في ظل شح الأدوية الشديد الذي يشهده لبنان، ومعاناة المرضى الذين تحول سعيهم وراء الدواء إلى عملية بحث دؤوب يومية، تجلى اليوم جشع المحتكرين بأبشع الصور، بعد أن عثر على أطنان من الأدوية، التي يفترض أنها "مفقودة"، مخزنة في مستودعاتهم، دون الاكتراث لحال إخوانهم اللبنانيين، الذين وصل بهم الأمر إلى حال يندى له الجبين ويدمى له القلب.
واليوم، أجرى وزير الصحة العامة في حكومة تصريف الأعمال، حمد حسن، جولة كشف ميداني على مستودعات أدوية وحليب أطفال في أكثر من منطقة لبنانية، للتحقق من حركة بيع الأدوية وتوزيعها في ضوء الفواتير التي استلمتها وزارة الصحة العامة من المصرف المركزي، والتي تظهر الحوالات المالية التي استلمتها الشركات.
وكشف الوزير خلال الجولة وجود أطنان من الأدوية المخزنة في المستودعات، وهي أدوية ضرورية لشتى الأمراض، ولا سيما الأمراض المزمنة، ويشاع أنها مفقودة في السوق، وذلك إلى جانب كميات كبيرة من المضادات الحيوية وحليب الأطفال.
بدأت الجولة في مستودع للدواء لثلاث شركات في منطقة جدرا، عُثر فيه على كمية كبيرة من الأدوية المفقودة في السوق اللبناني، من بينها أدوية سكري وكلى وأنسولين وأدوية الضغط والتجلطات ومضادات حيوية وأدوية الصرع والحروق ومسكنات الآلام وحماية المعدة.
ورافق الوزير دورية من مكتب مكافحة الجرائم المالية وتبييض الأموال التابع للشرطة القضائية في قوى الأمن الداخلي، وأحيل الملف إلى القضاء لمتابعة التحقيق.
وأكد الوزير حسن على فرق التفتيش الصيدلي التابعة لوزارة الصحة العامة وجوب استكمال الكشف وتتبع الأدوية الموجودة في المستودع، عبر مقارنة الفواتير الموجودة فيه مع الفواتير التي استلمتها وزارة الصحة العامة من المصرف المركزي، والتي تظهر تسلم المستودع ما يقارب مليوني دولار.
وصرح حسن أن "أطنان الأدوية الموجودة تقسم إلى ثلاثة: قسم أول من أدوية مدعومة يتم صرفها تباعاً، وقسم ثان من أدوية مجمد صرفها في انتظار الحصول على موافقة بتغطيتها من قبل المركزي بناء على موافقة وزارة الصحة، وقسم ثالث وهو الأهم ويتضمن كميات كبيرة من الأدوية المدعومة والمغطاة بحوالات من المركزي ولا تصرف في السوق، وهي أدوية ضرورية جداً من بينها كريمات بالآلاف لمداواة الحروق في وقت افتقد مصابو كارثة التليل وجود ما يهدئ أوجاعهم".
وأردف: "إن هذا الوضع يدعو إلى التساؤل عن هذا الإجرام في الاتجار غير الشرعي بصحة المواطن"، مشيراً إلى أن "الخلل واضح سواء من خلال المسؤولية المباشرة وغير المباشرة بالنسبة إلى التحويلات المالية، أم من خلال المسؤولية المباشرة لشركات الأدوية بالتردد في صرف الأدوية وسط الشح الحاصل".
وأكد "استمرار التحقيقات لتحديد المسؤوليات علماً بأن الارتكاب واضح وسيكون هناك مجرى قضائي ومالي وإداري".
من ثمّ دهم الوزير حسن مستودعاً للدواء في العاقبية جنوب لبنان، عُثر فيه على أدوية لداء الصرع والغدة وغير ذلك من أدوية الأمراض المزمنة، إلى جانب عدد كبير من أدوية OTC وعلب حليب الأطفال.
وفي اتصال مع المدعي العام المالي في جنوب لبنان القاضي رهيف رمضان "تقرر إقفال المستودع ليلاً بالشمع الأحمر، فيما أصدر الوزير حسن قراراً استثنائياً ببيع الأدوية الموجودة للعموم والصيدليات ولا سيما حليب الأطفال والأدوية الضرورية، وذلك ابتداء من صباح غد بحضور التفتيش الصيدلي التابع لوزارة الصحة العامة حرصاً على حصول المشترين من الأفراد على الكميات التي يحتاجون إليها فقط، والصيدليات على ما يحق لها وفق القانون".