أخبار لبنان

الخلاف السياسي بين حزب الله والتيار الوطني الحر: الطرفان شديدا الحرص على بقاء العلاقة بينهما

9 كانون الأول 2022 07:16

رأت صحيفة "الأخبار" أن تحالف حزب الله والتيار الوطني الحر تظلله غلالة شديدة السواد، خاصة بعد انعقاد الجلسة التاسعة لانتخاب رئيس الجمهورية أمس، التي لم تختلف برأي الصحيفة عن سابقاتها لجهة نتيجتها "المحكومة بالفشل".

لكن الصحيفة أكدت أن الطرفين شديدا الحرص على البقاء تحت سقف الحفاظ على العلاقة، وهو ما تبدّى بين سطور البيانين التوضيحيين اللذين صدرا أمس، عن كل من مكتب العلاقات الإعلامية في حزب الله الذي انتهى بالتأكيد على "حرصنا على الصَّداقة والأصدقاء"، وعن اللجنة المركزية للإعلام والتواصل في التيار التي أنهت بيانها بأن "التيار الوطني الحرّ يعرف معنى الصداقة جيّداً ويقدّم كل ما يلزم في سبيل حفظها والحفاظ عليها".

الالتباسات في العلاقة تستدعي الجلوس سوياً

ولفتت إلى أن ذلك ترافق مع تراجع حدّة التصريحات العونية وتأكيد عدد من نواب تكتل لبنان القوي بأن الطلاق بين الطرفين لم يقع، وتعميم حزب الله مجدداً على كافة مسؤولي الحزب ومؤسساته الإعلامية ومناصريه على وسائل التواصل الاجتماعي بعدم الدخول في أي سجال. فالبيان "كفّى ووفى وتناول نقطة معينة استوجب توضيحها من دون الرد على بقية النقاط التي تحدث عنها النائب جبران باسيل لأن الحزب ليسَ في وارد الدخول في سجال"، علماً أن "هناك قضايا تحتاج إلى نقاش ويأتي وقتها لاحقاً"، وفق مصادر مطلعة أكدت أن "حزب الله شديد التمسك بهذا التحالف وبالدفاع عنه".

وكان واضحاً في نظر الصحيفة من البيانين أيضاً أن "سوء التفاهم" بينهما ليس عرضياً، وأن هواجس الطرفين باتت كبيرة وأن الالتباسات في العلاقة تتسع، وهو ما يستدعي الجلوس سوياً، وسريعاً، ويجعل من المصارحة أمراً شديد الوجوب، ناقلة عن مصادر مطلعة ضرورة أن يختم البيانان النزاع العلني ويحسما الوجهة إلى التهدئة، على أن يُترك بدء إعادة التواصل إلى الأيام القليلة المقبلة، والتأكيد على أن ما بين التيار وحزب الله هو "زواج ماروني" وليس "عقد زواج مؤقت"، وهما يدركان أن الانفصال ليس خياراً.

وأضافت "الأخبار" إنه رغم التوجّه الذي اعتمده حزب الله بالابتعاد عن السجال، كان البيان الصباحي "طبيعياً بعد التشكيك في مصداقية الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، خصوصاً أن رأسمال الحزب هو التزامه بوعوده"، فكان لا بد من أن يوضح البيان بأن الحزب "لم يقدّم وعداً لأحد بأنّ حكومة تصريف الأعمال لن تجتمع إلا بعد اتفاق جميع مكوناتها على الاجتماع، ولم يقدّم وعداً للتيار الوطني بأنّه لن يحضر جلسات ‏طارئة للحكومة إذا غاب عنها وزراؤه. قلنا بوضوح إنّ الحكومة لن تجتمع إلا في حالات الضرورة والحاجة الملحّة. وفي حال اجتماعها، فإنّ قراراتها ستؤخذ بالإجماع". وأكد أنّ "الصادقين لم ينكثوا وعداً، وقد يكون الأمر التبس على الوزير باسيل، فأخطأ عندما اتهم الصادقين بما لم يرتكبوه".

التيار يدرك خطورة الانفصال الكلي عن حزب الله

وأشارت الصحيفة إلى أن مفردة "الالتباس" وردت أيضاً في بيان اللجنة المركزية للإعلام والتواصل في التيار، رداً على بيان الحزب، وجاء فيه أن "ما ورد في بيان العلاقات الإعلامية في حزب الله ملتبس جداً ويحمل تناقضاً بين الحرص على إجماع مكوّنات الحكومة في اتخاذ القرارات فيما لا ينسحب ذلك على حضور الجلسات، فإذا لم يكن هناك إجماع في الحضور فكيف يكون في اتخاذ القرارات".

