الحفاظ على هذا المعدل يتطلب جلب دولاراتٍ جديدة بشكلٍ مستمر إلى البلاد، وكان يتم ذلك عادةً عن طريق تحفيز المستثمرين الأثرياء على عمل ودائع كبيرة بالدولار لارتفاع أسعار الفائدة، وهي استراتيجيةٌ قارنها بعض الاقتصاديين بمخطط بونزي الاقتصادي.

وقال دان عزي، وهو مسؤولٌ تنفيذي سابق في البنك المركزي اللبناني وبروفيسور القيادة المتقدمة في جامعة هارفارد: " نوعاً ما، ما يتم في لبنان هو تطبيق واقعي لمخطط بونزي، بخلاف الجزء الاحتيالي منه ".

ونجحت هذه السياسة لفترةٍ طويلة، لكنها تعرضت لبعض الانتكاسات خلال السنوات الأخيرة حيث كان على البنك المركزي تسديد قيمة الفائدة المرتفعة التي وعد بها في الوقت الذي أخافت فيه الاضطرابات الإقليمية العديد من المستثمرين الجدد.

ومع مرور الوقت، نمت الفجوة بين ما كسبه المستثمرون على الورق والمال الحقيقي الموجود في البنك المركزي اللبناني.

وقال السيد عزي: " إنه ما يحدث في البنك المركزي أمر شبه سري، فهي مشكلة افتراضية من ناحية تقنية، ولكنها مشكلة نظرية انتشرت وأثرت على العالم الحقيقي أيضاً".

كما ارتفاع الطلب من جانب كل من المستثمرين الأثرياء وعملاء البنوك من الطبقة المتوسطة على العدد المحدود من الدولارات، يعني أنه لا يوجد ما يكفي من الخيارات للبنك المركزي للالتفاف أو المماطلة.

وأضعف ذلك بالفعل العلاقة بين الدولار والليرة اللبنانية، التي انخفضت قيمتها في السوق السوداء، بالإضافة إلى تقويض ثقة الجماهير في البنوك.

في فترة ما قبل بدء الاحتجاجات الشهر الماضي، تم سحب حوالي 3 مليارات دولار من البنوك اللبنانية، حسبما صرح محافظ البنك المركزي رياض سلامة للصحفيين هذا الأسبوع.

 كما أنه تم سحب ملياري دولار أخرى بعد إعادة فتح البنوك بعد الأسبوعين الأولين من الاحتجاجات.

وأصر السيد سلامة على أن الودائع كانت آمنة، وأنه لم يتم وضع قيود رسمية على عمليات السحب بالدولار، لكن العديد من البنوك فرضت قيوداً غير رسمية وغير ثابتة، ولم يتم الإعلان عنها للجمهور بشكل علني حتى الآن.

ووسط غضبٍ متزايد بسبب تلك القيود، بدأ موظفو البنك إضراباً مفتوحاً يوم الثلاثاء، قائلين إنهم بحاجة إلى حماية من العملاء الغاضبين من سياسات وقيود البنوك.

وعندما تم إغلاق البنوك، توقف الكثيرون من شركات الصرافة عن صرف الدولارات، ووضعوا قيوداً جديدة على معاملات الديون وبطاقات الائتمان.

وقال المحامي كريم نمور، التابع لجماعة The Legal Agenda، وهي جماعة للدفاع عن حقوق الإنسان، إنه من غير الواضح ما إذا كانت هذه الممارسات قانونية، حيث لا يوجد قانون يجيزها.

وأضاف نمور: "نحن نعيش الآن في وضعٍ دون أساسٍ قانوني تماماً ".

بينما تسبب عدم القدرة على الحصول على الدولار في مجموعة من المشاكل للأشخاص الذين يدفعون الرسوم المدرسية أو الإيجار بالدولار والشركات التي تعتمد على الدولارات لدفع ثمن السلع أو الخدمات الأجنبية المستوردة.

كما اختفت بعض المنتجات الأجنبية من رفوف المحلات التجارية، ونفدت محطات الوقود من الوقود مؤخراً، حتى تدخلت الحكومة للتأكد من أن تجار الوقود يمكنهم دفع ثمن الواردات.

وقال إيلي أبيض، الذي يمتلك وكالة سفر مع ستة موظفين في بيروت، إنه كافح من أجل الاستمرار في عمله لأن جميع تذاكر الطائرات الأجنبية وحجوزات الفنادق يجب أن تتم بالدولار، وهو الأمر الذي حدّ مصرفه المحلي من قدرته على استخدامه.

كما حاول الحصول على أموال من فروع البنوك ومحلات الصرافة ولكن دون جدوى، ودفع لموظفيه نصف رواتبهم بالليرة اللبنانية لأنه لم يستطع الحصول على ما يكفي من الدولارات.

وعلى الجانب الآخر، تعثرت خطط زبائنه أيضاً بسبب اللوائح الجديدة، لأنه لا يمكن سحب الدولارات لدفع ثمن الرحلات الخارجية.

وفي جميع أنحاء البلاد، يجرب العديد المواطنين حظهم في محلات الصرافة في ظل إغلاق البنوك، لمعرفة ما إذا كان بإمكانهم الحصول على أي دولارات، الأمر الذي ظل بلا جدوى حتى الآن.

وقال ريموند حداد، المسؤول المتقاعد من اليانصيب الوطني في لبنان، إنه ليس لديه طريقةٌ لدفع القسط التالي على جهاز كمبيوتر لابنه لأن التاجر لن يقبل إلا الدولارات وبنكه سيعطيه المال بالليرة اللبنانية فقط.

وقال السيد حداد: "إنهم بحاجة إلى تشكيل حكومة جديدة لإخراجنا من هذه الأزمة الخانقة، ولكن يجب أن تكون حكومةٌ تبني الثقة، وليست مجرد حكومة شكلية أخرى".