أطراف عديدة تجري تحقيقاتها لكشف ملابسات حادثة العاقبية

أخبار لبنان

حادثة العاقبية: التحقيق الرسمي يبدأ اليوم واليونيفيل تميل إلى الاقتناع بأن الحادثة غير مدبرة

16 كانون الأول 2022 08:17

تراءى لجريدة "الأخبار" أن قوات اليونيفيل تميل إلى الاقتناع بأن حادثة مقتل جندي إيرلندي في العاقبية جنوب صيدا غير مدبّرة، لافتة إلى أن التحقيق الرسمي يبدأ اليوم، لكن بعضهم تساءل عن عواقب الحادثة محلياً ودولياً وما إذا كان للكيان الإسرائيلي يد في الحادثة.

أحداث مصيرية قد لا تنتهي إلا بتسوية كبرى

وهذا الوزير السابق يوسف سلامه غرد عبر حسابه على تويتر، قائلاً: "هل حصل حادث اليونيفيل ليؤكد طبيعة وهوية الأزمة التي يعاني منها لبنان؟ وهل موقف وزير الداخلية يعكس تبايناً جدياً بين أعضاء الحكومة؟ أم أنه لامتصاص النقمة الفورية وكسب فترة سماح جديدة لتدوير الزوايا؟ أخشى أن يكون مؤشراً لأحداث مصيرية لن تنتهي إلا بتسوية كبرى ترسم ملامح لبنان الغد".

من جانبها، عدت صحيفة "الشرق الأوسط" الاعتداء الذي تعرضت له القوات الدولية العاملة "يونيفيل"، ليل الأربعاء، في جنوب لبنان وأدى لمقتل أحد عناصرها وجرح آخرين، هو الأول من نوعه منذ تعديل ولاية بعثة حفظ السلام في أيلول (سبتمبر) الماضي. فبالرغم من محاولات الحكومة في ذلك الوقت استيعاب تداعيات هذا التعديل الذي سمح لهذه القوات بالتحرك في منطقة عملياتها من دون إذن مسبق، ودون مواكبة من الجيش اللبناني، لكنها لم تؤدّ لطمأنة "حزب الله" الذي كان قد اعتبر أن التعديل يحوّلها إلى "قوات احتلال".

وجاء في بيان للقوة الدولية، أمس: "قُتل جندي حفظ سلام، الليلة الماضية، وأصيب 3 آخرون في حادثة وقعت في العاقبية، خارج منطقة عمليات يونيفيل في جنوب لبنان". والضحايا هم من الكتيبة الإيرلندية، وفق ما أعلن وزير الخارجية والدفاع في الحكومة الإيرلندية سايمون كوفني. وذكر الجيش الإيرلندي أن أحد الجنود خضع لجراحة وهو في حالة حرِجة.

وفيق صفا يدعو إلى عدم إقحام الحزب في الحادث

ورداً على الحادثة، ذكر مسؤول وحدة التنسيق والارتباط في "حزب الله"، وفيق صفا، نقلاً عن أهالي البلدة، أن سيارة تابعة للقوة الإيرلندية دخلت في طريق غير معهود العبور به، في حين سلكت السيارة الثانية الأوتوستراد الدولي المعهود المرور به ولم يحصل معها أي إشكال.

وتقدَّم صفا بالتعزية لقوات "يونيفيل"، متمنياً الشفاء للجرحى في الحادث "غير المقصود"، ودعا إلى عدم "إقحام" الحزب في الحادث، مطالباً بترك المجال للأجهزة الأمنية للتحقيق.

وربط كثيرون، في الساعات الماضية، بين تعديل هذه المهام وما حصل من اعتداء يوم أمس، إلا أن مصدراً في وزارة الخارجية أوضح أن الحادثة أصلاً حصلت خارج منطقة عمل "يونيفيل"، ومن ثم لا يمكن أصلاً لهذه القوات القيام بأية عملية في هذه المنطقة، سواء في إطار المهام السابقة أو الجديدة، مما يجعل الربط بين التعديلات الأخيرة وما حدث في غير مكانه.

وأضاف المصدر، لـ "الشرق الأوسط": "هناك تحقيقات فُتحت بين يونيفيل والشرطة العسكرية لتبيان ما حصل، وهو مستنكَر ومرفوض تماماً، سواء كان حادثاً فردياً أو غيره".

تغيير قواعد الاشتباك

ومدَّد مجلس الأمن الدولي، في 31 آب (أغسطس) الماضي، ولاية "يونيفيل" إلى عام إضافي، بعد أن تبنَّى القرار 2650 لعام 2022، بناء على طلب من الحكومة اللبنانية، لكن القرار تضمّن للمرة الأولى تعديلات في ولاية البعثة، بالقول إن يونيفيل "لا تحتاج إلى إذن مسبق أو إذن من أي شخص للاضطلاع بالمهام الموكَلة إليها"، وإنه "يُسمح لها بإجراء عملياتها بشكل مستقل". وقضت قواعد الاشتباك المعمول بها منذ عام 2006، بأن يرافق الجيش اللبناني دوريات "يونيفيل" في نطاق عملياتها في الجنوب.