كما نقلت عن مصادر في التيار الوطني الحر حرصها على الإشارة إلى أن "بياننا كان مهذباً"، فيما قالت مصادر مطلعة إن "البيانين توضيحيان ولا يهدفان إلى تصعيد الموقف". وأشارت مصادر التيار إلى أن "لا تواصل بينَ الطرفين حتى الآن، ولا يزال كل منهما يدرس بهدوء مآلات ما حصل لتحديد توجهاته في المرحلة المقبلة". ولفتت إلى أن بين إشارات التهدئة التي أعطاها التيار الوطني الحر في جلسة مجلس النواب أمس، عدم اتخاذه "خطوة نافرة" أو الإقدام على "دعسة ناقصة"، رغمَ تهريب أحد الأصوات للنائب ميشال معوض، مشيرة إلى أن من شأن ذلك تبريد الأرضية السياسية تمهيداً لفتح نافذة حوار.

وفي السياق، علّقت مصادر سياسية بأن ما حصل يؤشر إلى أن "التيار الوطني الحر يحفظ خط الرجعة مع حزب الله حتى الآن، إذ لم يخرج نهائياً من خيار الورقة البيضاء ولم يذهب إلى تسمية مرشح محدد"، خصوصاً أن باسيل الذي "يبدو الأكثر انضباطاً وهدوءً بين التياريين في مقاربة الخلاف يدرك ضيق الهوامش أمامه وخطورة الانفصال الكلي عن حزب الله وأهمية التحالف الاستراتيجي معه، مع علمه أن من هم في الداخل والخارج ينتظرون فرصة للتضييق عليه وعزله".

حزب الله لن يترك المبادرة الرئاسية بيد باسيل

أما صحيفة "الجمهورية" فقد رأت أن النكسات التي شهدتها العلاقة بين التيار والحزب تُختصر بواحدة تتمثل في عدم ترك "حزب الله" المبادرة الرئاسية بيد باسيل ليكون صاحب القرار الأول والأخير في استحقاق مسيحي ويشكل أساساً أولوية الأولويات له، ومن منطلق أيضاً أن "التيار الحر" لا يتدخّل في خيار الحزب وقراره فيما يتصل بالرئاسة الثانية، وأنه على الحزب أن يحذو حذوه بأن يكون في موقع الداعم لحليفه وليس المقرِّر عنه.

ولفتت إلى أن التيار الحر لا يتعامل مع حزب الله على قاعدة أن الثاني هو المقرِّر والأول هو المنفِّذ، إنما يتعامل معه من منطلق شراكة بين فريق كان مأزوماً في عامي 2005 و2006 ومحاصراً وبحاجة لمن يفكّ عنه العزلة ويشكل غطاءً لدوره وسلاحه، وفريق يريد رئاسة الجمهورية التي رفضت مكونات 14 آذار منحه إيّاها. فالعلاقة بينهما ليست بين تابع ومتبوع، إنما بين شريكين بوظيفتين مختلفتين وحاجتين متبادلتين: التيار بحاجة للحزب من أجل انتزاع رئاسة الجمهورية، والحزب بحاجة للتيار من أجل انتزاع الثلث المعطِّل بدلاً من الفيتو المذهبي، واختراق البيئات الطائفية بتمثيل فعلي لمشروعه.

وبينت أن العلاقة بين الحزب والتيار كانت محط مزايدة من الثاني على مكونات 14 آذار المسيحية بأن شريكهم السني ينافسهم على المواقع المسيحية، فيما شريكه الشيعي يتنازل عن هذه المواقع تلقائياً له، الأمر الذي لم يعد قائماً ويبدو ان هذا التنازل كان سقفه التعهُّد بانتخاب عون وليس من يخلفه، فيما بالنسبة إلى التيار هذه المعادلة يجب أن تكون ثابتة وغير متحركة، لأنّ تراجع الحزب عن تأييد المرشّح الذي يقرِّر هويته التيار يدفع الأخير إلى التراجع عن دعمه المفتوح للحزب.

