يحدث التطور عادةً على مدى آلاف السنين، لكنه يمكن أن يحدث خلال عدة أجيال فقط، على سبيل المثال، طورت عصافير داروين في جزر غالاباغوس مناقير متخصصة بسرعة استجابةً لتغير خيارات الطعام المتاحة، كما طورت سحالي الأنول الأخضر (Anolis carolinensis) وسائد أصابع أكبر تمكنها من التسلق لأماكن أعلى هربًا من المفترسات، بينما أصبحت عثث الفلفل (Biston betularia) داكنة اللون بعد أن لوثت الثورة الصناعية المدن بالسخام الأسود.
أسرع الحيوانات تطورا
يقول مايكل بنتون، عالم الحفريات الفقارية في جامعة بريستول في المملكة المتحدة: "لا أعتقد أن هناك كائنات معينة تتطور بسرعة دائمًا". ويضيف: "هناك منظوران رئيسيان؛ الأول هو أن هناك شيئا فطريا وأساسيا في بعض الكائنات يجعلها تتطور بسرعة، بينما الأخرى تتطور ببطء. والثاني هو أن كل كائن حي قادر على التطور بسرعة، لكن ذلك يعتمد على التغيرات البيئية التي تشكل الحافز الأساسي للتطور."
اللقب "أسرع الكائنات تطورا" مثير للجدل للغاية. بعض العلماء منحوا هذا اللقب لطائر التواتارا (Sphenodon punctatus)، وهو حيوان يشبه السحالي ويتواجد في نيوزيلندا فقط، يعد هذا الحيوان الناجي الوحيد من رتبة Rhynchocephalia، التي كانت أكثر تنوعا خلال حقبة الميسوزويك (منذ 251.9 مليون إلى 66 مليون سنة) مقارنةً برتبة الحرشفيات، التي تشمل السحالي والثعابين الحديثة.
دراسة أجريت عام 2008 في مجلة Trends in Genetics حللت الحمض النووي للتواتارا القديم والحديث، ووجدت أن هذه الكائنات التي تُعتبر "أحفوريات حية" في الواقع لديها أسرع معدل تطور جزيئي مسجل بين الحيوانات الفقارية، هذا يعني أن رغم أن مظهرها الخارجي لم يتغير كثيرًا على مدى ملايين السنين، فإن حمضها النووي يتطور بسرعة. وبالمثل، وجد العلماء أن بطريق أديلي (Pygoscelis adeliae) تطور جينيًا بمعدل أسرع بمرتين إلى سبع مرات من التقديرات السابقة، رغم أن مظهره الخارجي لم يتغير بشكل ملحوظ.
لكن ليس كل العلماء يتفقون على أن هذا التطور الجيني يجعل التواتارا أسرع الأنواع تطورا.
يقول مايكل لي، عالم الأحياء التطوري في جامعة فلندرز ومتحف جنوب أستراليا: "الحقيقة هي أن التواتارا يبدو أنه لم يتطور كثيرا من الناحية التشريحية لأنه مرتاح تماما لما يفعله ومتكيف تماما مع بيئة نيوزيلندا منذ وجوده هناك".
بدلاً من ذلك، يرى لي أن أسماك السيكليد في بحيرة فيكتوريا هي أسرع الحيوانات الفقارية تطورا في الوقت الحالي.
تطور أسماك السيكليد
بحيرة فيكتوريا، التي تعد أكبر وأحدث بحيرة في إفريقيا وتمتد عبر أوغندا وتنزانيا وكينيا، شهدت تطور أكثر من 500 نوع من أسماك السيكليد خلال آخر 15,000 سنة فقط – وهو فترة قصيرة نسبيا لحدوث ما يعرف بـ"التشعع التكيفي"، وهو عملية تتنوع فيها الأنواع بسرعة لتصبح أنواعا مختلفة.
يقول لي: "الأنواع لا تتنوع إلى أنواع جديدة فحسب، بل إنها أيضا تغير مظهرها لتناسب بيئات مختلفة في النظام البيئي".
على سبيل المثال، تتغذى بعض أنواع السيكليد على العوالق الموجودة في الطبقات العليا من الماء، بينما تعيش أنواع أخرى على البحث عن الطعام في قاع البحيرة الموحل، القدرة على احتلال هذه المنافذ البيئية الخاصة تفسر جزئيًا كيف تطورت هذه الأسماك إلى العديد من الأنواع، حسبما أوضح لي.
هناك سبب آخر لسرعة تطور هذه الأسماك وهو أنها تمتلك فكوكًا بلعومية ثانية، والتي تمنحها مرونة أكبر في تناول أنواع مختلفة من الفرائس.
السبب الثاني هو أن أسماك السيكليد تمارس الانتقاء الجنسي وتتكاثر بسرعة. من خلال اختيار التكاثر مع أفراد ذوي سمات معينة، يمكنها إنشاء أنواع مميزة بعد عدة أجيال، ثم عندما تتزاوج الأنواع المختلفة، تنتج هجائن يمكنها هي الأخرى أن تلد أجيالاً جديدة.
يقول لي: "يمكنك في الواقع أن تبدأ في التطور في اتجاه جديد بسرعة كبيرة". وبدلاً من انتظار ظهور طفرة لتقدم هذه الحلول، يمكن للأسماك استعارة الحلول من سلالة مجاورة.
قد تحظى أسماك السيكليد بالميدالية الذهبية في التطور السريع، لكن هناك مرشحين آخرين يستحقون الميداليات الفضية والبرونزية أيضا.
أسماك الجوبي (Poecilia reticulata) هي واحدة من هذه المرشحين، حيث أظهرت دراسة أن أسماك الجوبي في منطقة خالية من المفترسات في ترينيداد تطورت بمعدل يتراوح بين 3,700 و45,000 وحدة داروين – وهي وحدة قياس تستخدم لتحديد معدلات التطور. للمقارنة، يبلغ معدل الانتقاء الصناعي في الفئران 200,000 وحدة داروين، بينما في السجل الأحفوري لا يتجاوز معدل التطور وحدة داروين واحدة.
من ناحية أخرى، تشهد الأنواع التي تعيش في المناطق الحضرية تغيرًا تطوريًا سريعًا بشكل غير معتاد.
فقد تطورت بعض السحالي في ميامي لتتحمل درجات حرارة أبرد، بينما بدأت بعض النباتات في الإزهار في وقت مبكر بسبب ذوبان الجليد المبكر، ومع تغير المناخ الذي يؤثر على درجات الحرارة ومستويات الملوحة والأنماط الجوية، يتوقع لي رؤية تطور أسرع.
يقول لي: "العالم يتغير بسرعة أكبر من أي وقت مضى". ويضيف: "التطور الذي نراه اليوم ربما يكون أسرع من أي وقت مضى في التاريخ – سواء من حيث الانقراضات التي تحدث أو الاستجابات التطورية الجديدة للتغيرات البيئية التي سببها الإنسان".