ورجّح كثيرون حينها أن يؤدي ذلك إلى تغيير قواعد الاشتباك القائمة منذ عام 2006 بين القوات الدولية و"حزب الله"، علماً بأن العلاقة بين هذه القوات والأهالي في منطقة عملها كانت تشهد توتراً باستمرار في السنوات الماضية، ما يؤدي للاعتداء المتكرر عليها من عدد من المدنيين، وهو ما دفع قيادتها لمطالبة القوات المسلَّحة اللبنانية بضمان سلامتها وأمنها.

وتبعاً للصحيفة، استبعد أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية، هلال خشان، أن يكون ما حدث مؤخراً مرتبطاً بتعديل مهامّ هذه القوى. وأشار إلى أنه "كما الكل يعلم، فمن يُقال عنهم مدنيون يتعرضون لهذه القوات في منطقة عملياتها بين الحين والآخر هم أصلاً عناصر بالحزب يرتدون زياً مدنياً"، معتبراً أن "الحزب يسيطر على منطقة عمل يونيفيل، والكل ملتزم إلى حد كبير بالخطوط الحمراء التي رسمها هناك، سواء يونيفيل أو الجيش اللبناني أو المجتمع الدولي".

ولفتت جريدة "الأخبار" إلى أنه حتى ساعة متأخرة من ليل أمس، لم يكن أحد من الجهات المعنية قد وصل إلى رواية كاملة، أو حتى رواية أوليّة متماسكة، حول ما حصل عند الساعة 9:15 من ليل الأربعاء في منطقة العاقبية، لا سيّما استخبارات الجيش اللبناني، أو الشرطة العسكرية التابعة لليونيفيل التي فتحت تحقيقاً بدورها. فيما تجري المقاومة من جانبها تدقيقاً لمعرفة ما الذي جرى بالضبط.

حادثة العاقبية غير مدبرة

ورأت "الأخبار" أن ما ظهر جليّاً هو القناعة المشتركة بين قيادة اليونيفيل والجيش اللبناني وحزب الله بأن ما حصل هو نتيجة حادث غير مدبّر. ووصف مصدر عسكري غربي تشارك قوات بلاده في اليونيفيل لـ "الأخبار" بأن ما حصل، بناءً على ما توافر من معلومات، هو "نتيجة سلسلة من الأخطاء غير المقصودة من الجميع". وظهرت أيضاً رغبة لدى اليونيفيل وحزب الله على حدٍّ سواء للملمة ذيول الحادثة وعدم إعطائها أبعاداً سياسية. فسارعت اليونيفيل إلى إصدار بيان هادئ يشرح ما حصل من دون أي اتهام واصفةً الأمر بالحادثة، فيما قدّم مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله وفيق صفا تعازي الحزب للقوات الدوليّة، مؤكّداً أن لا علاقة لحزب الله بالموضوع لا من قريب أو من بعيد.

كما بينت الصحيفة أن السفارات الغربية أبدت اهتماماً كبيراً بالمسألة، فأجرت سفارات كل من ألمانيا وفرنسا وإسبانيا وغيرها عدداً من الاتصالات، محاولةً استطلاع موقف حزب الله الحقيقي من أكثر من جهة، وتأكدت أن الحزب يصف الأمر أيضاً بالحادثة. فيما تولّت استخبارات الجيش اللبناني سلسلة اتصالات مع قيادة اليونيفيل لتوضيح الموقف بين جميع الأطراف.

ونقلت عن مصادر أمنية لبنانية رفيعة المستوى، وعن مصدر أمني غربي تشارك بلاده في القوّة الدولية، وعن مصدر داخل قوات الطوارئ الدولية، إمكانية تكوين صورة أوليّة تلخّص بالآتي:

لسبب مجهول، وأثناء انتقال عربتين مصفحتين لليونيفيل من منطقة عمليات القوة جنوب الليطاني إلى مطار بيروت الدولي بهدف إيصال جنود لمغادرة البلاد ضمن عمليات التبديل الدورية، انحرفت السيارتان عن مسارهما المعتاد على الطريق الدولي إلى الطريق الفرعية داخل بلدة العاقبية، التي تقع خارج نطاق عمليات القوة الدوليّة. وبعدما لاحظ الأهالي مرور الآليتين اعترضوهما وطلبوا منهما التراجع والعودة إلى الطريق الدولية. حاولت السيارات العبور من بين الأهالي والعودة باتجاه معاكس وسط حالة هرجٍ ومرجٍ، فصدمت أحد المواطنين وعدداً من السيارات، قبل أن تتعرض أثناء فرارها لإطلاق نار، قالت وزارة الدفاع الإيرلندية في بيانها إنه من "أسلحة خفيفة"، من دون أن تذكر تسلسلاً زمنيّاً للأحداث. وبعد إطلاق النار، اصطدمت الآلية بأحد الأبنية وانقلبت.