وأشارت صحيفة "الجمهورية" إلى أن نقطة الخلاف بين الحزب والنائب باسيل أن الثاني لم يفهم على الأول بأنّ ظروف انتخابه غير متوافرة، وأن عامل الوقت هذه المرة ضاغط جداً خلافاً للمرة السابقة ولا يسمح بالمماطلة والشغور المفتوح، وأن هناك فرصة لانتخاب النائب سليمان فرنجية لا يجب تفويتها بمعزل عن نجاح هذه المحاولة أو فشلها، ولكن لا بدّ من المحاولة التي اصطدمت بجوهر اتفاق الـ"سين-سين"، اتفاق السلاح والسلطة الذي ركيزته ومنطلقه وأساسه وهدفه وخلفيّته رئاسة الجمهورية التي يعتبر التيار انه هو من يسمّي والحزب من يدعم لا العكس.

غياب البدائل التحالفية لدى الحزب والتيار

وقالت: إذا كان لا مصلحة لـ "حزب الله" بفكّ التحالف مع حليفه الأقوى خارج البيئة الشيعية، فإنه لا مصلحة إطلاقاً لـ "التيار الوطني الحر" بفكّ هذا التحالف كونه يفتقد إلى أي حليف موضوعي له داخل البيئة المسيحية وخارجها بسبب أزمة الثقة التي تراكمت بينه وبين كل القوى السياسية، وبالتالي فالانفصال عن حليفه الوحيد ليس خياراً متاحاً.

وأضافت: في ظل غياب البدائل التحالفية الجدية لدى الحزب والتيار معاً، فإن خلافهما سيبقى تحت سقف تحالفهما، وهذا الاختبار الاشتباكي المثلّث (عدم تأليف حكومة، وترجيح خيار فرنجية، وتغطية اجتماع الحكومة) حصل عشيّة انتهاء عهد الرئيس عون وبعده، وكأنّ الحزب أراد أن يقول لباسيل الذي بدأ مشواره السياسي الجدّي والفعلي مع نهاية ولاية عون إنّ قواعد التحالف التي كانت قد أُرسيت مع مؤسِّس التيار تختلف عن القواعد التي ستستمر مع رئيسه الحالي، وفي حال صحّت هذه الرسالة فإن التحالف سيكون مهدداً بالسقوط بمعزل عن كل الاعتبارات الأخرى، لأن علة وجود التيار دوره السلطوي الرئاسي على غرار علة وجود الحزب سلاحه، ومن يبدِّل خياراته الاستراتيجية التي راكَم شعبيته على أساسها سعياً إلى رئاسة الجمهورية، لن يكون من الصعوبة عليه الخروج من خط سياسي ساهمَ في تراجع شعبيته ولم يعد في وارد تحقيق طموحه الرئاسي.

واختتمت بالقول: إذا كان تشدُّد الحزب مع باسيل له علاقة بتغيير قواعد العلاقة معه، فإن ردّ باسيل على الرسالة بالمثل يعني بأنه لن يقبل بتغيير قواعد هذه العلاقة، وإذا كانت كل التباينات قابلة للمعالجة، فإنّ دعم الحزب لفرنجية عير قابل للمعالجة، فمعادلة التحالف تبدأ من رئاسة الجمهورية، والتيار ليس "مغروماً" بسلاح الحزب ودوره سوى بقدر إبقاء مفتاح الرئاسة الأولى بيده، وفي اللحظة التي يقرِّر فيها الحزب استعادة هذا المفتاح تنتهي هذه العلاقة، وهذا بالذات ما قد يفتح الاستحقاق الرئاسي على فرَص وخيارات، لأنّ الاشتباك مع الحزب الداعم لفرنجية يجعل باسيل يغادر سعيه الرئاسي ويبدأ طريق البحث عن خيارات يتقاطع فيها مع القوى الأخرى. فهل سيبادر باسيل في هذا الاتجاه؟ وهل تخلّى عن ترشيحه نهائياً؟ وهل سيتبنى ترشيحات لا تكون في خدمة مشروعه الخاص وتشكل مساحة مشتركة جدية مع الآخرين؟ لا شك أن إعادة تَموضع أحد المكونات يُعيد خلط الأوراق النيابية والرئاسية، ولكن هل يمكن الحديث جدياً عن تموضع جديد لباسيل؟

جريدة الأخبار + صحيفة الجمهورية