هل تشعر الحشرات بالألم مثلنا؟

عالم الحيوان

أدلة متنامية على أن الحشرات تشعر بالألم مثلنا تماماً

10 تموز 2022 12:47

لطالما اعتبرنا الحشرات مخلوقات غريزية لا عقل لها، وأنها تملك ردود فعل آلية تجاه العالم وكل محفزاته. لكن كلما دقننا النظر، نجد سلوكيات معقدة تثير الدهشة، من تواصل النحل مع بعضه عبر الرقص إلى مآثر لا تصدق للتعاون بين النمل، واليوم توفرت لدينا أدلة متنامية على أن هذه المخلوقات الصغيرة التي تدير عالمنا قد تشعر أيضاً بالألم.

أين يصدر الشعور بالألم

وينتج الإحساس بالألم من اكتشاف الجهاز العصبي الحسي لمثيرٍ مزعج، كالحرق الكيميائي والجرح بأداة حادة والضغط على الكدمات. ويؤدي الإحساس بالألم إلى مجموعة متنوعة من الاستجابات الفسيولوجية والسلوكية لدى الحيوانات. وقد وثق جيداً استجابات تجنُّبية لدى الحشرات لملامسة مسبّبٍ محتمل للضرر.

أعراض الإحساس بالألم عند ذبابة الفاكهة

زيادة على ذلك، كشفت تجارب أجريت عام 2019 أن ذبابة الفاكهة أظهرت أعراض الألم المزمن بعد أن أزال الباحثون أحد أطرافها. وبمجرد أن تعافت الذبابة تماماً، وجد الباحثون أن الطرف المقابل أصبح شديد الحساسية.

وتتبع مؤلفو الدراسة ذلك إلى أن فقدت الذبابة آلية "كبح الألم" في حبلها العصبي. وتعمل آلية كبح الألم على تلطيف الإحساس بالألم، ولكن ذباب الفاكهة يفقد هذه الآلية كلياً عندما تستثار الأعصاب الحسية بشكل مفرط.

ولكن بما أن البكتيريا أيضاً ستبتعد عن المثيرات المزعجة، فإن اكتشاف الألم لدى كائن آخر ليس بسيطاً مثل مراقبة رد الفعل السلبي تجاه ملامس مسببٍ للأذى. وبغية ضبط شعور واعٍ بالألم، نحتاج إلى نظام فسيولوجي معقد يتصل بأدمغتنا، وربما نحتاج أيضاً إلى عواطف ومشاعر.

آلية تخفيف الشعور بالألم لدى الثديّات

ففي الثدييات، ترسل مستقبلات الألم إنذاراً بملامسة مثير مؤذٍ إلى أدمغتها، حيث تولد الخلايا العصبية شعوراً بالألم سلبياً وذاتياً وفيزيولوجياً وعاطفياً.

وتشير الدراسات إلى إمكانية ضبط الألم والشعور به بشكل مستقل عن بعضهما بعضاً، وحددت أنظمة مميزة تضبط كلاً منهما. لكن لم تحدد هذه الأنظمة بعد في الحشرات بشكل كامل.

قالت ماتيلدا جيبونز، عالمة الأحياء العصبية بجامعة كوين ماري، لمجلة نيوزويك: "إحدى السمات المميزة لإدراك الألم لدى البشر هو أن بإمكاننا تلطيفه بواسطة إشارات عصبية من الدماغ".

وأضافت: "يتجاهل الجنود أحياناً الإصابات الخطيرة في ساحة المعركة لأن المواد الأفيونية بالجسم تكبح السيالات العصبية المسببة للألم. وبالتالي، لذا تساءلنا إن كان دماغ الحشرة يحتوي على الآليات العصبية التي تجعل تجربة الاستجابات الشبيهة بالإحساس بالألم أمراً معقولاً، بدلاً من مجرد الشعور بالألم الأساسي".

وراجعت جيبونز وزملاؤها المصادر العلمية ووجدوا أدلة في بضعة أسطر تشير إلى أن هذه الآلية موجودة لدى الحشرات.

أدلة على شعور الحشرات بالألم

وفي حين أنها لا تمتلك جينات المستقبلات الأفيونية التي تلطف الألم لدينا، فإنها تنتج بروتينات أخرى أثناء الأحداث المؤلمة التي يمكن أن تفيد الغرض نفسه.

وتشير الأدلة السلوكية أيضاً إلى أن الحشرات لديها مسارات جزيئية تمنع الاستجابات للتلامس بمسبب للضرر، سواء بالنسبة للجهاز العصبي المحيطي أم المركزي. على سبيل المثال، يؤدي وجود محلول السكر إلى منع النحل الطنان من تجنب المثيرات المؤذية طبيعياً.

ومن الناحية التشريحية، تمتلك الحشرات خلايا عصبية نازلة من الدماغ إلى الجزء الموجود في الحبل العصبي حيث ينبع رد فعلها الدفاعي ضد لمس مثير ضار. علاوة على ذلك، تستخدم دودة التبغ سلوكيات التخفيف بعد الإصابة، كالتبرّح.

لكن قد لا يكون أي من هذه الأمور حاسماً بمفرده، ولكن إذا جمعت معاً، فإنها تشير إلى أن الحشرات لديها نوع من نظام التحكم في الاستجابة للألم، على غرار النظام الموجود لدينا.

ويخلص الفريق في بيانهم إلى: "نحاجُّ بأن الحشرات تمتلك على الأرجح سيطرة عصبية مركزية على الشعور بالألم، بناءً على أدلة علم الأعصاب السلوكية والجزيئية والتشريحية. وآلية التحكم هذه تتوافق مع وجود تجربة الألم".

ونظراً لأن الحشرات مجموعة كبيرة ومتنوعة، من الممكن تماماً أن يختلف تعقيد آلية تلطيف الألم والأحاسيس المحتملة للألم بشكل كبير بين نوع وآخر.

عواقب أخلاقية

ومع ذلك، فإن احتمال شعورها بالألم يثير تساؤلات أخلاقية مهمة تحتاج مزيداً من التحقيق - لا سيما في ضوء التربية الجماعية المقترحة لهذه الحيوانات في المستقبل.

يقول الباحثون: "نقف على مفترق طرق مهم لكيفية إطعام البشر الذين من المتوقع أن يصل عددهم إلى 10 مليارات بحلول عام 2050. وفي حين أن تربية الماشية التقليدي مساهم رئيسي في تغير المناخ، توصي الأمم المتحدة بإنتاج كميات كبيرة من الحشرات من أجل تأمين الغذاء. ومع ذلك، لم يُنظر في عواقبها الأخلاقية بشكل شامل، لأن قوانين الرفق بالحيوان لا تغطي الحشرات".

sciencealert