ويقرّ المصدر الأمني الغربي بأن "الدورية عبرت في منطقة غير مخصصة للعبور، وهذا الأمر يثير الحساسيات في الجنوب دائماً، ومن المؤكّد أن هناك خطأ حصل في خط سيرها".

من جانبها، استنتجت مصادر القوات الدولية أوليّاً بأن "المركبة ضلّت طريقها وسائقها لا يتعدّى من العمر 23 عاماً، ومن المؤكّد أنه والجنود أصيبوا بالهلع من تجمهر الأهالي وعندما حاولوا الفرار صدموا أحد الأشخاص ما أصاب المتجمهرين بالغضب فعمدوا إلى إطلاق النار على المركبة".

وحول فوضى السّلاح، يؤكّد المصدر العسكري الغربي، بأن "هناك عدة أحداث تحصل في لبنان وهذه الأيام يتم إطلاق النار سريعاً في أي إشكال فردي، لذلك لا نستطيع أن نتهم جهة بالحادث أو القول بأن الحادث مدبر، ونميل إلى الاقتناع بأن ما حصل رد فعل عفوي طالما أن الجميع يحمل السلاح هذه الأيام ومستعد للقتل لأسباب تافهة، وننتظر نتائج التحقيق قبل القيام باستنتاجات رسمية".

محاولات استثمار حادثة العاقبية

ولفتت جريدة "الأخبار" إلى ما أسمته "مواقف متسرّعة" لوزير الداخلية والبلديات القاضي بسام المولوي ووزير الخارجية عبد الله بو حبيب اللذين سارعا إلى إدانة الحادثة قبل فهم ما حصل. كذلك حاول أخصام المقاومة في الداخل الاستفادة من الحادثة للهجوم على حزب الله وتبنّي رواية كمين أو اعتداء على اليونيفيل. كما جاء تصريح رئيس الوزراء الإيرلندي ميشال مارتين، عن أن قواته تعمل في بيئة معادية، مغايراً للواقع، إذ إن القوات الدولية والكتيبة الإيرلندية نفسها تشيد بالأجواء الهادئة في الجنوب، خصوصاً بعد التقرير الإيجابي الذي أعلن عنه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غويتريش بداية الشهر الحالي، حيث أشاد بالهدوء في الجنوب وبالتعاون بين القوات الدولية والأهالي والقوات المسلحة اللبنانية، واعترف بأن العوائق أمام القوات الدولية للوصول إلى كل النقاط على الخط الأزرق تمت إزالتها.

أياد إسرائيلية

واعتبرت الصحيفة أن أجواء التهدئة لا تعفي "إسرائيل" والولايات المتحدة من محاولة زرع الفتن بين اليونيفيل والأهالي في الجنوب، عند كل استحقاق في مجلس الأمن والأمم المتحدة، لا سيّما في المشاورات حول التجديد لمهمة القوات الدولية في أيلول الماضي. إذ شُنت حملة شعواء للتأكيد على حرية حركة اليونيفيل من دون الجيش اللبناني، ونجحت الولايات المتحدة في الإضاءة على ثغرة في الـ 1701 على حساب العرف المنطقي القائل بضرورة تنسيق ومواكبة الجيش لتحركات القوة الدولية.

وقالت: ليس خافياً، أن العديد من الصدامات التي وقعت بين أهالي الجنوب والقوات الدولية، كانت غالبيتها بسبب خروج القوات الدولية عن الطرقات المسموح لها التنقّل عبرها وبغياب الجيش الذي سرعان ما يعالج المشكلة عندما تحضر قواته للفضّ بين الأهالي والقوات الدولية. كما لا يمكن إنكار أن منطقة الساحل الجنوبي، مرصودة ومستخدمة من قبل العدو الإسرائيلي في أكثر من محطّة تاريخية، ما يترك دائماً مجالاً للشكّ عند أهالي المنطقة في أي تحرك عسكري غير معتاد.

وبانتظار صدور التحقيقات وجلاء الحقيقة، ختمت الصحيفة بالقول إن وقائع حادثة العاقبية تؤكّد ضرورة التنسيق بين القوات الدولية والجيش اللبناني في أي خطوة تقدم عليها اليونيفيل، بما يخفّف من التوتّر ويحدّ من إساءة الفهم والوصول إلى حوادث غير مقصودة.