شخصية Thomas the Tank Engine مثال على معضلة حرية الإرادة لدى الإنسان

منوعات

نظرة فلسفية على شخصية توماس من مسلسل Thomas & Friends ومسألة حرية الإرادة لدى الإنسان

7 تشرين الأول 2022 12:44

أنحن أحرار أم أن قوانين الفيزياء تحدد أفعالنا؟ وما مقدار حرية الإرادة التي نريدها؟ قضّت هذه الأسئلة مضاجع الفلاسفة لآلاف السنين، ولم ينجح أحد حتى الآن بإعطاء إجابة مثالية. ولكن يبدو أن شخصية "توماس القاطرة" من مسلسل Thomas & Friends الكرتوني قد تقدم لنا إجابة وأدلة عليها.

وعلى أن توماس مجرد قاطرة، إلا أنه يتصرف مثلما يتصرف الإنسان، فيتخذ قرارات واختيارات. وهو مسؤول أخلاقياً عن أفعاله، إذ حين يُخطئ يعاقب.

لكن إذا نظرنا إلى مستوى أعمق تمسي الأمور معقدة، إذ إنه قاطرة يُحدد تحركاته شكل مسار السكة الحديدية وطريقة عمل محركه وموظفو السكة الحديدية. فهل هذه إرادة حرة أم أنها مجرد وهم؟

وتشرح لنا قوانين الفيزياء كيف يفضي حدث في الماضي إلى حدث في المستقبل. على سبيل المثال، إذا وضعت غلاية على الموقد، فإن قوانين الديناميكا الحرارية تحدد أنها ستغلي عند نقطة قريبة في المستقبل. وإذا لم أتدخل في الغلاية أو الموقد، فهناك نتيجة واحدة ممكنة، وهي أن الماء سيبدأ بالغليان.

وتقول حجة فلسفية قوية تدحض فكرة حرية الإرادة إنه بما أننا لا نستطيع تغيير الماضي، وبما أننا لا نستطيع تغيير قوانين الفيزياء، فلا يمكننا تغيير المستقبل أيضاً، ذلك أن المستقبل نتيجة للماضي، وتملي قوانين الفيزياء أن الماضي سيفضي إلى المستقبل. إذن المستقبل لا يقبل البدائل.

وهذا ينطبق علينا أيضاً، إذ إن أجسامنا هي أشياء مادية مكونة من ذرات وجزيئات تحكمها قوانين الفيزياء. وكل قرار وتصرف نتخذه يمكن إرجاعه في النهاية إلى بعض الشروط الأولية في بداية نشأة الكون.

وقد يخالجنا شعور بأننا أحرار الإرادة، لكن هذا مجرد وهم. وينطبق الأمر نفسه على توماس، فقد يُهيّأ له أنه حر، لكن أفعاله يحددها مسار السكة الحديدية وجدولها الزمني. إذن ما يفعله لا يقبل البدائل، فهو في آخر الأمر مجرد محرك بخاري تحكمه قوانين الديناميكا الحرارية.

المسؤولية الأخلاقية

ولكن إن لم تقبل تصرفات توماس بدائل، فلماذا يتعرض للتوبيخ عندما يخطئ؟ وإنْ هو إلا آلة، فهل من المنطقي اعتباره مسؤولاً من الناحية الأخلاقية؟ في النهاية، أليس من الغريب أن أقول إن الغلاية تستحق الثناء على غلي الماء، إذا لم يكن بوسعها فعل خلاف ذلك؟

أجرى الفيلسوف الأمريكي هاري فرانكفورت تجربة فكرية بديعة تُبيّن أن ليس من الضروري أن يقبل المستقبل البدائل حتى نكون مسؤولين أخلاقياً.

لنتخيل عاملين، وليكن أحدهما القاتل والآخر المتحكم. لدى المتحكم أقطاب كهربائية متصلة بدماغ القاتل. وإذا لم يفعل القاتل ما يريده المتحكم، يشغل الأخير الأقطاب الكهربائية ليجبر القاتل على الانصياع لأوامره.

والآن، يريد المتحكم موت شخص ما، لنسمّه الضحية. لذلك يفكر في توجيه القاتل لقتل الضحية. لكن اتضح أن القاتل يريد موت الضحية أيضاً، لذا يقتل الضحية من دون أن يتدخل المتحكم على الإطلاق. والأقطاب الكهربائية لا تزال مطفأة.

ما المغزى من القصة؟ مع أن تصرفات القاتل لا تقبل البدائل (فإذا قرر القاتل عدم قتل الضحية، لأجبره المتحكم على القيام بذلك على أي حال)، إلا أنه لا يزال مسؤولاً ويعاقب بتهمة القتل.

ويبدو أن توماس يمر في الموقف نفسه، فعندما يقوم بأفعال لا تتعارض مع قواعد السكة الحديدية أو بموجبها، له حرية القيام بها بمحض إرادته. وعندما لا يفعل ذلك، يتدخل شخص ما، إما السائق وإما قاطع التذاكر وإما المتحكم البدين. وهذا لا يعفي توماس من التوبيخ عندما تسوء الأمور. وحقيقة أن أفعاله لا تقبل البدائل لا تغير شيئاً من الأمر.

ما مقدار حرية الإرادة المرغوب فيه؟

ماذا عن وجود كون لم يتحدد فيه مستقبل توماس، هل سيكون حراً فيه؟

مع أن صدرنا يضيق بمعرفة أن أفعالنا قد تكون محددة مسبقاً، البديلُ ليس أفضل، فالكون الذي يكون فيه المستقبل غير محدد، حيث يقبل البدائل، هو كونٌ فوضوي للغاية. وأنا أريد أن أعرف أنني عندما أضع الغلاية على الموقد ستغلي. كما أن الكون الذي يتحول فيه الماء تلقائياً إلى عصير برتقال مجمد ليس المكان الذي يرغب معظمنا في العيش فيه.

وينطبق الشيء نفسه على توماس. إذا سُمح لتوماس بمغادرة مسارات السكة، أو الطيران في الهواء، أو إذا لم يتبع محركه البخاري قوانين الديناميكا الحرارية، فلن يعمل كونه بطريقة سليمة.

إن شخصية توماس تجسد حدسنا حول حرية الإرادة. ونحن بحاجة إلى الاختيار والمسؤولية الأخلاقية، لكننا لا نريد أن تكون أفعالنا غير محددة أبداً. نريد أن تتوسط إرادتنا الحرة بين الحتمية الكاملة والعشوائية الكاملة.

ترجمة: علاء حامد العطار

صحيفة ذا كونفرزيشن